40 يوماً بلا عزاء!
السبت 02 مايو 2020 - الساعة 04:23 صباحاً
أحمد شوقي أحمد
مقالات للكاتب
"في الوقت الذي مارست فيه النيابة العامة ضغوطات شتى لدفن الحقيقة ودفن جثة الشهيد الحمادي لا تزال النيابة إلى اليوم تماطل وتسوّف وتتراخى وتمتنع عن القيام بواجبها في أتخاذ أي إجراءات جدية بشأن استدعاء وضبط عدد من الأشخاص الكبار الضالعين في جريمة اغتيال الحمادي ممن وردت أسماؤهم في التحقيقات وفي شهادات الشهود.. ولا مبرر لذلك التراخي سوى السعي لدفن الحقيقة في مهدها وطمس معالم الجريمة وإفلات بقية المشتركين والممولين والمخططين من العقاب".
مرت علينا ذكرى مرور 40 يوماً على دفن جثمان الشهيد الراحل عدنان الحمادي في 20 مارس الماضي، وهو اليوم ذاته الذي كتب فيه عضو فريق الادعاء في قضية الشهيد المحامي نجيب شرف الحاج منشوراً في صفحته على فيسبوك، عبر فيه عن شكوكه في جدية النيابة العامة إزاء كشف ملابسات قضية الشهيد الحمادي، واعتقاده بأنها سوف تبذل قصارى جهدها لدفن الحقيقة وحرف مسار القضية، وهو المنشور الذي اقتبسنا منه الفقرة أعلاه.
لقد كان واضحاً للكثيرين أن اغتيال القائد الشهيد عدنان الحمادي في 2 ديسمبر من العام الماضي، جريمة سياسية بامتياز، جرى الإعداد لها بعناية، وكانت الوقائع والشواهد والقرائن التي جرت خلال الأعوام الماضية، وخصوصاً التوتر الذي بلغ ذروته خلال العامين الماضيين بين القائد الشهيد عدنان الحمادي، وقيادات في جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، بأجنحتها العسكرية والسياسية والإعلامية، وهو الصراع الذي عبر عنه الشهيد الراحل بوضوح كبير وجرأة عالية في مواجهة جماعة لها تاريخها في جرائم الاغتيالات وتصفية الخصوم السياسيين.
غير أن القائد العسكري، الذي تحول إلى قائد سياسي بحكم الضرورة التي فرضت عليه، قد واجه تعتيماً من مختلف القوى الحليفة للإخوان، والمعادية لهم، بدافع الخوف من خوض صدام مع إمبراطورية مالية وعسكرية وإعلامية ضخمة وتحالفات مع دول إقليمية داعمة للجماعة مالياً وإعلامياً واستخباراتياً، ناهيك عن تخاذل يصل إلى حد التواطؤ من خلال السلطة الشرعية التي ظل رئيسها "هادي" يعدد في لقاءٍ جمعه ببعض القيادات في الرياض ديسمبر الماضي، فضائله ونعمه التي أسبغها على تعز ومواقفه الداعمة التي منّ بها على الحمادي، وهو "هادي" ذاته، الذي كاد على وشك التوقيع على مشروع قرار قدم له بإقالة الحمادي بتوصيةٍ من حاشيته، قبل أن يتدخل نجله "جلال" بضغط من حاشيته هو الآخر، لإيقاف القرار المطروح على مكتب والده، محذراً إياه من تبعات خذلان أول قائد عسكريّ ناصره، ودافع عن شرعيته في الوقت الذي كان فيه الأب "هادي" هارباً في الرياض..!
مؤامرة كبيرة متعددة الفصول والمتغيرات استهدفت القائد الشهيد عدنان الحمادي، غير أن أبرز المتآمرين كانت جينات الحمق التعزية، التي راهن بعضها على المطالبة بلجنة خاصة للتحقيق في جريمة اغتيال الشهيد الحمادي، يتم تشكيلها بقرار من رئيس السلطة الشرعية، السلطة الشرعية التي وصفها الحمادي ذاته، في أحد لقاءاته مع الوسطاء، بأنه كلما ذهب إلى إحدى إداراتها أو مكاتبها للتظلم أو بحثاً عن حق، وجد فيها "سالم" يترصد له ويعانده، ويريد الحمادي بهذا، أن خصمه اللدود عبده فرحان، الشهير بـ"سالم"، ومسؤول ما يسمى بالجناح العسكري للإخوان في تعز، أصبح نموذجاً مكرراً بشخوص متعددة تنخر في جسد الشرعية وتستهدف رجالاتها المخلصين.
لقد طالب البعض منذ الأيام الأولى لجريمة اغتيال الشهيد عدنان الحمادي، بلجنة دولية للتحقيق في جريمة اغتياله، حتى إن توكل كرمان –نفسها– طالبت بذلك، مبدية عدم ثقتها في قدرة الحكومة الشرعية وأهليتها على التحقيق في جريمة مركبة وحساسة كهذه، وهو مطالب صرح به آخرون، وعدم قدرة الشرعية على التحقيق الجاد في الجريمة وكشف ملابساتها ومخططيها ومدبريها ومموليها، يتضمن أيضاً عدم نزاهة وحياد واستقلالية بعض أجهزتها وموظفيها الكبار، وهشاشتها، وسهولة إخضاع بعض الجهات والأطراف والأشخاص فيها للضغوط، أو، بالنظر إلى شواهد سابقة، الاشتباه بأدوارهم العدائية تجاه الشهيد في حياته، وهو ما يلقي بظلال غامقة على قضية اغتياله بالضرورة.
