محمد علي الربادي الكلمة الطيبة
الاربعاء 08 يوليو 2020 - الساعة 08:23 مساءً
عبدالباري طاهر
مقالات للكاتب
رحل عصامي بنى مجده بصبر ودأب ومثابرة. منذ طفولته ناضل على جبهتين: جبهة العمل، وجبهة التعليم. احترف مهنة إصلاح الأدوات المنزلية والمدايع وبيع الحنطة، ويقضي ما تبقى من اليوم في التعلم والتعليم. لازم المسجد في مدينة إب حتى أصبح أحد رموز الحركة الوطنية في خمسينيات القرن الماضي. تعرض للاعتقال مع رفيق دربه الشيخ المناضل عبد العزيز الحبيشي قبيل فجر ثورة سبتمبر 62 أثناء مظاهرات مساندة لمصر ونقلا إلى صنعاء.
كانت مدينة إب مولد وحاضنة جمعية الإصلاح التي اشترك في تشكيلها مناضلون، منهم: محمد بن علي الأكوع، وأخوة القاضي إسماعيل، والعديد من مشايخ وأعيان إب، وقد تعرضوا للاعتقال في أربعينات القرن الماضي.
يشير الدكتور أحمد قايد الصايدي في كتابه المهم «حركة المعارضة اليمنية في عهد الإمام يحيى بن محمد حميد الدين» إلى أنه في العام 1944 أنشئت في مدينة إب منظمة ثالثة- طبعاً إلى جانب حزب الأحرار في عدن، وهيئة النضال في صنعاء-، أنشئت باسم جمعية الإصلاح برئاسة القاضي محمد بن علي الأكوع، ومن بين أعضائها عبد الرحمن الإرياني، وعبد الكريم العنسي، وعبد الرحمن باسلامة، ومحمد أحمد صبرة، والشيخ حسن الدعيس، والشيخ حسين محمد البعداني، والنقيب عبد اللطيف قائد بن راجح، ومحمد منصور الصنعاني، وقد وضعت هذه المنظمة لنفسها نظاماً أرسلت مسودته إلى الزبيري في عدن، ويشير أن هدف المنظمات الثلاث هو القضاء على حكم الإمام يحيى وأسرته، وقد جرى التنكيل بأعضاء الجمعية، وأرسلوا إلى حجة مغلولين ومكبلين بالقيود.معروف أن مدينة إب شهدت معارضة لنظام الإمامة منذ خروج الأتراك، كما يشير الثعالبي في رحلته اليمانية.
الربادي من الجيل الثاني فيما بعد انتكاسة 48؛ فقد نشأ في مدينة معارضة وإلى جانب شباب معارض منتمي إلى تيارات سياسية مثل حركة القوميين العرب، والناصريين، والبعث، والتيارين: الماركسي، والإسلامي.
في قلب المدينة المعارضة للإمامة- منذ البدء- نشأ المناضل الوطني الكبير وأحد الآباء الروحيين للحركة السياسية والديمقراطية الحديثة. احتفظ الربادي باستقلاليته، وكان دوماً في طليعة الاتجاهات المعارضة للفساد والاستبداد في كل العهود، سواء قبل الثورة أو بعدها.
عمل كنائب لوزير التربية والتعليم، وكان من وقع قرار تعييني في التربية والتعليم، كما عمل في وزارة الإعلام، وكان من أهم كتاب اليوميات في سبعينيات القرن الماضي. كان شباب إب: عبد الحفيظ و يحيى بهران، وعبد الله الوصابي، وأحمد قاسم دماج، وأحمد منصور أبو أصبع، ويحيى منصور، وآخرون كثيرون أصدقاء حميمين للربادي.
حافظ الربادي طول حياته على الالتزام بالقيم والتقاليد الدينية، وعلى الزهد والطهر الثوري. ابتعد عن الانحرافات والصراعات في صف الثورة من المال والهيلمان، وكان الكلمة الشجاعة والموقف الثابت والصائب. لم ينافس على منصب أو غنيمة. ساهم بالكلمة الصادقة، والموقف الشجاع في وجود تيار فكري وأدبي وسياسي معارض للانحرافات التي شهدتها ثورة سبتمبر، وكان في طليعة الرافضين لاستيلاء المشايخ والعسكر على السلطة بعد 5 نوفمبر 67، كما دان في كل خطبه ويومياته في الثورة الممارسات الخاطئة في السلطة، وأساليب الظلم والفساد والقهر.
ضد الحروب البينية. كان قومياً بامتياز في مساندة الثورة العربية بقيادة مصر عبد الناصر، وإلى جانب تحرر شعب فلسطين. كانت الكلمة سلاحه الدائم والأثير؛ فهو قاسم أعظم ومشترك بين مختلف فرقاء الحياة السياسية. لا يعادي ولا يصطف. مجرد من الضغائن والأهواء المعلولة.
رأس اتحاد الادباء و الكتاب اليمنيين مطلع التسعينيات لما يقرب من عامين كان أبا بكل معنى الكلمة.
رافقته إلى ليبيا بدعوة من الرابطة الأدبية الليبية منتصف الثمانينات، و كانت أول مرة نزور فيها ليبيا. كانت أوضاعها غاية في البؤس، والانغلاق، وغياب الحرية و النشاط التجاري والمدني، وكانت الحياة راكدة . عدنا إلى القاهرة كهاربين بعد أن رفضنا استلام بدل السفر .
كان عالم دين حقيقي. زاهد مبدئي، ومستقل. متسامح، ومستنير. منفتح على كل الاتجاهات، وهو خصم لدود وعنيد للحكم الفاسد، وللطغاة والمستبدين. عاش مناضلاً شريفاً، و مات- يرحمه الله- و لا يزال حياً في قلوب و عقول ووجدان الملايين، والتحية والتبجيل للأعزاء في منتدى التنمية و الحداثة: محمد سلطان، و فيصل عبد الجليل.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك