الإخوان بلا مأوى.. أذرع مبتورة من "حلفاء الأمس" وحصار أوروبي يجفف المنابع

السبت 30 ابريل 2022 - الساعة 11:39 مساءً
المصدر : العين الإخبارية

 


 

شتات وانقسام وضغوط غير مسبوقة سواء في أوروبا أو دول كانت لوقت قريب في مرتبة الحلفاء، فضلا عن فقدان أدوات التأثير الإعلامي بشكل متزايد.

 

هذا هو واقع جماعة الإخوان الإرهابية بعد 90 عاما من تأسيسها، واتباع سياسات زرع التطرف وهندسة الخراب في عدة دول ومجتمعات، ما يبشر بخريف التنظيم، أو على الأقل تأسيس جديد له غير معروف معالمه حتى الآن.

 

 

هذا الوضع غير المسبوق هندسته سلسلة من الضربات القاصمة للإخوان، سواء من المجتمعات التي نشطت فيها لسنوات، أو دول كانت لوقت قريب في مرتبة الحلفاء، أم دول بدأت تفيق لخطر الجماعة التي خدعت الناس لعقود بوجه متسامح ولين ومقبل على الحوار، غير أنه يضمر الشر والإرهاب.

 

وكانت آخر الضربات التي تلقتها الجماعة، وقف نشاط قناة مكملين التي اعتبرت لسنوات بوقا رئيسيا للإخوان، بشكل نهائي، في الأراضي التركية.

 

وأصدرت القناة بيانا، أمس، أكدت خلاله "نقل بثها واستديوهاتها وجميع أنشطتها إلى خارج تركيا"، متابعة أن "تلك الخطوة تأتي نظرا للظروف التي لا تخفى على أحد"، بحسب البيان.

 

بينما كتب الإعلامي الإخواني أسامة جاويش والذي كان يقدم أحد برامج القناة في وقت سابق، على حسابه بموقع "فيسبوك"، أن "السلطات التركية أبلغت قناة مكملين صباح اليوم (الجمعة) بقرار إغلاقها الفوري في تركيا".

 

 

وتأتي تلك الخطوة في وقت تسعى فيه تركيا للتقارب مع مصر وطي صفحة القطيعة التي وقعت منذ سقوط حكم الإخوان في مصر عام ٢٠١٣.

 

وفي هذا السياق، يقول الخبير في شؤون الإخوان، طارق أبوالسعد إن "قرار إغلاق مكملين يأتي ضمن مجموعة من الإجراءات تم الاتفاق عليه مسبقا بين الجانبين التركي والسعودي في إطار التقارب بينهما".

 

وتابع: "أعتقد أن هذه الخطوة كان مرتب لها ومعدة، وإعلانها في هذا التوقيت مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية، هو نوع من التقارب مع المملكة".

 

سيل من الضربات

 

لكن خطوة "مكملين"، لم تكن مفاجئة، إذ تعد آخر تطور في سلسلة من الضربات التي تلقتها الإخوان الإرهابية في تركيا على مدار عام مضى، حرمت الجماعة من أبواقها الإعلامية.

 

وخلال الفترة بين مارس/آذار 2021، وأبريل/نيسان الجاري، تلقت الإخوان الإرهابية كل أنواع الضربات القاصمة التي يمكن تصورها، وعانت على كل المستويات؛ سواء الداخل أو الخارج، وفقدت القدرة على الحركة.

 

 

وبدأت سلسلة الإجراءات، بإصدار تركيا في مارس/آذار 2021، توجيهات لإدارات 3 فضائيات مصرية محسوبة على الإخوان بالتزام التهدئة في انتقاد مصر وقيادتها.

 

كما طالبت السلطات التركية في وقت لاحق، بوقف برامج سياسية في فضائيات وطن والشرق ومكملين الإخوانية، وهي الخطوة التي وصفها وزير الدولة المصري للإعلام السابق أسامة هيكل وقتها بأنها "بادرة جيدة".

 

وتصاعدت أزمة الجماعة في تركيا بمرور الوقت، ففي يونيو/حزيران الماضي، قال الإعلامي الإخواني معتز مطر في فيديو بثه على صفحته على مواقع التواصل، إنه رحل وفريقه رسمياً من فضائية "الشرق"، مضيفاً: "بعد 7 سنوات نحمل عصانا ونرحل".

 

وبحلول نوفمبر/كانون الثاني الماضي تحدثت تقارير صحفية عربية وتركية عن مطالبة أنقرة قيادات إخوانية، بينها يمنية، بمغادرة البلاد في غضون 30 يوما.