قد يرى البعض أن ذلك مستحيل وغير واقعي، بالنظر لاهتمامات الأمم المتحدة، وثانوية ملف اليمن وأحداثه الدراماتيكية بالنسبة لأولوياتها، غير أنه بنظر البعض وأنا منهم، كان ممكناً للغاية إذا ما تم تبني قضية استشهاد القائد الحمادي، كقضية محورية وأولى في المشاورات مع المبعوث الأممي، وكذلك، عبر فريق الخبراء الأممي الخاص باليمن، والذي يهتم بمثل هذه القضايا، ويرفع إحاطات حولها، وفي حال كلف هذا الفريق، أو أشرف على التحقيقات في هذه الجريمة وكشف ملابساتها عبر كادر أمني وقضائي محترف وليس له ارتباطات بالحكومة أو الأطراف المعنية إيجاباً وسلباً في اليمن بما يؤثر على استقلاليته فقد كان ممكناً الوصول إلى خيوط هامة، ونتائج ذات معنى تكشف عن ملابسات هذه القضية، إذا ما استتبع ذلك التزاماً بالكشف عن ملابساتها للرأي العام وعدم الخضوع للضغط أو الإغراءات من أجهزة أو دول إقليمية قد يشتبه في تورطها.
أما الخطأ الثاني الذي ارتكبته جينات الحمق التعزية، فقد كان استنزاف جهودها في المسيرات الجماهيرية التي هدفت للضغط على سلطة يعرف الجميع تقريباً أنها بليدة وغير مسؤولة وفاسدة وغير محايدة ومنقادة ومن يدري لعلها متحيزة ضد الشهيد وقضية اغتياله، كما كانت متحيزة ضده في حياته، ومع أنه من الواضح بجلاء، أن مساعي دفن جثمان الشهيد مبكراً قبل إنهاء التحقيقات اللازمة، واستجواب المتهمين والشهود والمعنيين بجريمة الاغتيال، والبدء بالمحاكمة العلنية لجميع المتهمين مهما بلغ نفوذهم ومناصبهم، أمرٌ غير بريء، حتى وإن شارك في الترويج له بعض السذج من أنصار الشهيد.
وقد كشف عضو فريق الادعاء في قضية اغتيال الشهيد الحمادي المحامي نجيب شرف الحاج عن ذلك في منشوره آنف الذكر قائلاً: "نفد صبرنا.. الصمت يخنقنا..، النائب العام ضعيف وكان كل همه وشُغله الشاغل طوال الأشهر الماضية هو الالحاح والحث على دفن جثة الشهيد. لم يجرؤا (أي النائب العام) حتى على منح فريق الادعاء الخاص صورة من ملف القضية وصادر حقهم في ذلك؟! فكيف سيملك الجرأة لاستدعاء الهوامير والضالعين الكبار في الجريمة رغم الطلبات المتكررة المقدمة اليه بذلك؟! حان الوقت لتفعيل دور الرقابة الشعبية على ممارسات النيابة والضغط عليها للقيام بواجبها حتى لا نفاجأ في قادم الايام بقيام النيابة بحصر الجريمة في الاشخاص المحتجزين فقط دون بقية المخططين والممولين؟!".
وقد نجح مسعى دفن جثمان الشهيد عدنان الحمادي أخيراً، بعد قرار اسرته دفنه في 20 مارس الماضي، وتأجيل أخذ العزاء، إلى ما بعد تحقيق العدالة وكشف خيوط جريمة الاغتيال، وهو القرار الذي يجب أن يُحترم على كل حال، وإن كانت دوافعه ما تزال غامضة، إذ قد يكون ذلك نتيجة ليأس أسرة الشهيد من إمكانية كشف ملابسات القضية وتحقيق العدالة، وقد يكون السبب –كما أخبرني أحدهم– أن الحمادي قد ظهر في المنام لأحد أقاربه لعدة مرات يطلب منه دفنه، أو ربما هناك أسباب أكثر وجاهة، لا نعرفها.
غير أن الشاهد من كل هذا، أن القضية قد خفت بريقها منذ دفن جثمان الشهيد، بصرف النظر عن وجاهة قرار الدفن من عدمه، وهو ما يعني، أن ظاهرة عدنان الحمادي، التي ادعت أحزاب وقوى وأشخاص مسؤوليتهم عن تشكيلها أو تمثيلها أو تجسدها أو وراثتها أو الانتماء إليها، كانت منحصرة في شخص الشهيد الراحل، وأنه لم يترك لنا وراءه إلا الرماد وشرراً من الأدعياء المتنطعين، وبرغم هذه الخيبة الثقيلة، فلم يعد جل ما نخشاه انتهاء ظاهرة الحمادي وتحوله إلى صورة في الذاكرة (بمجرد صدور قرارات جمهورية مُحبطة بتعيين بدلاء في قيادة اللواء 35 مدرع)، بل أضحى جل ما نخشاه، أن يتأجل أخذ العزاء في الشهيد الراحل، المرهون بشرط أسرته الأشبه بالقسم الغليظ، إلى ما لا نهاية!