“المهمشين“ في اليمن.. حياة غجرية بطابع مختلف
الاحد 07 نوفمبر 2021 - الساعة 12:03 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - عبدالله محسن
المهمشين، هي طبقة تشكل نسبة لا بأس بها من مكونات المجتمع اليمنية في مختلف المحافظات، وتعود أصولها إلى محافظتي حجة والحديدة، ويعتقد بعض الباحثون وجود قاسم مشترك بين هذه الفئة والغجر المنتشرين حول العالم.
وتعد طبيعة حياة المهمشين في اليمن، مثيرة للاهتمام إلى حدما كونها لا تختلف كثيرا عن حياة الغجرين من حيث السكن، والعمل باستثناء طقوس الزواج.
ويقول باحثون: إن "حياة المهمشين في اليمن، مشابهة لحياة الغجر من حيث البساطة وافتراش الارض للسكن، والعيش في خيام وغرف صغيرة أشبه بالأكواخ، حتى وإن توفرت لديهم قيمة شراء المنازل".
ويضيف الباحثون: "هذه الفئة التي تنتشر في اليمن، ليست من الفئات الغجرية المعروفة لدينا، ومن المعروف عن الغجر أنهم يمتهنون عزف الموسيقى في الشوارع لكسب المال".
فيما يقول آخرون: "الغجر الأصليون لا يمتهنون التسول، ولا يتحدثون العربية وعرفت عنهم منذ القدم حياة التنقل والترحال، والسكن في خيام ملونة ذات ألوان زاهية".
وحياة المهمشين في اليمن قائمة على التسول لكسب المال لا سيما من قبل نسائهم وصغارهم، فيما يعمل رجالهم في مهن مختلفة كخياطة الأحذية والأعمال الشاقة في بعض الأحيان، إلى جانب جمع المواد البلاستيكية والخردة وبيعها.
ونستعرض في هذا التحقيق، أبرز الحقائق التي تخص حياة شريحة الفئة المهمشة في ساحل حضرموت، وما إذا كان لهذه الشريحة - بشكل عام - التي تعيش في المناطق اليمنية أي ارتباطات أو أصول تعود إلى الغجررين الذين قدموا من بلدهم الأصلي وقطنوا بلدان مختلفة من العالم.
طقوس الزواج
يقول محمد علي، وهو عاقل الحارة وأب لـ 37 بين ذكر وأنثى، إن حياهم لا تحتاج إلى وصف لايصال معاناتهم وحقوقهم المهضومة في المجتمعات التي يقطنونها، مع ذلك هم مستمرون في العيش وممارسة الحياة بشكل طبيعي.
ويؤكد علي أنهم لا يمانعون من تزويج فتياتهم لأي كان متى ما توفرت رغبة الفتاة في الارتباط من الشخص .. مشيرا إلى أنه لا توجد أي رابطة بينهم وبين الأفارقة الذين يعيشون في اليمن حتى الآن، لما توجد بينهم من اختلافات في الأصل واللغة.
ويضيف علي، أنه على العريس ان يتحمل صداق الزواج البالغة قيمته 500 ألف ريال يمني، وهي قد تزيد أو تنقص لاحقا.. حد قوله.
دفن الموتى
سيطر الغموض على هذا التساؤل وقتا طويلا ولم تتوفر فيه إجابات مقنعة، عما إذا كان يتم دفن الموتى بشكل طبيعي في المقابر، أم يتم حرقهم، أم أكلهم، أم دفنهم في مكان آخر.
وبحسب التحقيق فقد أكد عاقل حارة المهمشين الذي يقطن الجزء البحري في المكلا، بساحل حضرموت أنهم يدفنون موتاهم في المقابر بعد استقطاع تصريح بالدفن من المستشفى.
