بريطانيا .. والتحديات الماثلة
الخميس 22 يونيو 2017 - الساعة 05:24 صباحاً
د.ياسين سعيد نعمان
مقالات للكاتب
في القاعة المخصصة لمجلس اللوردات ، في مبنى البرلمان البريطاني ، والتي ينتصب في صدارتها العرش الملكي ، ألقت ملكة بريطانيا خطابها السنوي والذي افتتحت به البرلمان صباح هذا اليوم الأربعاء ٢١ يونية ٢٠١٧م بحضور مجلسي اللوردات والعموم والحكومة والسلك الدبلوماسي الأجنبي وجمع غفير من المدعوين .ويعتبر خطابها بمثابة برنامج الحكومة لعام كامل ، الخطاب بالطبع تعده الحكومة ، وفي فقراته المختلفة يبدأ خطاب الملكة ب ( ستقوم حكومتي ، وتذكر أحياناً وزرائي ، بكذا أو بما يتوجب عليهم عمله ...) فتذكر ما تخطط الحكومة لإنجازه في مختلف الميادين .
لم تعتمر الملكة التاج الملكي هذا العام ، ووضع عوضاً عن ذلك ، على طاولة صغيرة أمامها كرمز للملكية . ولأول مرة منذ زمن بعيد لم يرافقها الأمير فيليب (زوجها) بسبب المرض . وحل محله إلى جانب الملكة الامير تشارلز ولي العهد .
خطاب الملكة هذا العام يتجاوز الطابع التقليدي ليس من ناحية مضمونه ولكن من حيث الأثر السياسي والشعبي الذي يتوقع أن يحدثه هذا الخطاب عند البريطانيين في ظل التحديات الكبيرة الماثلة أمام البلاد .
فالمؤسسة الملكية لا زالت عنوان الاطمئنان لمملكة عريقة تطورت واستقرت عبر إصلاحات دستورية كانت المؤسسة الملكية فيها عنصراً للتوازن الاجتماعي والسياسي والعرقي ، باختلاف واضح عن كثير من الدول الأوربية التي شهدت تغيرات ثورية ، كان بعضها دموياً.
ولذلك فإن الخطاب هذا العام ، وفي هذا الظرف الاستثنائي ، لا بد أن يولد عند البريطانيين قدراً من الاطمئنان ، لا سيما وأن هناك جملة من العوامل التي أحدثت حالة من التشوش والقلق ، وتثير أسئلة في غاية الأهمية حول المستقبل :
١- منذ أيام قليلة بدأت المفاوضات البريطانية الأوربية بشأن الخروج من الاتحاد الاوربي ، ويجمع البريطانيون على أن قرار الخروج قد حسم ، غير أن اتفاقية الخروج التي ستوقع مع الاتحاد الاوربي لا زال يكتنفها الكثير من الغموض والإشكاليات وخاصة ما يتعلق بالكلفة التي سيتعين على البريطانيين دفعها بالمقارنة مع ما سيجنونه من فوائد . ولذلك فقد حضيت هذه المسألة بأهمية خاصة في خطاب الافتتاح .