 

وبعد أيام فقط، وبالتحديد في أوائل ديسمبر/كانون أول الماضي، كشفت مصادر مطلعة لـ"العين الإخبارية" النقاب عن أن تركيا طلبت من عناصر تنظيم الإخوان تجميد أي مشاريع لهم على أراضيها.

 

ولم يمض وقت طويل حتى أعلن معتز مطر في 13 ديسمبر/كانون الثاني، مغادرته تركيا بالفعل، إلى لندن، معلنا في مقطع فيديو بثه من مطار إسطنبول، عودة قريبة لبث قنوات الجماعة الإرهابية، والبرامج المسيئة لمصر والدول العربية.

 

تعثر رغم الوعود

 

وعلى مدار أشهر، تعثر مشروع الإخوان في إطلاق قنوات إعلامية جديدة من بريطانيا، خاصة قناة الشرق، كما وعد مطر الذي اكتفى ببث مباشر على موقع تشارك الفيديوهات "يوتيوب".

 

وكشف تحقيق لـ"العين الإخبارية" نشر في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، أن السلطات البريطانية لم تمنح ترخيصا لأي قناة إخوانية جديدة، كما أنها تضع قواعد صارمة تمنع بث المحتوى المسيء الذي يحض على العنف، ودأبت عليه الجماعة في قنواتها.

 

وقال المتحدث باسم أوفكوم، هيئة تنظيمية حكومية للاتصالات في المملكة المتحدة، هاري ريبون، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، "قناة الشرق (الإخوانية) لا تحمل رخصة بث بريطانية من أوفكوم".

 

وتابع :"كل من يريد بث قناة فضائية يجب أن يحصل على رخصة بث، واتباع قانون البث البريطاني الذي يحمي المشاهدين والمستمعين من المحتوى الضار والمسيء".

 

وهنا بدا الأمر واضحا، فالشرق لم تحصل على رخصة البث حتى لا تخضع للقانون البريطاني الذي يمنع المحتوى الضار والمسيء، وهما صفتان مميزتان لإعلام الإخوان الإرهابية، وفق مراقبين.

 

كما فشلت محاولات الإخوان التحايل على القانون البريطاني، وبث قناة الشرق عبر خدمات "Vision TV"؛ أي عبر الإنترنت، وقال ريبون لـ"العين الإخبارية"، إن البث عبر الإنترنت لا يعني خروج القناة من طائلة قوانين البث البريطانية، لأنها تبث من استوديوهات في الأراضي البريطانية.

 

بتر اليد الطولى

 

ومع فشل المحاولات لبث قناة جديدة من الأراضي البريطانية، وغلق القنوات التي تبث من تركيا، وآخرها مكملين، أمس، فقدت الإخوان الأذرع الإعلامية، وبات ذراع البروباجندا المرتبط بها في أضعف مراحله.

 

وفي هذا الإطار، يقول الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد بان، لـ"العين الإخبارية"، إن منصات الجماعة "لم تفلح في بلوغ أهدافها وبالتالي سقط الرهان عليها".

 

وتابع "تركيز الأذرع الإعلامية للإخوان على سلاح المظلومية واستدرار تعاطف الجمهور، سلاح له فترة صلاحية وليس ممتد المفعول، وبالتالى لم يعد أحد راغبا في الاستثمار بوسيلة فاشلة".

 

ومضى قائلا إن هذا التراجع يتزامن مع "حالة الانكشاف الكامل للتنظيم وانهيار سرديته مقابل سردية الدولة المصرية، ما أدى لحشره في الزاوية ولم يعد بالإمكان تعويمه عبر أي ساحة أو من خلال أي راع".

 

التشتت والانقسام

بالتزامن مع فقدان الأذرع الإعلامية والتقوقع في وسائل التواصل الاجتماعي وموقع "يوتيوب"، كان حريقا آخر يأكل الجماعة وتنظيمها المترهل، بسرعة كبيرة وبشكل غير مسبوق.

 

ومنذ الصيف الماضي، تعيش جماعة الإخوان الإرهابية حالة تدمير ذاتية جراء الحرب المشتعلة والدائرة في "رأسها" بين معسكري تركيا وبريطانيا، وسلسلة من القرارات المتبادلة من الجانبين، ضربت أي تماسك تنظيمي متبق في الجماعة.

 

وانشطر تنظيم الإخوان بشكل غير مسبوق حاليا إلى جبهتين كبيرتين متناحرتين، لكل منهما مرشد عام، ومجلس شورى ومتحدث رسمي، فيما لا يعترف أي طرف بالآخر، ضمن أزمة شرعية واتهامات متبادلة باختطاف القيادة.