وفي هذا الصدد يقول باحثون آخرين، إن هذه الفئة من المحتمل أنها تدفن موتاها في مكان آخر غير المقابر، وهو الأمر الذي يدحضه التحقيق وفق ما أكده عاقل الحارة في منطقة ابن سينا بالمكلا.
نظرة غجرية قديمة
أما بالحديث عن نظرة العرب للغجر - قديما - فقد كانوا ينظرون إليهم على أنهم جنس بشري منحط، ولاقى الغجر على الدوام معاملة سيئة من العرب يعود أحد أسبابها إلى أن الغجر مارسوا السرقة والتسول كجزء من عاداتهم القديمة، وعملوا كل ما باستطاعتهم لكسب المال.
وفي المقابل، اعتبر العرب أنفسهم أعلى قيمة من الغجر، ولهذا لم يرغبوا بالاختلاط بهم أو الزواج منهم. ولم يشعر الغجر على طول تاريخهم بالانتماء إلى الشعب العربي نتيجة المعاملة الاستعلائية ونتيجة عادة التنقل التي ميزت أسلوب حياتهم.
في الوقت الذي نال تاريخ الغجر في أوروبا والقارة الأمريكية اهتمام الباحثين والدارسين، فإن المؤرخين العرب تجاهلوا الغجر ولم يدونوا تاريخهم، فلا يجد الباحث عن تاريخ الغجر العرب إلا القليل والنادر مما كتب عن الغجر بالإشارة إليهم وليس تخصيصًا عنهم.
ويبدو أن الغجر الذين عاشوا على هامش المجتمع العربي لم يساهموا في صنع التاريخ العربي، ومن الواضح أن وجودهم لم يكن من منطلق المشاركة كباقي الفئات والقوميات التي عاشت في الأرض العربية وإنما باعتبارهم قوم عابرون في المكان والتاريخ.
تاويخ الغجر
وليس هناك من يشكك في أن تاريخ الغجر هو جزء هام من تاريخ العرب، إلا أن الحقيقة المؤلمة أننا لا نعرف ما يكفي عن الغجر وتاريخهم حتى نعرف أهمية وتأثير وجودهم في الشرق العربي، ويبقى التاريخ الشفوي وقصص الناس عن الغجر هي المصدر الأول.
وتبقى قصة الغجر وتاريخهم مثار بحث مستمر، فمثلما لم يهتم المؤرخون العرب بتدوين تاريخهم فلم يهتموا هم أنفسهم بتدوين لغتهم وتاريخهم. فمن سيكتب تاريخ الغجر العرب؟ ومتى سيتم الكشف عن الوجه الآخر للغجر، الوجه الذي لم نعرفه بعد؟
أصل الغجر
يقول المؤرخ حمزة الأصفهاني في أصل الغجر أنه يعود إلى الهند وتحديدا ولاية "بيهار" التي أرسل ملكها في القرن الخامس الميلادي إلى صهره ملك الفرس "بهرام بور" عشرة آلاف مطرب وعازف مع نسائهم وأبنائهم بناء على طلب الأخير الذي أراد إسعاد شعبه بإقامة حفلات الرقص والغناء.
ويروي الأصفهاني أن القوم التزموا للملك بإقامة الأفراح والليالي الملاح وإضفاء البهجة على احتفالات الشعب والأعياد والمناسبات الوطنية، وبالمقابل أعطاهم الملك بعض الأراضي، ومنح لكل منهم حمارًا أو ثورًا، ومئونة عام، وبذورًا كافية لزراعة الأراضي.
لكن الغجر انشغلوا بعزف الموسيقى والغناء والرقص، استهلكوا مئونتهم التي قدمها الملك ومعها المواشي والبذور خلال وقت قصير، ثم جاءوا إليه في العام التالي يطلبون المزيد، فغضب منهم وطردهم من بلاده.
