قراءة في زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايوان
الثلاثاء 09 أغسطس 2022 - الساعة 08:30 مساءً
المصدر : الرصيف برس - خاص
وضاح عبدالكريم الصوفي
أمامنا سؤالين عن أبعاد هذه الزيارة أولهما هل تعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان بداية مرحلة تصعيد أمريكية جديدة هدفها توريط الصين في صراع عسكري مع تايوان؟.
أم أن هذه الزيارة تأتي في سياق ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط السياسي على بكين بعيدًا عن تفكير واشنطن الجدي بخوض حرب بالوكالة ضد الصين؟
تذهب أغلب التحليلات التي تناولت موضوع زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان إلى أن هذه الزيارة الرفيعة المستوى ـ وهي الأولى من نوعها لمسؤول أمريكي منذ ما يقارب 25 عام ـ تعتبر نقطة تحول في السياسة الأمريكية بما يخص تعاطيها مع قضية تايوان، وتفصح عن رغبة إدارة بايدن الهادفة إلى جر الصين للتحرك عسكريًا من أجل إعادة تايوان للسيادة الصينية بالقوة، الأمر الذي يتيح للولايات المتحدة الأمريكية فرصة البدء بفرض عقوبات اقتصادية قاسية وواسعة ضد الصين بمشاركة حلفائها الأوروبيين وخلق عزلة سياسية ضد النظام الصيني، بالإضافة إلى تعريض بكين لحرب استنزاف طويلة من خلال التزويد المستمر لتايوان بالسلاح.
أصحاب هذا الرأي التحليلي يستندون في طرحهم إلى جملة من الأسباب هي: أولاً : حتمية تفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات القليلة القادمة وفقًا لتقارير ودراسات لمراكز أبحاث أمريكية، هذا التفوق إن حدث سيجعل الاقتصاد الصيني يقف على رأس قائمة اقتصاديات دول العالم ما يعني فقدان الإمبرطورية الإمريكية لواحد من أهم عوامل تفوقها كقوة كونية لا تضاهى، لذا لا مفر للولايات المتحدة الأمريكية من خوض هذه المواجهة العسكرية وإن كانت بصورة غير مباشرة ـ حرب بالوكالة ـ بعد أن عجزت أدوات السياسة والاقتصاد عن وضع حد للطموح الصيني في هذا المجال.
ثانياً : بما أن قرار اللجوء لتوريط الصين باستخدام القوة ضد تايوان هو الخيار الأنسب للولايات المتحدة الأمريكية فإنه من المستحسن البدء بهذه المواجهة دون تأخير أو إبطاء خاصةً مع بروز احتمال تحول المواجهة غير المباشرة بين واشنطن وبكين إلى مواجهة مباشرة بين القوات الصينية والقوات الأمريكية المتمركزتان بالقرب من بعضهما لأي سبب من الأسباب، في هذه الحالة فإن أي تأخير في المواجهة يصب في مصلحة الصين؛ لأنها تشهد تحسنًا لافتًا في قدراتها الدفاعية عامًا بعد آخر ـ ما يعرف بمناطق الحظر ومنع الوصول ـ الأمر الذي يفقد الأمريكان ميزة القدرة على تحقيق نصر حاسم وبأقل تكلفة من الخسائر في صفوف القوات الأمريكية.
ثالثاً : الظروف الصعبة التي يعانيها الاقتصاد الأمريكي حاليًا وتوقعات المحللين الاقتصاديين بتعرض الاقتصاد الأمريكي لأزمات حادة في العام المقبل، كل ذلك يجعل من أمر المواجهة العسكرية ضد بكين أمرًا ملحًا وضروريًا خلال الفترة المتبقية من العام الحالي.
رابعاً : الدافع الشخصي للرئيس بايدن يعد سبب من الأسباب التي ترجح المضي في خيار المواجهة العسكرية، فلكل رئيس أمريكي تقريبًا معركته وعدوه وقضيته التي يسعى من ورائها لتحقيق مجده الشخصي بالإضافة إلى تحقيق المكاسب الاقتصادية والسياسية.
خامساً: ضمان استمرار سياسة بيع وتصريف السلاح التي يقف ورائها المجمع الصناعي الحربي صاحب اليد النافذة في إمضاء القرار السياسي الأمريكي بجانب عدد من المؤسسات ذات الصلة بعملية صنع القرار بأمريكا.
سادساً : نزعة واشنطن لاستخدام القوة التي أصبحت سمة من سمات السياسة الأمريكية خلال العقود الأخيرة بدلًا من استخدام السياسة والدبلوماسية لحل الأزمات.
