انقطاع الرواتب وتردي للخدمات بالمناطق المحررة رغم تحصيل إيرادات بمئات المليارات – تقرير خاص
الاثنين 28 مارس 2022 - الساعة 12:14 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - عمار علي أحمد
اليوم الأحد دشنت وزارة داخلية الشرعية في عدن صرف رواتب منتسبيها لشهر مايو من العام الماضي ومن المتوقع ان تلحقها وزارة الدفاع أيضا ، في مشهد يعكس صورة لأحد ملفات الفشل لحكومة الشرعية وقيادتها في توفير رواتب جيشها وأمنها لأكثر من 10 أشهر وفي ظروف حرب.
وفي صورة أخرى للفشل ، هددت اليوم شركات الطاقة المستأجرة بوقف مولداتها الكهربائية بالعاصمة المؤقتة عدن مع حلول مساء يوم غد الاثنين اذا لم تدفع الحكومة مستحقاتها المالية المتراكمة لنحو عامين ، وهو ما سيعني انهيار تام لخدمة الكهرباء بالمدينة التي تعتمد على توليد هذه المحطات بنسبة 70%.
حدثان يلخصان الوضع الكارثي الذي تعيشه المناطق المحررة تحت إدارة الشرعية وحكوماتها منذ 7 سنوات بفشل ذريع على كل الملفات ومنها الرواتب وملف الخدمات ، وكل ذلك تحت ذريعة " قلة الموارد مقارنة بتضخم النفقات بسبب الحرب".
وعاماً بعد عام لم تعد هذه الذريعة صالحة للاستهلاك خاصة مع تزايد التقارير التي تسلط الضوء على إيرادات المناطق المحررة لمواجهة رفض الشرعية الإفصاح عنها وعلى رأسها عائدات تصدير النفط الذي استأنف تصديره عام 2017م ، بالإضافة الى عائدات الضرائب والجمارك والغاز المنزلي.
وهو ما حاولنا تسليط الضوء عليه في التقرير السابق من خلال تتبع المعلومات الرسمية وغير الرسمية الشحيحة والتي تكشف عن تحصيل الشرعية لإيرادات تقارب الـ 4 تريليون (4000مليار) ريال العام الماضي 2021م.
>> للمزيد : إيرادات المناطق المحررة .. مئات المليارات المنهوبة تحت لافتة الحرب
هذا الرقم ربما ينسف مزاعم حكومة بوجود عجز في النفقات مقارنة بالإيرادات، وفقاً للمصدر الرسمي الوحيد الصادر عنها والمتمثل بأخر تقرير مالي صادر عن البنك المركزي اليمني في عدن في سبتمبر الماضي وتضمن ارقاماً عن الايرادات والنفقات للأعوام ٢٠١٩ ، ٢٠٢٠ وارقام تقديرية حول ٢٠٢١ استناداً لأرقام وزارة المالية.
فبحسب تقرير البنك عن عام 2021م يتوقع ان تصل الإيرادات الى نحو تريليون ونصف ريال يمني (1491 مليار) ؛ في حين يتوقع ان تصل النفقات الى (2246) مليار ، بعجز مالي يقدر بـ (755) مليار ، اما اذا ما وضعنا رقم النفقات مع التقديرات التي توصل لها تقرير "الرصيف برس" المشار اليه فأن المشهد يتحول من عجز الى فائض بضعفي رقم العجز المتوقع.
مع الإشارة الى ان هذه النتيجة تفترض صحة الرقم الذي يقدمه التقرير عن النفقات، والذي يستوجب التوقف عنده ومناقشته بواقع الحال الذي تعيشه المناطق المحررة وبخاصة بند الأجور المرتبات المقدر بـ 1048 مليار ريال ويشكل نحو 46% من رقم النفقات.
يقول التقرير بأن حكومة الشرعية تدفع نحو تريليون ريال كمرتبات وهو رقم كبير يثير التساؤل بالنظر الى عدة حقائق ، أولها أن هذه الحكومة وباعترافها بأنها تدفع و بانتظام رواتب القطاع المدني شهريا للموظفين في المحافظات المحررة وتتفاخر بذلك كانجاز دون الإفصاح عن الرقم الحقيقي لذلك.
لكن الحقيقة التي يمكن ان تفضح انجاز الحكومة هي أنها فعلا تدفع وبانتظام رواتب القطاع المدني شهريا للموظفين في المحافظات المحررة وفق كشوفات ما قبل الحرب أي كشوفات 2014م ، دون أي إضافة من ناحية قيمة الرواتب او حتى كتوظيف جديد منذ 2015م.
وبالعودة الى موازنة 2014م التي قدمتها حكومة الوفاق برئاسة محمد باسندوة ، فقد وصل باب الرواتب والأجور (977) مليار ريال يشمل القطاع المدني والعسكري ، وفي تفاصيل هذه الموازنة يتضح أن رواتب الجيش والأمن العام والسياسي والقومي تبلغ (435 مليار )، أي ان رواتب القطاع المدني (542 )مليار.
يشمل هذا الرقم رواتب القطاع المدني في محافظات الجمهورية المحررة وغير المحررة والتي يتواجد فيها النسبة الأكبر من الموظفين ، بالنظر الى أن 70% من هذا الرقم هي رواتب قطاع التربية بما فيها الجامعات والصحة.
أي أن رواتب الموظفين المدنيين في المناطق المحررة وفق ارقام 2014م لن يتجاوز 250 مليار ريال في احسن أحواله ، وهو ربع الرقم الذي أورده تقرير البنك عن 2022م والمقدر بنحو 1048 مليار ، ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول هذا الرقم.
وما يثير للانتباه في تقرير البنك الذي اطلع عليه موقع"الرصيف برس"هي الزيادة في رقم بند المرتبات خلال عامي 2020 و2021 ، حيث قفز الرقم من 878 مليار الى1048 مليار على التوالي ، أي بزيادة بنحو 170 مليار ، في الوقت الذي لم يطرأ على رواتب الموظفين بالمناطق المحررة أي زيادة كما لا يمكن القول بأن الرقم يشمل قطاع الجيش والأمن والتي تصرفها الشرعية بواقع راتب كل 3 أشهر.
التفسير الوحيد لهذا الرقم الكبير لبند المرتبات هو انه يتضمن رواتب مسئولي الشرعية والتي يتم تحويلها بالعملة الصعبة الى الخارج ،فبحسب اعتراف رئيس الوزراء في لقاء صحفي له بأنها تدفع من إيرادات الشرعية نافياً ان يكون التحالف او السعودية من يقوم بدفعها ، وهو ما يسفر ايضاً أن الزيادة في البند المرتبات بين 2020 و2021 ربما تعود الى فارق الصرف لمرتبات مسؤولي الشرعية.
وبالعودة التي تقرير البنك حول نفقات 2021م المقدرة 2246 مليار ، فأن باقي النفقات تقسم الى 364مليار تحت بند مشتريات السلع والخدمات و 208مليار ريال تحت بند مدفوعات الفوائد و440 مليار تحت بند إعانات ومنافع اجتماعية 52 مليار تحت بند مصروفات أخرى، وأخيراً 134 مليار تحت بند نفقات رأسمالية ، دون أي توضيح حول هذه البنود.
خلاصة الأمر أننا امام غموض في الايراد وفي النفقات يعكس غير مسبوقة ومستمرة من الفساد والعبث من قبل الشرعية وحكومتها ، يقابله وضع كارثي في المناطق المحررة وعلى كل المستويات والملفات.