الرئيس هادي.. قيادة نحو الحلول أم قيادة تعقيدات واختلاق للتأزيم؟!
الاحد 26 يوليو 2020 - الساعة 07:55 مساءً
عبدالله فرحان
مقالات للكاتب
تسع سنوات رئاسية حتى اللحظة تربع فيها المشير هادي وما زال رئيسا لليمن...
شقها الأول: اربع سنوات رئيسا توافقيا منتخبا لليمن ككل.. محل اجماع محلي واقليمي ودولي دون منازع أو اعتراض.. مقر اقامته وديوان سلطته العاصمة صنعاء يصدر منها قراراته المعززة بالدعم والاسناد الدولي.
ويشرف على تنفيذها الالزامي مبعوث اممي ويرعاها مجلس الامن الدولي وتمول تكاليفها مبادرة خليج النفط العربي وصناديق دولية.
اربع سنوات نال الرئيس هادي فيها اجماعا ودعما لم ينله احد.. تخللتها ليالي القدر تكررت نحوه فيها مكارم الاصطفاء.
كان بامكانه ان ينتهز فرصة الاجماع ومهول الدعم ليقفز باليمن الى محطات متقدمة لينال فيها وبجدارة: لقب فارس اليمن المخلص ويتجسد فيه فرضية اسطورة الهادي المنتظر عمليا على الارض.. ولكنه بقصد أو دون قصد اضاع الكثير فيها حتى ضاعت اليمن من بين ايادينا.
شقها الثاني:
خمس سنوات حتى اللحظة تباعا لسنوات اربع المشير هادي رئيسا شرعيا وما زال باجماع دولي صدرت بشأنه قرارات اممية التزم بحماية شرعيته مجلس الامن الدولي وتشكل بشأنه حلف عسكري عربي دولي.
قبلت دول الاقليم الداعم والمجتمع الدولي باستمراره رئيسا استثنائيا لليمن دون مسوغ دستوري كاف يمنحه دستورية الاستمرار ومع ذلك فلا اعتراض على استمراره على أمل ان يكون فارس الاحلام.
هادي رئيس معاصر يحتار في امره مستشارو السياسية ويجهل فهم طلاسم تعويذاته فقهاء المشعوذين.
تسع سنوات رئاسية مجهولة المسار ومفرغة من الاهداف يعجز عن فك شفرات سياسته وطموحاته عباقرة المنظرين.
فهذا هو الرئيس هادي رئيس لليمن طيلة عقد من الزمن يكاد يقترب من ثلث فترة صالح اجمالا ويتساوى تماما مع نصف فترة ولاية صالح ليمن ما بعد مايو 1990.
فترة رئاسة هادي تضاهي ثلاثة اضعاف فترة ولاية الحمدي رئيسا لشمال اليمن ومع ذلك لم تتضح معالم مشروع ولايته وما زال الجميع يتساءل: من هو هادي بالضبط؟ ماذا يريد هادي؟ وما مشروعه وكيف يفكر؟ والى اين يريد ان يسير بنا وباليمن؟
هل هادي وحدوي ام انفصالي؟ جنوبي ام شمالي؟ حليف سعودي ام اماراتي؟
لوجستيته بريطانية ام امريكية ام روسية؟! اجندته إخوانية ام ليبرالية ام يسارية؟!
هادي يخوض حروبا ضد الانقلاب الحوثي لا نعلم سقف طموحاتها أو منتهى مسارها
لا نعلم بالضبط هل فعلا يسعى الى تحقيق نصر عسكري يطيح بالانقلاب الحوثي محدود زمنيا ام انه يسعى الى ابقاء دوامة الاستنزاف لوقت اطول سقفه مفتوح دون نهايات؟!!
هل يراهن على تسويات اجمالية يعمل لاجلها ام انه يريد الحال نحو مزيد من الاستمرار في التشظي والانقسام؟
ماذا يريد هادي للجنوب بالضبط؟ وما مصير شمال الشمال لدى حسابات هادي الغائبه والمغيبة؟
ما حسابات تعز منفرده لدى هادي؟ وما حسابات مارب والجوف؟ وما مشروعه في المهرة وسقطرى؟
هل يطمح الى ارساء اتحادية الاقليم؟ ام انه يسير وفق سياسة تفتيت الاوصال المتهالكة لتظل المركزية خيارا وحيدا؟
ام ان خيارات التقسيم واردة لديه وفق اسس مستحدثة ومسميات مختلفة؟
بالعودة الى الخلف نستحضر بعض الذكريات على عجالة لنستكمل حلقات تالية لنشر سابق حول الرئيس هادي وابرز محطات مسيرته الرئاسية خلال تسع سنوات.