 

وفي فبراير/شباط الماضي، تفاقم الوضع الداخلي، بخرج "كيان ثالث" من التنظيم بقيادة عصام تليمة وأشرف عبد الغفار، يهاجم محمود حسين، وإبراهيم منير، ويدعو شباب الجماعة إلى طريق ثالث، بعيدا عمن وصفهم بـ"الفاسدين والخائنين".

 

وقال هشام النجار الخبير في شؤون حركات الإسلام السياسي في حديث سابق لـ"العين الإخبارية" إن "عبدالغفار وتليمة وغيرهم يمثلون كيانا ليس بحجم جبهة ومعسكر منير أو حسين، لكن لديه ما يلعب به ويناور به".

 

ضربة كبرى

وفيما كان تنظيم الإخوان الإرهابي منشغلا بتفككه الداخلي، فاقمت قطر معاناة التنظيم، ومنحت بعض قيادات الصف الثاني من أعضاء الإخوان، في فبراير/شباط الماضي، مهلة مؤقتة لمغادرة البلاد، وذلك في خطوة تقارب قطرية بعد قمة العلا التي استضافتها السعودية لتعزيز العمل العربي.

 

خطوة قطر في إبعاد عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي خارج البلاد، لم تكن الأولى حيث أبعدت الدوحة عشرات من قيادات الصفين الأول والثاني من عناصر الإخوان خارج البلاد في عام 2017 وكان على رأسهم القيادي عصام تليمة، والقيادي محمود حسين الذي يقود جبهة الإخوان حاليا من داخل الأراضي التركية.

 

الخبير في شؤون الجماعات السياسية والإسلامية، ماهر فرغلي، أكد في وقت سابق، أن قطر أبلغت محمد عبدالوهاب مسؤول رابطة الإخوان المصريين بضرورة ترك البلاد، بعدما قررت تغيير استراتيجيتها تجاه الإخوان خلال المرحلة المقبلة.

 

وأضاف فرغلي في تصريحات تلفزيونية، أن الأمن القطري أعطى تعليماته للعاملين بقناة العربي والجزيرة وبعض الشركات الإعلامية التابعة لإدارة الجزيرة بتعديل لغة الخطاب.

 

التدمير الذاتي للإخوان

لم تتوقف معاناة الإخوان في الشرق الأوسط عند هذا الحد، إذ يتوقع مراقبون مزيدا من الإجراءات التركية ضد الجماعة في الفترة المقبلة، فضلا عن استمرار التشظي الداخلي على وقع التناحر بين جبهتي لندن وإسطنبول.

 

ويقول طارق أبو السعد لـ"العين الإخبارية" إن هناك تقاربا مصريا تركيا محتملا، يحمل أيضا في طياته سلسلة من التضييقات الجديدة على جماعة الإخوان في الأراضي التركية.

 

ويتابع "الجماعة مشتتة بين كياني تركيا وبريطانيا، والصراع مستمر ومنفتح على سيناريوهين، إما انتصار طرف على الآخر، وإما التوصل لصيغة مصالحة تقدم صيغة جديدة لجماعة الإخوان".

 

لكنه استدرك قائلا "التضييقات التركية المحتملة لجماعة الإخوان سينقل مركز الثقل إلى لندن، وما يرتبط بذلك من إضعاف الجناح التركي لصالح الجناح اللندني".

 

فيما رأى أحمد بان أن تنظيم الإخوان يواجه تصدعا غير مسبوق في بنيته ومشروعه الذي يعد بالأساس مشروعا لحيازة السلطة وتغيير شكل المجتمعات الإسلامية والعدوان على هويتها الخاصة".

 

"الضربات لا تأتي فرادى".. أوروبا تحاصر الإخوان

وبينما يواجه التنظيم واقعه الصعب ومصيره المجهول في الشرق الأوسط، كانت خطوط دفاعه تنهار بشكل غير مسبوق أيضا في أوروبا، رغم ستارة الخداع التي شكلها هناك لتقديم وجه متسامح ومقبل على الحوار مع المجتمعات المستضيفة.

 

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، يعيش تنظيم الإخوان واقعا صعبا ومحكا تاريخيا في النمسا التي اعتبرت لعقود أحد الملاذات الآمنة للجماعة، إذ تخضعها السلطات لتحقيق جنائي على خلفية تهم تمويل الإرهاب وتشكيل مجموعة إرهابية.

 

ونتيجة هذا التحقيق المستمر منذ أكثر من عامين فقدت الإخوان حرية الحركة التي تعودت عليها في النمسا، ولم تعد قادرة على استغلال المناخ الاقتصادي والسياسي المفتح لإدارة أنشطتها.