وارتحل الغجر عن بلاد فارس ساعين لكسب الرزق، فانقسموا إلى ثلاثة أقسام، توجه أحدها صوب الجنوب الغربي نحو بلاد الشام ومنها إلى مصر وشمال أفريقيا، فيما اتجه القسم الثاني شمالا إلى المناطق التي تشكل الآن أرمينيا وجورجيا، وواصل بعضهم إلى اليونان.
أما القسم الثالث من الغجر فقد ارتحل إلى تركيا ومنها إلى وسط وغرب أوروبا وصولا إلى البرتغال وأسبانيا، التي يعيش فيها الغجر منذ نهايات العهد العربي في الأندلس ليشكلوا فيما بعد ابرز ملامح اسبانيا، فهم من أحضر رقصة الفلامنكو إلى الغناء الإسباني، وهم من بدأ بمصارعة الثيران.
وللغجر في الأردن وجهة نظر أخرى فهم يعتقدون أن أصولهم تعود إلى بني مره، وأنهم عرب أقحاح وينكرون أصلهم الهندي، ويستندون في هذه الرواية إلى "حرب البسوس" وإلى "سيرة الزير سالم" الذي انتقم من بني مرة وأمر بتشتيتهم في الأرض وحكم عليهم أن لا يركبوا الخيل وأن لا يذوقوا طعم الراحة والأمن والاستقرار، فهربوا ناجين بأرواحهم، وهاموا في صحاري الجزيرة العربية.
لغات وتسميات
للغجر اسم آخر عرفهم به العرب وهو "النَوَر" ويعرف العرب لغتهم على أنها اللغة العصفورية، ويُطلق عليهم أيضًا اسم "الزُطّ"، لكن الاسم الأصلي للغجر هو "الدوم" ولغتهم هي الدوماري، وهي لغة شفهية غير مكتوبة، يتكلم بها كبار السن من الغجر، وهي لغة تكاد تندثر.
وبقي من الغجر عدد قليل، العدد الأكبر منهم في الأردن، سوريا والعراق، وللغجر في العراق حكاية، وهي حكاية حديثة تحكي عن غزو الراقصات الغجريات للمسرح العراقي في التسعينات، فخلال سنوات قليلة اقتحمت الغجريات خشبة المسرح العراقي التجاري، واقتحمن خشبة المؤسسة الأعرق وهي الفرقة القومية للتمثيل، وإذ بمسارح القطاع الخاص والعام على حد سواء تعج بالغجريات بوصفهن ممثلات، مما أثار نقاد المسرح والصحافة العراقية.
الغجر في فلسطين
يُقال أن الغجر كانوا يمرون في أرض الجولان ومنها إلى فلسطين، وقد كانوا يجوبون المدن الفلسطينية حتى استقر عدد كبير منهم في نابلس، القدس وغزة، وبعد نكبة عام 1948 تهجّر الغجر كباقي أبناء الشعب الفلسطيني، واستقر معظمهم في الأردن وتحديدًا في ضواحي عمان، والقسم الآخر اتجه نحو مخيم جباليا في غزة.
ولا يزال عدد من الغجر يعيشون حتى الآن في ضواحي القدس وفي مدينة نابلس، ويمكن تمييزهم من خلال ملامحهم الخاصة التي لا تشبه العرب.
تقول "أمون سليم" وهي ناشطة غجرية تعيش في القدس وقد أسست جمعية لرعاية شؤونهم: "الغجر المتواجدون في القدس يصل عددهم إلى ألفين على الأكثر وهناك عدة مئات في غزة، لكن العدد الكبير من الغجر غادر إلى الأردن".
وكان الغجر يتواجدون في جنوب اليمن وخاصة في الارياف ولكن بمسمى مختلف - معن- والراقصات معنيات، وكن يقمن برقص الشرح مع من يدخل مقابل بعض النقود، ولكن اختفوا فجأة في الستينات وخاصة بعد الاستقلال، وكانوا يتنقلون على جمالهم وكذا خيامهم وبعض المواشي بين المدن في الأرياف.