ففي احد تصريحاته في العاصمة صنعاء متحدثا عن الصراع افاد للاعلام "بانه في بيته الكائن بشارع ال60 يتوسط جبهتي قتال.. موضحا في تصريحه بان "قوات علي محسن شمالا وقوات صالح جنوبا وانه ومنزله مثله مثل الامم المتحده لرسم حد فاصل بين جبهات الصراع".
ذاك الخطاب أتى في بدايات ولايته ليبدو من خلاله هادي للجميع بانه رئيس يستهوي البقاء في منطقة وسط يغذي صراعات هنا وهناك تعيق غلبة جهة ضد اخرى بما يكفل بقاءه كخيار مقبول بالاكراه لدى اطراف الصراع والمجتمع الدولي لفترات قادمة.
وهو الحال نفسه يتم تكراره حاليا في تعز وعدن وشبوة والمهرة التي تشعل فيها قرارات هادي اشكالا مختلفة من الصراعات..
خلال الفترة الانتقالية الاولى وعام التمديد اعتكف اليمنيون على رسم خرائط تنظيرية لشكل اليمن الجديد.. وكان هادي حينها منشغلا جدا في مهام تفكيك حزب المؤتمر ويهندس بكل مهارة لامكانية الاستحواذ على رئاسة الحزب والاستيلاء على قناة اليمن اليوم ومسجد الصالح ومحطات اعلام المؤتمر لتتحول الى منابر تهتف باسمه بديلا لصالح وعلى أمل ان ينال من خلال ممثلي المؤتمر في الحوار والبرلمان قرارات التمديد.. بعقد صفقات مع الخصوم حلفاء الظل.. وبالفعل حسم هادي تلك المعركة وتمكن من الاستيلاء على قنوات صالح واختلاق حالة تأزيم تزيد من رفع وتيرة مستويات التصعيد.
ولم يكتف بذلك وحسب بل ذهب الى اصدار توجيهات تمنح علي محسن الاحمر حق الاقامة والدوام الرسمي داخل الرئاسة كونه المستشار العسكري للرئيس كرسالة استفزازية توحي لصالح بان محسن بديل له لينقل بتلك الرسالة المعركة من التأزيم الى المواجهة ويستمر هادي رئيسا في ظل دوامة صراع.
عام 2014 كان الموعد الدستوري لنهايات ولاية هادي الانتقالية يفترض ان تتوج بانتخابات وبدون شك كانت ستزيح هادي من الرئاسة.
وهو الأمر الذي جعل هادي يستصدر قرارا عبر مؤتمر الحوار يقضي بتمديد فترته الانتقالية لعام قادم منتهاه 21 فبراير 2015 شريطة الاستكمال فيه لمؤتمر الحوار والاستفتاء على الدستور واجراء انتخابات رئاسية عند منتصف فبراير 2015.
وبالرغم من نيل هادي فترة التمديد الا ان منتهى العام سينهي مطامع هادي الرئاسية وسيزيحه من على السلطة.
وهنا مجددا بالنسبة لهادي لا خيار امام مطامع البقاء في الرئاسة سوى الاطاحة بمسودة الدستور قبل ان تطيح المسودة بالرئيس.
وبالفعل كسب هادي المعركة بطريقة أو اخرى حيث تم اختطاف المسودة واختطاف حاملها المستفز لجماعة الحوثي وصالح، احمد عوض بن مبارك مدير مكتب هادي وبفعل ذلك الاختطاف تم اختلاق اولى فصول مرحلة جديدة من مراحل التأزيم.
الرئيس هادي يكرر اليوم وعبر ماكنات اعلامية واجندة حزبية استنساخ فيتشوب صورة الماضي باختياره لوضع يبدو عليه اليوم كما كان عليه فيما قبل 2015 كرئيس مطوق بحصار عسكري وامني يجعله امام الداخل والخارج في وضع الرهينة أو السجين ليبدو في حالة يرثى لها ليتمكن من خلاله ان يخلق قناعات تعاطف وموجات تبرير لدى عامة الناس تسقط عنه المسؤولية وترمي بها على الاخرين على اعتبار ان هادي رئيس يحمل في قلبه وطنا، ولكن ضغوطات داخلية وخارجية تسلبه الارادة وتصادر عنه حق القرار وتجعله خارج نطاق الخدمة ولا يحق لاحد ان يحمله شيئا من المسؤولية..!!