 

وفي ألمانيا المجاورة، بدأ البرلمان الألماني منذ منتصف مارس/آذار الماضي مناقشة مشاريع لمكافحة تمويل الإسلام السياسي، خاصة جماعة الإخوان الإرهابية، وفق انفراد سابق لـ"العين الإخبارية".

 

المقترحات التي قدمها بشكل منفصل حزب البديل لأجل ألمانيا "شعبوي"، والاتحاد المسيحي "يمين وسط"، تناقش في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان حاليا، ويمكن أن تعرض على التصويت العام خلال أسابيع.

 

وتنص المقترحات التي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخ منها، على تقييد التمويلات الأجنبية للمنظمات العاملة في الأراضي الألمانية، ودفع هذه المنظمات المرتبطة بالإسلام السياسي، لتقديم بيانات كاملة عن أوجه تمويلها ومعاملاتها.

 

فضلا عن تقوية مجموعة خبراء أسستها وزارة الداخلية الألمانية قبل عام لمكافحة الإخوان والإسلام السياسي، وتدشين كراسي في الجامعات الألمانية لدراسة هذا التيار وتبيان أنشطته وخطورته.

 

وجاءت هذه المقترحات بعد اشهر قليلة من قرار المجلس المركزي للمسلمين بألمانيا، طرد منظمة الجالية المسلمة، أكبر منظمة إخوانية بالبلاد، من عضويته، في خطوة رآها مراقبون "إيجابية وتعزل المنظمة الإخوانية".

 

وحتى سنوات قليلة مضى، كانت أوروبا تمثل ملاذا آمنا، ومركب نجاة للإخوان في حالة غرق سفينتها في الشرق الأوسط، لكن التحركات الحالية في دول القارة العجوز، تجعل الجماعة بلا أي مركب نجاة حقيقي.

 

ضغوط ولكن

وعلى الرغم من أن الخبيرة الأهم في شؤون الإخوان بألمانيا سيغريد هيرمان مارشال ترى أن الضغوط تتزايد على جماعة الإخوان، إلا أنها تقترح مزيدا من الإجراءات لمواجهة الجماعة في الأراضي الألمانية.

 

وطالبت الخبيرة الألمانية في حديث لـ"العين الإخبارية" بتوسيع دائرة المواجهة ضد الإخوان، حيث لا تشمل فقط منظمة الجالية المسلمة، بل تمتد لمنظمات أخرى مرتبطة بجماعة الإخوان في البلاد، مثل المركز الإسلامي في آخن.

 

كما طالبت السلطات، بالكشف عن روابط المنظمات العاملة في ألمانيا، والمنظمات دولية الطابع والمرتبطة بالإخوان المسلمين، للرأي العام.

 

وأخيرا، دعت سيغريد مارشال إلى اتباع النموذج البريطاني في الكشف عن تمويلات الجمعيات والمنظمات، فضلا عن التوقف عن منح أي أموال عامة لمنظمة الإغاثة الإسلامية المرتبطة بالإخوان.

 

خريف أم تأسيس جديد؟

هذا الواقع الصعب على المستوى الداخلي، والضغوط المتزايدة خارحيا من الشرق الأوسط إلى أوروبا، يضع جماعة الإخوان أمام مستقبل قاتم، وسيناريوهات صعبة، يمكن أن تقود إلى خريف الجماعة ونهايتها، أو تأسيس جديد بأفكار مختلفة عما اتبعته الجماعة في العقود الماضية، وفق مراقبين.

 

وقال طارق أبو السعد إن الصراع بين جبهتي تركيا وبريطانيا ربما ينتج عنه مصالحة ما بصيغة ما، حتى تتمكن من العودة بصيغة تنظيمية جديدة وأفكار مختلفة، ليست مثل الصيغة التقليدية التي كانت سائدة في الجماعة في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وكذلك الصيغة التي كانت سائدة في الألفينيات".

 

وتابع "بشكل واضح، ربما نحن أمام تأسيس جديد للإخوان".

 

أما أحمد بان فيذهب إلى الاتجاه المضاد المتمثل في وصول الإخوان إلى مرحلة النهاية، فيقول "لا شك أن التنظيم بعد تداعيه في بلد المنشأ لم ينجح في إطلاق تأسيس جديد من خلال أي حاضنة، بالنظر لأنه واجه تصدعا غير مسبوق في بنيته ومشروعه الذي يعد بالأساس مشروعا لحيازة السلطة وتغيير شكل المجتمعات الإسلامية والعدوان على هويتها الخاصة".

 

وتابع: "ساهمت الانقلابات الشعبية على تنظيم الإخوان في شعوره باليأس من إمكانية العودة، خصوصا بعد أن صاحب الخروج من الحكم الانهيار والتشظي التنظيمي".

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس