معاناة الرياضيين في اليمن.. جمال الصبري من حلبة المصارعة إلى البحث عن حلم في المنفى
المصدر : الرصيف برس - صحيفة الشارع
دمرت الحرب البنية التحتية الرياضية في اليمن وتسببت بمقتل ووفاة العديد من الرياضيين
غادر عدد من الرياضيين اليمن بحثا عن مصدر دخل فيما مات آخرون وهم في طريق الهجرة إلى أوروبا
حصد جمال أكثر من 15 ميدالية وحقق مراكز متقدمة في رياضة المصارعة الحرة والرومانية في المنافسات المحلية والدولية
هاجر جمال إلى أوروبا ساعيا لتحقيق حلمه بعد شعوره بانتهاء مستقبله الرياضي في اليمن
اجرى الحوار معه.. عبدالعزيز الفتح
تعيش الرياضة في اليمن موتا سريريا، منذ ثمانية أعوام بسبب الحرب الدائرة بين الحكومة والحوثيين، التي ألحقت دمارا المنشئات الرياضية بأغلب المحافظات، ولم تعد صالحه للاستخدام.
ووصل تأثير هذه الحرب، على أغلب الرياضيين، فانخرط البعض منهم مع طرفي الحرب، وقتل وأصيب العديد منهم في جبهات القتال أحدهم عبدالله عارف حارس نادي الشعلة ومنتخب الشباب قتل في العام 2015، مع قوات الحكومة الشرعية في عدن، وعلي السعودي ومحمد الدميني لاعبا شعب صنعاء قتلا كذلك في صفوف قوات الحكومة الشرعية عامي 2015، 2016 على التوالي بمحافظتي لحج ومأرب.
كما قتل في صفوف الحوثيين، لاعب منتخب المصارعة ونادي شعب صنعاء إبراهيم الردمي في جبهة نهم عام 2018، وتبعه في نفس العام زميله لاعب كرة القدم في النادي ذاته عبد الجبار الادريسي، الذي سقط في الساحل الغربي.
ولم يقتصر الأمر على جبهات القتال، حيث قتلت صواريخ الحوثيين الرياضي ناصر الريمي ونجله، حين أطلقتها المليشيا على مقر نادي أهلي تعز في عام 2020.
ودفعت الأوضاع المأساوية العديد من الرياضيين، إلى مغادرة اليمن، نحو دول الخليج بحثا عن مصدر زرق، أو الهجرة الى أوروبا التي صادف الحظ السيء خلالها البعض كلاعب رياضة الكونغو فو، هلال الحاج الذي توفي غرقا في بحار الجزائر والمغرب يوم 20 سبتمبر 2019، ووفاة الصحفي الرياضي محمد الأهدل الذي توفي بالطريقة نفسها في البحر المتوسط في السنة ذاتها.
كما كان نصيب البعض منهم النجاح في الوصول إلى أوروبا، ومنهم لاعب نادي شعب صنعاء ومنتخب المصارعة جمال الصبري، الذي
حقق انجازات رياضية كثيرة على المستوى المحلي والدولي، وقرر خوض غمار الهجرة، والمضي قدما نحو تحقيق مستقبله الرياضي.
يقول جمال لـ “الشارع”، “قررت الهجرة ومغادرة اليمن لعدة أسباب، حيث أصبح المستقبل منتهي تماماً بالنسبة لنا، منذ كنت طفلا في وزن 27 كيلو وعمري آنذاك 12 عاما أمارس رياضة المصارعة وأنا رياضي والرياضة بالنسبة لي ليست هواية فقط بل احتراف”.
ويوضح، أنه بعد 15 سنة من ممارستهل للرياضة وتحقيق الإنجازات والألقاب الدولية يكتشف أن كل جهده والطريق الذي مشى فيه لتحقيق أحلامه انتهى.
ويضيف: “منذ اندلاع الحرب نستهلك أنفسنا وطاقتنا ببطولات ومشاركات بدون استعداد أو دعم وكل ذلك بغرض المشاركة فقط، لذلك الأفضل أن تبحث عن مكان ممكن تواصل فيه طريقك ومستقبلك”.
ويتابع: “الوضع السياسي في اليمن وخصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين أصبح يتداخل مع الوضع الرياضي، منذ فترة شعرت بعدم وجود أمان ليس على رياضتي ومستقبلي فقط بل حتى على نفسي وحياتي وحريتي”.
ويسرد جمال تفاصيل بدايته الرياضية، بالقول: “كانت بدايتي في الرياضة على يد مدرب كبير وأحد أشهر مدربي المصارعة في الوطن العربي الكابتن ثابت نعمان الأعضمي، فهو الذي استقطبني للمصارعة، وجعلني أتعلق باللعبة”.
وفي حين كان جمال لا يفهم كثير من الأمور لقي تشجيعا كبيرا من المدرب، الذي حفزه وزملاءه في لعبة المصارعة وأكد على أن لهم مستقبلا كبيرا على مستوى اللعبة، وأطلق عليه مهندس المصارعة.
ويذكر، أن أول بطولة محلية له عندما كان في سن 12 عاما، بالمنافسة على وزن 27 كيلو، إذ كانت المصارعة حينها تعيش أوج قوتها في اليمن من حيث شهرة اللعبة وعدد المنتسبين لها، على حد قوله.
ويضيف: “حققت المركز الأول وحصدت ميدالية ذهبية، وهزمت لاعبين كانوا مسيطرين على وزني لفترة طويلة، ومن يومها إلى هذا التاريخ وأنا أحقق المركز الأول في كافة البطولات المحلية”.
وبدأ جمال، المشاركة في البطولات الدولية، في العام 2013، في دولة الأردن، وهو بعمر 16 سنة. يقول: “حققت المركز الأول وتوجت بميداليتين ذهبيتين في الأسلوبين المصارعة الحرة، والرومانية”.
ومازال جمال الصبري يتذكر، تفاصيل أول مشاركة دولية له، في الأردن، وهو يقدم أداءً مذهلا في حلبة المصارعة ويتغلب على خصومه، وسط متابعة رؤساء اتحادات المصارعة، الذين استدعوه بعد ذلك ليحتفوا به، لكون هذا الإنجاز ليس عاديا بالنسبة للمشاركين المحليين في أول بطولة دولية.
واستطرد: “في العام 2015، حققت كذلك المركز الأول في العراق، لعبت فيها بيوم واحد أكثر من 8 مباريات في الأسلوبين الحرة والرومانية وحققت أول ميدالية فيهما، في هذا الوقت كانت الحرب بدأت في اليمن وكانت الرياضة أول المتضررين لأني لازلت ناشئ في المنتخب”.
يتذكر جمال الصبري لزملائه في الفريق الأول للمصارعة من فئة الكبار، الذين يحملون مسؤولية أسرهم ولديهم التزامات، وتضرروا جراء الحرب، في ظل عدم حصولهم على دعم من المؤسسات الرياضية، فاضطر الكثيرين منهم لترك رياضة المصارعة والعمل في مجالات أخرى من أجل البحث عن مصدر رزق لتوفير لقمة عيش لعائلاتهم.
ويعتقد أن كل تلك الأسباب والعوامل السابقة، بالإضافة إلى عزوف عدد من لاعبي المنتخب وتأثيرات الحرب على رياضة المصارعة، نجم عنها حدوث فجوة في المنتخب الأول للعبة، وهو ما أدى إلى عدم قدرتها على الصمود، فلم يعد هناك مشاركات داخلية أو خارجية للمنتخب الأول.
أما بالنسبة لفئة الناشئين، في رياضة المصارعة، فيوضح جمال أنه رغم توقف المشاركات والبطولات، أصبحت رياضة المصارعة منتهية، إلا أن الفريق لم يستسلم للأمر الواقع وواصل أداء التمارين بطاقة إيجابية كبيرة.
ويقول: “بعد التوقف هذا، جاء العام 2017، وشكل لنا نقطة ضوء في عتمة الظلام التي تشهدها اللعبة، وحصلنا على فرصة المشاركة في بطولة كانت خاصة بمنافسات فئة الرجال ودورة أولمبية (دورة ألعاب التضامن الإسلامي)، وفي هذا الوقت تم تصعيدي من فئة الناشئين إلى فئة الرجال من أجل أن أشارك في هذه البطولة”.
ويضيف: “ذهبت للمشاركة دون الإعداد الجيد ولم تتوفر الإمكانيات المناسبة كي تساعدنا على تقديم مستوى جيد”.
ويتابع، “هذه البطولة ليست بطولة عادية، ومهما كانت موهبتك لن تشكل فرقا كبيرا ولن تقدم شيء مقابل إمكانيات ضخمه حصل عليها الرياضيين من البلدان الأخرى، في مثل هذه البطولات يشارك فيها أكثر من عشرة أبطال أولمبيين ومئات الأبطال من 56 دولة”.
ويتحدث جمال بشيء من الحسرة والندامة حول هذه المشاركة، حيث يقول: “للأسف كانت هذه البطولة بالنسبة لي محبطة بشكل كبير ففيها كانت أول خسارتي”.
وأرجع جمال الصبري، سبب الخسارة، لكونه متوقف عن المشاركات منذ سنتين ويتدرب في صالة متواضعة، وشارك في البطولة في مواجهة لاعبين من دول أخرى، وفرت لهم كل الإمكانيات التي توفر للرياضيين من أجل رفع راية بلدانهم.
وغيرت هذه الخسارة، من نفسية جمال كثيرا، وصرفته عن الاهتمام الأساسي برياضة المصارعة، وبعد مراجعة مع النفس، تحول تركيزه أولا إلى استكمال دراسته الجامعية حتى تخرجه من جامعة صنعاء.
ويقول: “على الرغم من نيتي ترك المصارعة، لكن لم أتمكن من نسيان السنوات السابقة التي قضيتها في هذه الرياضة وتمسكي بها، حتى جاءت فرصة أخرى للمشاركة الخارجية منها بطولة العرب وبطولة إبراهيم مصطفى”.
ويتابع: “شاركت رغم الإحباط الداخلي والظروف التي يمر بها الوطن والحرب الدائرة ولكن ليس بالعزيمة السابقة، وحققت خلال سنتين خمس ميداليات ملونة وحصلت على مراكز ما بين المركز الثاني والثالث في فئة الرجال وكانت على مستوى الوطن العربي”.
ويشير، إلى أنه خاض كل المشاركات، في ظل وضع سيء وبدون إمكانيات، حيث لم يتم إعدادهم بشكل جيد ولم تنظم لهم معسكرات تدريبية سوى تدريب بسيط في مدينة صنعاء.
ويقارن جمال بين ما تحقق من إنجازات بدون دعم للفرق اليمنية، وبين الفرق العربية التي تحظى بدعم كبير وإمكانيات هائلة.
ويقول: “نحن على تواصل مع أصدقائنا وزملائنا من الفرق العربية في لعبة المصارعة الذين يتدربون طول السنة، ويشاركون في بطولات محلية كثيرة في بلدانهم، لكنهم لا يتوفقون في البطولات الدولية، وكان الزملاء من الدول العربية يندهشوا بما يحققه اللاعبين اليمنيين من ميداليات في ظل هذا الوضع وعدم الإمكانيات مقارنة بهم”.
ويلخص جمال، وضع الرياضة اليمنية وما يمارس مع الفرق والمنتخبات الرياضية بكل الألعاب، بنقطتين رئيستين، الأولى: عدم وجود مؤسسات رياضية حقيقية لتدير الرياضة بمختلف الألعاب وهناك أشخاص يديرون المؤسسات شكليا، فيما تتضمن الثانية، أن الأموال المخصصة للرياضة تصرف لأشياء ليس لها أي علاقة بالرياضة وما يصرف منها للرياضة يصرف بطريقة تقليدية جدا، وبالتالي تكون النتيجة غير فاعلة، كما يقول.
ويضيف: “نحن في العام 2022، ومن يدير الرياضة جميعهم تقليديين تفكيرهم وفهمهم للرياضة تقليدي، وبذلك نحن غير قادرين على مجاراة الدول الأخرى”.
ويستطرد: “منذ عشر أو عشرين سنة، الرياضة والمؤسسات الرياضة الدولية تغيرت بشكل جذري وأضافت أشياء كثيرة وطرق مختلفة وأساليب إدارية جديدة، ونحن لا زلنا مكاننا (محلك سر)، بسبب المسيطرين على المؤسسات الرياضية، فهم لا يريدون التخلي عن مناصبهم ولا يريدون ترك أدوارهم التقليدية التي أصبحت أكبر عائق أمام تطور الرياضة في اليمن، ورغم أن البعض منهم قدم الكثير للرياضة وساهم في وصولها لمستوى معين لكن الآن أصبح هؤلاء عائقا ولابد أن يتركوا مواقعهم ويفسحوا المجال لغيرهم”.
ويوضح: أن “الفساد والمصالح الشخصية وتقاسم المكاسب على حساب الرياضين والرياضة تعتبر من أسباب تدهور الرياضة بشكل عام”.
وهكذا أصبح وضع الرياضيين في اليمن وجمال الصبري واحدا من عشرات أوقفت الحرب طموحاهم، كما تسببت بتدمير البنية التحتية المتمثلة في المنشئات الرياضية بأغلب المحافظات.
ومن أبرز انجازات جمال الصبري على المستوى المحلي:
لعب المصارعة جمال الصبري يحمل كأس البطولة
– ميدالية ذهبية فئة الناشئين وزن 32 كجم في بطولة الجمهورية 2009.
– ميدالية ذهبية فئة الناشئين وزن 38 كجم في بطولة الجمهورية 2010.
– ميدالية ذهبية فئة الناشئين وزن 42 في بطولة الجمهورية 2011.
– ميدالية ذهبية فئة الشباب وزن 50 في بطولة الجمهورية 2012.
– ميدالية ذهبية فئة الشباب وزن 50 في بطولة الجمهورية 2013.
– ميدالية ذهبية فئة الرجال وزن 55 في بطولة الجمهورية 2014.
– ميدالية ذهبية فئة الرجال في بطولة الجمهورية 2016.
-ميدالية ذهبية بطولة الرجال وزن 57 في بطولة الجمهورية 2017.
كما حقق على المستوى الدولي العديد من الجوائز والميداليات كانت أبرزها:
– ميدالية ذهبية وزن 50 مصارعة حرة فئة الناشئين بطولة غرب آسيا – الأردن 2013.
-ميدالية ذهبية وزن 50 مصارعة رومانية فئة الناشئين بطولة غرب آسيا – الأردن 2013.
– ميدالية ذهبية وزن 50 مصارعة حرة فئة الناشئين بطولة غرب آسيا بغداد 2015.
– ميدالية ذهبية وزن 50 مصارعة رومانية بطولة غرب آسيا 2015- بغداد.
– ميدالية فضية وزن 57 مصارعة حرة بطولة العرب فئة الرجال 2018 – شرم الشيخ.
– ميدالية برونزية 55مصارعة رومانية بطولة العرب فئة الرجال -2018 شرم الشيخ.
– ميدالية برونزية وزن 57 مصارعة حرة بطولة إبراهيم مصطفى الدولية فئة الرجال 2018 شرم الشيخ.
– المركز 11 مصارعة حرة بطولة أسياد آسيا فئة الرجال – جاكرتا 2018.
– ميدالية فضية وزن 57 مصارعة حرة بطولة العرب – القاهرة 2019م.
*عبدالعزيز محمد عبده هادي (عبدالعزيز الفتح)، رئيس المركز اليمني للدراسات والإعلام الرياضي، وعضو الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي، والاتحاد الدولي للصحافة الرياضية، ومؤسس منصة VAR لكشف الأخبار الرياضية المضللة.