وهذه طبعا قناعات مضللة ومزاعم ثبتت اكاذيبها خلال فتراته السابقة وتتكشف عنها اقنعة التزييف اليوم في محطات متتابعة واحدة تلو الاخرى تكشف للجميع حقائق مفادها:
بان هادي يمتهن بذكاء تقمص الدور المسلوب ليخلق حوله اقطابا وكيانات تتصارع مع بعضها ليستمر الحال نحو مزيد من العبث ويستمر معها هادي رئيسا يقاتل في سبيله شعبه فداء لتحريره من قبضة الارتهان على أمل ان ينال هادي اليوم أو الغد فرصة التمكن ليحقق للوطن طموحات اجياله ويبني لشعبه اليمن الجديد.
وبالعودة الى الخلف مجددا وتحديدا الى ما قبل 2015 لتفنيد مزاعم وادعاءات فقدان هادي لقوة القرار فاننا نذكر اصحاب تلك الادعاءات بان قوات صالح عجزت أو امتثلت مجبرة لقرارات هادي بشأن اجتياح قناة اليمن اليوم.
وهو العجز أو الامتثال نفسه امام القرارات التي اطاحت بمحمد صالح الاحمر من قيادة الدفاع الجوي والطيران وتمكين القوات الجوية لقيادة اخرى اختارها علي محسن واصدر به هادي قرار تعيين لتقود قوات جوية تعد هي الاخطر والاقوى في حسم المعارك ودقة الاستهداف.
قرارات اخرى تؤكد مدى الزامية التنفيذ اذا اراد لها هادي النفوذ، ولعل ابرزها قرار التفكيك العسكري لقوات الحرس الجمهوري وازاحة احمد علي صالح من القيادة ونفيه خارج اليمن وجميعها تؤكد بان هادي الرئيس الفعلي المسيطر حينها وصاحب قوة القرار..
وفي المقابل فاحداث اخرى كثيرة عكسية ما كان لها ان تتم في حال صدور قرارات تعترضها أو تعيقها من قبل هادي وتحديدا فيما قبل سقوط مدينة عمران واجتياح لواء القشيبي 310 كون ذلك السقوط والاجتياح لم يقابله قرار يذكر يقضي بالتدخل أو الاعاقة ولو على مستوى بيان تنديد صادر من قبل هادي.
بل على العكس من ذلك فلقد قابل ذاك الاجتياح احتفال ومباركة بخطاب رسمي ألقاه هادي وسط مدينة عمران يؤكد فيه بان عمران عادت الى احضان الدولة.
عقب سقوط عمران لم يجد الحوثيون مبررا يضفي عليهم شرعية التقدم نحو صنعاء فكان ثاني ايام عيد الفطر قرار حكومة هادي يقضي باصدار جرعة سعرية لرفع سعر المشتقات النفطية 100% دون قبول لتقسيط تنفيذ قرار الجرعة على مراحل.
وكان القرار يومها دون شك متفقا عليه كمبرر لشد رحال مسيرة الحوثيين زحفا نحو صنعاء تحت غطاء جماهيري غاضب من قرار الجرعة وانتهى باجتياح صنعاء...
وعلى غرار استقبال هادي لسقوط عمران استقبل سقوط صنعاء بصدر منشرح يعانق قيادات الفتح المبين والجلوس معهم لتوقيع اتفاق السلم والشراكة، ولعل الكثير يتذكر خطبة هادي الشهيرة التي اكد فيها بان مسيرة الحوثيين تصحيح للثورة ومساراتها..
وتهكم فيها ايضا بالشتم والاتهام ضد الناشطين والاعلاميين الزاعمين بان صنعاء سقطت مؤكدا بان ما حدث ليس سوى استئصال للمرض.
وهنا تحديدا كافة المؤشرات تؤكد بان هادي حينها لم يكن تحت ضغط أو تهديد امام خيارات القبول باجتياح الحوثي لصنعاء بقدر ما كونه مرحبا بذلك لرمي عصافير ثلاثة بحجر واحد فبواسطة الحوثي سيتخلص من محسن وصالح وسيبتز السعودية للخلاص من الحوثي ناهيك عن تحقيق الصراع اهدافه الخاصة في البقاء على كرسي الرئاسة.
ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك