ايادي قطر في اليمن!!
الخميس 11 أكتوبر 2018 - الساعة 04:30 صباحاً
المصدر : عبدالرؤوف الصلوي
يوما بعد يوم تتزايد التساؤلات عن الدور القطري في اليمن وتأثيراته على المشهد السياسي للأزمة اليمنية، خاصة بعد الأزمة الخليجية التي أعلنت قطر على اثرها انسحابها من عضوية دول التحالف العربي المساند للشرعية في اليمن، ولعل تغيرات المواقف القطرية المتقلبة من الأحداث في اليمن قد فتح الباب أكثر للتساؤل عن الدور القطري في اليمن منذ بدء العلاقات اليمنية القطرية، مرورا بدور قطر في عضوية التحالف العربي، وصولا للتساؤل عن ماهية دورها الذي تلعبه بعد انسحابها من التحالف؟ وفي مصلحة من هذا الدور؟ وأين هي مصلحة اليمنيين من ذلك؟
يعود بدء العلاقات الرسمية بين الدوحة وصنعاء إلى العام 91 وقد مرت هذه العلاقات بمراحل من المد والجزر والقوة والفتور، لكن الملاحظ خلال المراحل المختلفة لهذه العلاقة أنها تتوطد كلما دخلت صنعاء في حالة قطيعة مع الرياض في حين تضعف علاقة الدوحة بصنعاء حين تشهد العلاقة اليمنية السعودية ازدهارا وتطورا، وهذا الأمر يعود إلى أن الدوحة تريد أن تستأثر بالدور السياسي في المنطقة وتقدم نفسها كبديل للثقل السياسي الذي تلعبه الرياض في المحيط العربي والاقليمي كلاعب فاعل ومؤثر.
كما يلاحظ أن الدوحة لا تسعى إلى تطوير علاقتها مع الأنظمة الرسمية بقدر توجهها إلى بناء علاقاتها مع أشخاص وكيانات وجماعات داخل الدول، وخاصة جماعات الاسلام السياسي التي يسهل شراؤها بالمال وتقديم الاغراءات لها، ولذا فمن الملاحظ توجه الدوحة إلى بناء وتطوير علاقتها بجماعة الاخوان المسلمين والجماعات الشيعية الموالية لإيران والجماعات الارهابية حيث تقوم الدوحة بتقديم الدعم المالي لهذه الجماعات عن طريق دعم منظمات وجمعيات خيرية تابعة لهذه الكيانات، كما تحتضن قياداتها وتقدم لها الكثير من التسهيلات في شتى المجالات.
وبالنظر إلى علاقة الدوحة مع جماعة الحوثي والتي تعد يد طهران في اليمن فقد لعبت الدوحة وبالتنسيق مع طهران دورا مهما في مساندة جماعة الحوثي الارهابية خلال حروبها الستة ضد الدولة التي امتدت بين العامين 2004 - 2010، وتجلى ذلك الدعم بصورة واضحة من خلال انقاذ الدوحة للحوثيين في الحرب الثالثة في العام 2006 بعد وصول الجيش اليمني إلى منطقة مطرة آخر معاقل الحوثيين التي يتحصن فيها زعيم الجماعة والواقعة شمال صعدة، حيث بادرت الدوحة إلى رعاية هدنة بين الطرفين، توقف بموجبها الجيش اليمني عن التقدم فيما توجهت قيادات الجماعة للاقامة في قطر بموجب الاتفاق وأبرز هذه القيادات بدر الدين الحوثي وولده يحيى وعبدالكريم الحوثي، كما تكفلت الدوحة آنذاك بإعادة الاعمار وتقديم التعويضات والمساعدات، حيث قدمت مليارات الريالات التي استفادت منها جماعة الحوثي في اعادة التسليح وجني الأموال والاستعداد لجولات جديدةمن الصراع مع الدولة.
استمر تحرك الدوحة بنفس الوتيرة في الحرب الرابعة من خلال الضغط على الدولة اليمنية لتوقيع اتفاق اخر بعد نقض الحوثيين للاتفاق السابق، وتوجت جهود الدوحة بزيارة أمير دولة قطر آنذاك حمد بن خليفة إلى العاصمة صنعاء في مايو 2007 حيث قدم خلال الزيارة هبات ومساعدات وهدايا تقدر قيمتها بنصف مليار دولار أمريكي، واستطاع من خلال ذلك اقناع الرئيس علي صالح بايقاف المعركة العسكرية التي اقتربت من الحسم، وليتم انقاذ جماعة الحوثيين مرة أخرى، ولم ينته الأمر عند ذلك بل إن ضباط قطريين توجهوا إلى صعدة وعقدوا عدد من الاتفاقيات والتفاهمات مع جماعة الحوثي، وهي التفاهمات التي ظل أثرها السلبي إلى الآن، حيث قام القطريون حينها بانشاء جسور تواصل بين الحوثيين وطهران وتم بموجبها نقل أسلحة وخبراء ايرانيين في شتى المجالات العسكرية والاعلامية والسياسية إلى صعدة.
استفادة الحوثيين من الدور القطري في تسليحهم جعلهم يبادرون إلى اشعال الحرب الخامسة في العام 2008 وهي الحرب التي ظهرت فيها ترسانتهم العسكرية الضخمة، والتي مكنتهم من التوسع إلى مناطق جديدة بعد دحر الجيش اليمني منها، ولتشتعل بعد ذلك بعام واحد الحرب السادسة التي تدخلت فيها المملكة العربية السعودية بعد شعورها بالخطر الحوثي المدعوم من ايران والقابع على حدودها الجنوبية، لتسارع الدوحة كعادتها إلى الدفع لتوقيع اتفاق جديد بين المتمردين الحوثيين ونظام صالح في يونيو 2010 وهو الاتفاق الذي قدم جماعة الحوثي الارهابية كقوة لها تأثيرها، ولتحظى بذلك باعتراف ضمني من الحكومة التي جلست معها على طاولة واحدة للتوقيع على الاتفاق الذي تم برعاية قطرية وتخطيط ايراني.
استفاد الحوثيون من الاتفاق لاعادة ترتيب أوراقهم وللتوسع في المناطق اليمنية، حيث شاركوا صوريا في ثورة 11 فبراير من خلال مخيماتهم التي أسسوها في ساحة التغيير بصنعاء وعدد من الساحات الأخرى وهذا ما ساعد بتمددهم والتنسيق لمشروعهم المتمثل بالانقلاب على الدولة ، وعقب أحداث الربيع العربي وقفت الدوحة موقفا متماهيا مع موقف جماعة الحوثي من المبادرة الخليجية من خلال انسحابها منها في مايو 2011، والتي جاء رفض الحوثيين لها في سياق مخططهم للانقلاب على الدولة والذي تحقق لهم في 21 سبتمبر 2014 بالتنسيق مع علي صالح.
والملاحظ أنه خلال أحداث الربيع العربي سارعت الدوحة لاحتوائه عن طريق الاستعانة بترسانتها المالية والاعلامية الضخمة وعبر فريق من الأكاديميين والسياسيين والاعلاميين ورجال الدين أبرزهم الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور عزمي بشارة، وبالتأكيد فإن الثورة اليمنية لم تكن استثناء من توجه الدوحة هذا، حيث سارعت الأخيرة إلى دعم قيادات من حزب الاصلاح "فرع الاخوان المسلمين في اليمن" أبرزهم توكل كرمان بهدف الاستحواذ على الساحات وخطابها وتوجهاتها السياسية، فقدمت الأموال الطائلة إلى هذه القيادات، وفتحت أمامها آلتها الاعلامية المتمثلة بقناة الجزيرة، كما دعمت قناة سهيل التابعة للشيخ حميد الأحمر وأنشأت قناة جديدة اسمها "يمن شباب" وأهدتها للاخواني وسيم القرشي، كما دعمت العديد من المواقع الاخبارية والمراكز الاعلامية والصحفيين.
بالتوازي مع ذلك قامت الدوحة بتقديم كرمان للعالم كناشطة حقوقية، وقدمت الدوحة ملايين الدولارات للمنظمات الدولية من أجل ايصال كرمان إلى مربع التتويج بجائزة نوبل للسلام، وقامت بعد ذلك بدعمها بقناة تلفزيونية اسمها "بلقيس" وتبث من اسطنبول، وتستخدمها الدوحة لتنفيذ أجندتها السياسية الخاصة. استفادت الدوحة من استراتيجية طهران في ادارة الصراع السياسي والعسكري مع الخصوم عن طريق نقل المعركة مع الخصم إلى منطقة أخرى بحيث لا تتضرر بشكل مباشر، وهكذا عمدت الدوحة إلى جعل اليمن ساحة لصراعها مع الرياض وأبوظبي، وهو الصراع الذي كان خفيا قبل أن يظهر إلى العلن في يونيو 2017 والذي بموجبه تم انسحاب الدوحة من التحالف العربي المساند للشرعية بعد مشاركتها الصورية في اطار التحالف وهي المشاركة التي أثارت العديد من التساؤلات والشكوك، حيث شاركت الدوحة في عاصفة الحزم بألف جندي فقط عسكروا في الحدود السعودية، وخلال مشاركتهم أعلن عن مقتل 4 منهم في حادثين منفصلين، واقتصر الدور القطري على الدعم اللوجستي، فيما تشير اتهامات للجنود القطريين بمساهمتهم بمقتل عشرات الجنود الاماراتيين عبر رفع احداثيات أماكن تواجدهم وتقديمها إلى ميليشيا الحوثي التي استهدفتهم بالصواريخ، أي أن القطريين عملوا كجواسيس لمصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من ايران.
ففي الجانب السياسي تستخدم الدوحة حزب الاصلاح لتنفيذ أجندتها في عرقلة الشرعية والتحالف العربي المساند لها وذلك من خلال العمل على السيطرة على الجيش والأمن، وتعطيل الجبهات وتوقفها دون حسم وفتح جبهات داخلية مع القوى الأخرى الداعمة للشرعية وخاصة السبفيين، وابتزاز التحالف لتقديم المزيد من المال والسلاح، وكذا الاستحواذ على التعيينات في المناصب القيادية في الوزارات والمؤسسات والعمل على اقصاء الأطراف الأخرى، ولعب الدور السياسي المناهض لدول التحالف والمحرض عليه.
وفي الجانب الاعلامي عملت الدوحة على استخدام أدواتها داخل اليمن لادارة صراعها مع السعودية والامارات ومصر والبحرين، حيث تستخدم قناة بلقيس لمهاجمة السعودية والامارات والتحريض على دورهما في اطار التحالف العربي المساند للشرعية، وكذا دعوات التقارب مع الحوثيين والتي تجلت مؤخرا بالدعوة للتصالح مع الحوثيين، واستضافة القناة قيادات حوثية أبرزها محمد البخيتي، بالإضافة إلى قنوات الجزيرة والعربي ويمن شباب وكذا عدد كبير من المواقع الاخبارية التي تعمل وفقا لاستراتيجية اعلامية موحدة يشرف عليها ويوجهها خبراء اعلاميون من الدوحة.
الدوحة أيضا ركزت على دعم المنظمات الحقوقية التي ترفع تقاريرا تخدم أجندتها وفي مقدمتها منظمة صحفيات بلا قيود التابعة لكرمان، ومنظمة مواطنة التابعة للناشطة الحوثية رضية المتوكل بالإضافة إلى عدد اخر من المنظمات مثل منظمة سام التابعة للاخواني توفيق الحميدي، ومهمة هذه المنظمات رفع التقارير الحقوقية التي تهاجم دول التحالف العربي وتبرئ ميليشيا الحوثي الاجرامية وتتغاضى عن جرائمها إلى المنظمات الدولية والهيئات الأممية ومجلس حقوق الانسان.
كما أن علاقة الدوحة مع التنظيمات الارهابية في اليمن لم تعد خافية، حيث تقوم بدعم هذه التنظيمات بالمال عبر صفقات الافراج عن الرهائن الذي تمارسه الدوحة مع تنظيم القاعدة وداعش في معظم دول العالم والذي أشارت إليه تقارير خاصة بأن الدوحة أنفقت على هذه التنظيمات أكثر من 65 مليار دولار أمريكي، وقد قامت الدوحة باطلاق سراح عدد من المختطفين لدى تنظيم القاعدة في اليمن مقابل المال أكثر من مرة، وأبرزها اطلاق سراح رهينة سويسرية كانت مخطوفة لدى التنظيم الارهابي وتم الافراج عنه في العام 2013 مقابل مبلغ مالي ضخم.
من خلال ذلك يتضح أن الدوحة اختارت الارتماء في حضن المشروع الفارسي وخدمته في مواجهة المشروع العربي عن طريق أدواتها ووسائلها داخل المجتمعات العربية والمتمثلة بجماعات الاسلام السياسي التي تقف وراء كل المشاكل التي تعاني منها الأمة العربية، حيث تهدف هذه الجماعات إلى تحقيق مشروع التمكين الخاص بها متفلتة بذلك من قيم الوطنية والعروبة ومن قيم الإسلام الحقيقية السمحاء.