وبالرغم من وجاهة الأسباب السالفة الذكر والتي يأتي في مقدمتها رغبة إدارة بايدن في إخماد الروح الصينية المتوثبة للوصول إلى القمة عبر بوابة الاقتصاد، إلا أنه واستنادًا لعدد من الأسباب الموضوعية الأخرى يمكن النظر لزيارة بيلوسي لتايوان من منظور آخر ـ يخرجها من إطار وجهة النظر السابقةـ وهو أن هذه الزيارة تأتي في سياق ممارسة واشنطن أكبر قدر من الضغط السياسي على الصين، بمعنى أنها تمت بعيدًا عن أي تفكير جدي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في خوض مواجهة عسكرية ضد الصين فوق الأراضي التايوانية، وتكمن أهم تلك الأسباب التي تدعم وجهة النظر هذه فيما يلي:
1ــ خشية الإدارة الأمريكية من عدم القدرة على إبقاء الصراع في إطار صيني تايواني، والخوف من اندلاع مواجهة عسكرية صينية أمريكية مباشرة، والتي قد تتوسع لاحقًا بدخول اليابان كطرف حليف للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الصين؛ باعتبار أن القواعد العسكرية الأمريكية في اليابان ستتعرض للهجوم من قبل الصين في حال نشوب حرب مباشرة بين بكين وواشنطن، كل ذلك إن حدث سيقع في منطقة شديدة الحساسية للتجارة العالمية.
2ــ الأضرار الكبيرة التي قد تلحق باقتصاد معظم دول العالم جراء اقتتال القوات الأمريكية مع القوات الصينية، فالصين تعتبر حاليًا أكبر شريك اقتصادي لعدد لا بأس به من دول العالم، وحجم اقتصادها يساوي ربع حجم الاقتصاد العالمي تقريبًا، كما أن تايوان تعد من أكبر منتجي الرقائق الإلكترونية في العالم.
3ــ ربما تجد أمريكا نفسها غير قادرة على جلب دعم دولي مؤثر في حربها ضد الصين، فالقضية التايوانية تختلف كثيرًا عن القضية الأوكرانية.
4ــ إن خروج الصراع العسكري بين الصين وتايوان عن نطاقه واحتمال تطوره إلى صراع مباشر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ربما يمهد الطريق لقيام حرب كونية جديدة.
بالإضافة لوجهتي النظر السابقتين يمكن أن تمتد قراءة زيارة بيلوسي لتايوان نحو وجهة نظر ثالثة ترى في هذه الزيارة فعلًا سياسيًا أو دوبلوماسيًا ببزة عسكرية، فالزيارة بحسب وجهة النظر هذه تعد مزيجًا من الضغط السياسي على درجة عالية من الاستفزاز من جهة، وتلويحًا غير مستتر بإمكانية ذهاب واشنطن نحو إنجاز (حرب بالوكالة) من جهة أخرى، وللنظام الصيني حرية الاختيار إما التفاعل والاستجابة بطريقة أفضل مع المطالب والرغبات الأمريكية وإما انتظار ما لا يحمد عقباه.
أمام وجهات النظر الثلاث يمكن أن يستقر رأي أغلب المهتمين بهذه الزيارة عند وجهة النظر الأولى ( رغبة الولايات المتحدة في تفجير الموقف بين الصين وتايوان) كما هو حال كثير من المحللين والكتاب، فللولايات المتحدة الأمريكية ما يكفيها من الأسباب للذهاب نحو خيار دفع الصين لاستخدام القوة ضد تايوان، لكن بالرغم من ذلك لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية قد أجمعت أمرها تمامًا بالذهاب مع هذا الخيار فقط، وأنها بالفعل من خلال زيارة بيلوسي لتايوان قد بدأت جولة أولى في حربها ضد الصين والسبب الذي يجعلني أميل لهذا الاعتقاد هو إدراك الإدارة الأمريكية مدى صعوبة أن يتطابق رد فعل بكين إزاء أي محاولة جادة لاستقلال تايوان مع ما يدور وما يخطط له الأمريكيون في غرف عملياتهم، مما يعني وضع الإدارة الأمريكية أمام حالة فشل تفوت الفرصة عليها في الإنقضاض على النظام والشعب الصيني، بالإضافة إلى بعض المخاوف الأخرى التي تم الحديث عنها مسبقًا.
في كل الأحوال لا يمكن أن تحسب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان من جملة الخطوات التصعيدية العادية والمألوفة التي عادةً ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في واقع تعاملها مع الملف التايواني.
كما لا يمكن لهذه الزيارة أن تمر دون حدوث أية تأثيرات هامة في مسار العلاقة بين واشنطن وبكين، لكن تحديد حجم واتجاه تلك التأثيرات يبقى رهنًا لما ستسفر عنه حوارات واتصالات قنوات الدوبلوماسية السرية (غير المعلنة) التي ستترجم خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة إما باتجاه التصعيد الذي قد يضع العالم ـ للمرة الثانية خلال فترة وجيزة ـ أمام حرب الجيران (النسخة الآسيوية)، رغم كل ما في هذه الحرب من مخاطرة ومجازفة للولايات المتحدة الأمريكية ولبقية دول العالم، وإما باتجاه الانفراج المؤقت الذي قد يؤجل اندلاع الحرب ولكنه لن يمنع وقوعها على الدوام.