٢ - أدت الانتخابات البرلمانية التي دعت لها رئيسة حكومة المحافظين قبل موعدها بحثاً عن أغلبية مريحة تدعمها في المفاوضات الشاقة مع الاتحاد الاوربي وذلك لإنجاز صفقة الخروج ، غير أن الانتخابات أسفرت عن نتائج مخيبة لحزب المحافظين حيث خسر الأغلبية التي كانت يتمتع بها والتي كانت قد أغنته عن التحالف مع أي حزب آخر ، أما هذه المرة فإنه يحتاج الى تحالف يمكنه من تحقيق أغلبية ولو بسيطة لتجنب الوضع الحرج الناشئ عن تشكيل حكومة أقلية ، وكان قد وقع اختياره على حزب الاتحاد الأيرلندي الشمالي ( DUP)غير أن عقبات ملموسة لا زالت تعيق إنجاز هذا التحالف ، خاصة وأن هناك من يرى أن التحالف مع أي حزب آيرلندي شمالي بعينه دون الأحزاب الأخرى سيشكل سابقة في خرق الاتفاق الذي تم بموجبه تسوية الصراع في آيرلندة الشمالية وبقائها ضمن المملكة المتحد البريطانية فيما عرف باتفاقية الجمعة الحزين ، الأمر الذي يثير أسئلة كثيرة حول وضع الحكومة فيما لو تعثر هذا التحالف . ولتلافي أي تفسير مشوش فقد أشارت الملكة في خطاب الافتتاح إلى أن الحكومة ستعمل مع كافة الأحزاب في أيرلندة الشمالية . غير أن هذا لا يعالج وضع الحكومة الذي يظل رهناً بما ستسفر عنه المشاورات القادمة بشأن تكوين الأغلبية البرلمانية بتحالفات مع أحزاب أخرى .
٣ - يأتي الاٍرهاب كقضية إضافية هذا العام بعد أن ضرب في أكثر من مكان في بريطانيا بإسم" داعش " والتي أعلنت مسئوليتها عن تفحيرات مانشستر وحوادث برج لندن ووستمنستر ، ويترافق هذا مع نمو التطرّف اليميني الذي زاد عدد أعضائه كما تقول "الاندبندنت " بثلاثين في المائة عن المسجلين في برنامج مكافحة الاٍرهاب والذي يجيئ بعد عام واحد من اغتيال النائبة العمالية " جو كوكس" وشكل صدمة قوية للمجتمع البريطاني ، وكان آخرها الاعتداء الذي حدث بجانب مسجد" فنزبري" وأثار موجة من الاستياء مما قد يرتبه هذا النوع من الإعتداءات الإرهابية من شروخ إجتماعية خطيرة . أفردت الملكة في خطابها ثلاثة فقرات كاملة حول هذا الموضوع وكيفية مكافحته داخلياً ، وفقرة رابعة عن الاٍرهاب على صعيد مكافحته خارجياً .
٤ - شكل الحريق الهائل الذي التهم برج "جرنفيل" في أغنى مناطق لندن في دقائق معدودة كارثة وطنية بكل معنى الكلمة ليس فقط بسبب العدد الكبير من الضحايا الذين وصل عددهم حتى يوم امس أكثر من ثمانين قتيلاًً وتشريد العشرات ، وانما بسبب ما أثاره هذ الحريق من مخاوف تتعلق بسلامة المواد المستخدمة في هذا البرج وغيره من الأبراج الاخرى . وليس غريباً أن تفرد الملكة في خطابها حيزاً مهماً لمعالجة هذه المسألة وطمأنة المجتمع .
الوضع الاقتصادي ، وتحسين ظروف الاستثمار لإبقاء بريطانيا "قائدة في الميدان الصناعي" ، وحل مشكلة الاجور بالنسبة لذوي الدخول المنخفضة ، ومعالجة الفوارق في الاجور بين الجنسين والمشاكل التمييزية للمواطنين من أصول أجنبية ، وتدعيم الوحدة الداخلية لإنجلترا وإيرلندة واسكوتلندة وولز ، والتمسك بعلاقات استراتيجية مع أوربا مع التأكيد على الإيفاء بالألتزامات تجاه "الناتو" ، ومكانة بريطانيا عالمياً باعتبارها عضو دائم في مجلس الأمن والتزاماتها تجاه الاستقرار العالمي وحل مشاكل الفقر وانهاء الحروب في منطقة الشرق الأوسط والحفاظ على دورها في حماية المناخ العالمي وهزيمة داعش في كل من سوريا والعراق ، قضايا شملها الخطاب الذي ينتظر تنفيذ القضايا الواردة فيه حكومة مستقرة لن يعدم البريطانيون القدرة على معالجتها في هذا الظرف الاستثنائي .