أردوغان و«إسرائيل»
الاحد 19 ابريل 2020 - الساعة 11:30 مساءً
حسن العديني
مقالات للكاتب
يحاول أردوغان الإيحاء بأنه يقف مع القضية الفلسطينية لكنه يطور علاقة تركيا ب«إسرائيل» على نحو غير مسبوق
ليست الجوائح البيئية وحدها تفتك بالبشر، بل السياسية أيضاً، فكلتاهما تخلف آثاراً قاسية في أكثر الأحيان، وتؤسس لعلاقات وظواهر ترسم بعض ملامح المستقبل.
وللجائحة الحالية معنى ذو دلالة؛ فقد طوحت بسمعة دول عظمى، وخلفتها وراء دول صغيرة برهنت على قدرة فائقة على أن تقاوم وتصمد في وجه نوازل الطبيعة، وقد بدت الدولة الواقفة في مقدمة العالم مثار إشفاق حين عجز نظامها الصحي عن أن يلقي على وجهها رداءً يستر الخجل، غير أنه في أجواء هذه الجائحة تنكشف من جديد بعض سوءات الجائحة السياسية الأعظم التي حلت بالعالم العربي والإسلامي، منذ أسس حسن البنا جماعته التي حملت جرثومة التكفير، وصنعت حمامات الدم، فرموز هذه الجماعة احتضنتها بلدان أوروبية سنوات وعقوداً، في حراسة القانون ولكن وراء ستار مهام استخباراتية.
ومن خارج الغمام الذي يغلف مدن أوروبا، ويفصلها عن سمائها، برز بقوة، وانتشر وباء «الإخوان»، بعد أكثر من ستة عقود في البلاد التي يدعون أنها آخر دول الخلافة الإسلامية، وكانت في واقع أمرها أبعد ما تكون عن جوهر الإسلام، وروحه، بل جسدت الظلام والظلم في أبشع صورهما.
هكذا، في تركيا العلمانية نبتت الأعشاب السامة، وأطل «الإخوان» مع حزب الرفاه الذي صده ميراث أتاتورك من دون أن يصرعه تماماً، وعاد مع شباب لا ينتمون لجيل المهندس العجوز نجم الدين أربكان، فقد اقبلوا بوجه صفيق لا يضع مساحيق، أو رتوشاً، كما يفعل أسلافهم، حتى أنهم أباحوا ما حرم الإسلام، وما لم يحرم، ومن بين هؤلاء صعد نجم رجب طيب أردوغان، حاكماً لإسطنبول، فوزيراً للخارجية، ثم رئيساً للحكومة، وأخيراً رئيساً للجمهورية، حيث لوى عنق الدستور ليمسك جميع السلطات بيده، وفي مسيرته الشاقة لم يتردد عن سحق رفاقه، ومعلميه.
وليس يعنينا، بأي حال، ما يفعله في بلاده؛ فذلك شأن الأتراك وحدهم، لكننا لا نستطيع أن نغفل، ونتجاهل سياسته إزاء عالمنا العربي، فقد أفرط في العدوان، واستخدم «الإخوان المسلمين» منذ وقت مبكر أدوات لتهديد السلم الاجتماعي في كل قطر، ثم ذهب إلى شن الحروب المباشرة في سوريا، وليبيا، ومثلما يجاهر بالطمع في النفط الليبي، والسوري، فإنه لا يخفي أوهامه بإحياء الامبراطورية العثمانية البائدة.
وهذا الغازي الجديد، والطامع، يحاول تغطية أهدافه التي تشمل المنطقة العربية كلها، بالإيحاء أنه يقف مع القضية الفلسطينية، ويدعم نضال شعبها، لكن أردوغان الداعم للفلسطينيين يطور علاقة تركيا ب «إسرائيل»، وعلى نحو غير مسبوق، فلقاؤه بشيمون بيريز عام 2006 لم يُمح من الذاكرة، وكذلك ابتسامته العريضة لأرييل شارون، بطل مجزرة صبرا وشاتيلا عندما رحب به في القدس عاصمة «إسرائيل الأبدية».. هكذا قال شارون يومها.
وفي واحد من تصريحاته المستخفة قال رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو: (أردوغان يسميني هتلر لكنه يعزز علاقته التجارية مع «إسرائيل»)، والحق أن التجارة بين البلدين تضاعفت في عهد حزب العدالة والتنمية 10 مرات عما كانت عليه من قبل، ومنذ 2014 زادت من 4.2 مليار دولار، إلى أكثر من 9 مليارات، وبحسب إحصاءات صندوق النقد الدولي في 2017 فإن «إسرائيل» تحتل المرتبة العاشرة في أسواق الصادرات التركية، ولم يبق أردوغان، وحزبه، على الشراكة الأمنية والاقتصادية التي وقعها الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل، فقط، بل عمل على تحديثها، وأضاف إليها بنوداً جديدة منحت معاملة تفضيلية للشريك «الإسرائيلي»، حيث تقول الإحصاءات إن 45% من واردات دولة الاحتلال من الحديد، و59% من وارداتها من الأسمنت، تأتي من تركيا، وهاتان هما المادتان الأساسيتان في بناء المستوطنات، وجدار الفصل العنصري.
وأما عن السياحة وحركة الطيران، فإن الأرقام مثار ذهول، وفي وقت قريب، أي في شهر يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، حضرت تركيا معرض السياحة المتوسطي في «تل أبيب».
لهذا يجب ألا تصيبنا الدهشة عندما نسمع أن حكومة أردوغان زودت «إسرائيل» بمعدات طبية خاصة بمقاومة «كورونا».. يا له من لطف، وما أنبلها من مشاعر حين تقول الحكومة التركية إن وراء هذا الفعل دوافع إنسانية.
•عن موقع الخليج