انتشار العيادات الطبية في اليمن.. الربح على حساب صحة المواطن
الاربعاء 16 نوفمبر 2022 - الساعة 12:31 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - خاص
محمد المخلافي
في العاشر من يونيو أضطر الشاب اليمني أنس الشرعبي ذو ال22 عامًا للذهاب إلى إحدى العيادات الطبية القريبة منه في حي السنينة غربي العاصمة صنعاء بعد ان تعرض لإصابة عمل أدت الى تورم يدهِ اليُسرى, نتيجة رفعه لمخلفات البناء في احدى العمائر التي كان يعمل بها دون إستخدام اي أدوات للوقاية.
يقول أنس لموقع " الرصيف برس" بدأ الطبيب المناوب في العيادة بقطع مكان الإصابة بأداة حادة بغرض تصفيتها من الدم المتحور والقّيح بحسب قوله، وبقيت أعود إليه بشكلٍ يومي وهو يقوم بالامور ذاتها, إضافةً لمعالجتي بالطرق التقليدية(التدليك), ولم أكن أعلم أن الامور التي يقوم بها تتسبب في مضاعفة إصابتي، وعندما أزداد الورّم وبدأ ينتشر قررت الذهاب إلى إحدى المستشفيات، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة والكشف الطبي تفاجئت انني مُصاب بتسمم جلدي تتضاعف خطورته يوم بعد اخر بسبب إنتشار السم .
ويضيف بحسرة قائلاً: أكثر من 13 يومًا قضيتها وانا أذهب الى العيادة, وخسرت مبلغ قدره 45 ألف ريال يمني بلا أي فائدة, وفي المستشفى خسرت ضِعف هذا المبلغ, لكنني تحسنت خلال خمسة أيام من استخدام الحُقّن الخاصة بالتسمم " مشيرًا" إلى ان الفترة التي قضاها للعلاج أفقدتهُ عمله, واثرت عليه من الناحية النفسية والمادية.
وخلال سنوات الحرب انتشرت العيادات الطبية بشكل كبير في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية خصوصًا في الاحياء التي تبعد عن المدينة, وفي الارياف, وتحولت الكثير منها إلى وسائل لتحقيق الربح بسبب قلة الرقابة على هذهِ العيادات ومُلاكها الذين يمارسون أعمالهم بشكل غير قانوني يدفع تكلفته المواطنين الذين تجبرهم الظروف على التوجه إليها في حال مرضهم لكونها أقل تكلفة من المستشفيات الحكومية او الخاصة التي تقدم خدماتها مقابل تكاليف مالية باهظة ليسوا قادرين على تحملها في ظل الاوضاع المعيشية الصعبة .
إستثمار في المعاناة:
الأربعينية صفية الحرازي تتحدث " للرصيف برس" ساخرةً : كنت أعاني من صداع وحمى فذهبت الى عيادة ( الشفاء) أبحث على دواء يخفف عني الالم، لكنني أزدت مرض ..بعد ان تناولت الدواء بساعات بدأت أشعر بحكّة وظهر على عدة مناطق في جسدي أعراض إحمرار, وعندما اجريت الفحوصات اللازمة في المستشفى تبين ان ذلك بسبب الدواء الذي تعاطيته, والذي لا يتناسب مع المصابين بالحساسية التي أعاني منها.
ويقول الدكتور يوسف (أخصائي معاينة) في مستشفى حكومي بالعاصمة بصنعاء, والذي أكتفى بذكر اسمه الاول ل"رصيف": تصل الينا الكثير من الحالات التي لم تتلقى الرعاية اللازمة في بعض المنشئات الطبية الصغيرة, اوفي المستشفيات الحكومية التي يتدرب بها خريجي الجامعات الذين لا يملكون الخبرة الكافية لمزاولة المهنة .
ويضيف: هناك الكثير من العيادات تقوم بإجراء عمليات التوليد والقبالة, وعمليات جراحية صغيرة وكبيرة, وصرف علاجات قد تؤدي إلى وفاة المرأة مع الطفل أحيانًا، وهذا مايستدعي وجود رقابة حقيقية من قبل مكتب الصحة العامة والسكان للحد من الإهمال .
وفي نهاية أكتوبر الماضي أعلن مكتب الصحة العامة والسكان بالعاصمة صنعاء عن إغلاق اقسام للعناية المركزة والعمليات والحضانة في عدد من المستشفيات الخاصة بامانة العاصمة لعدم استيفائها الشروط والمعايير الفنية، إضافةً لإغلاق عيادات،من ضمنها عيادة نساء وولادة كانت تعمل فيها أحد النسوة وتنتحل صفة طبيبة، بدون ان تكون حاصلة على موهلات طبية.
تجاوز القوانين:
وتنص المادة رقم 25 في القانون اليمني الخاص بالمنشآت الطبية و الصحية الصادر سنة 1999م: على: ان تقوم عيادات الطب البشري بتقديم الخدمات الطبية (كشف ومعاينة وعلاج) من قبل طبيب حاصل على ترخيص مزاولة المهنة، وان تتوفر فيه الشروط المحددة في اللائحة، ونصت المادة رقم (13): انه لا يجوز لأي منشاة طبية او صحية تشغيل ذوي المهن الا بعد حصولهم على الترخيص وإفادة الادارة المختصة بمن يتم تشغيلهم، كما نصت المادة رقم (32) في ذات القانون على ان يعاقب كل من خالف أحكام هذه المادة بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة مالية لا تزيد عن (500,000) ريال خمسمائة ألف ريال وفي حالة العودة تضاعف العقوبة.
وتوضح المحامية أصالة القدسي خلال حديثها "للرصيف برس": انه في حال وقع ضرر على المواطن عليه ان يلجئ الى القضاء في حال كان الضرر جسيما، وللقاضي سلطته التقديرية في تقدير العقوبة الجزائية في القضية المرفوعة لديه من حيث الجسامة؛ او أن يقدم شكوى للجهة المختصة ويتم التعويض ماديا في حال كان الضرر غير جسيم بحسب ما ينص القانون رقم 28 لسنة 2000 بشأن المجلس الطبي.
وتواصل قائلةً: هناك تراخيص يتم منحها دون الإلتزام بشروط القانون, وهناك أيضًا من يرتكب الخطأ ويزاول النشاط بدون ترخيص أو مؤهل وفقًا لقضايا مرفوعة في المحاكم, وتختص مكاتب الصحة بإصدار تراخيص مزاولة مهنة (مساعد طبيب_ تمريض) وغيره, وفق الشروط اللازمة التي حددتها القوانين واللوائح, بحيث يكون النشاط قائم بموجب القانون, والطبيب مسؤولاً عن اي خطأ يحدث في العيادة, ويتحمل المسؤولية كاملة أمام مكتب الصحة والمجلس الطبي, وامام النيابات والمحاكم في حال وقوع اي خطأ طبي .
وبسبب الظروف الصعبة ما يزال المواطن اليمني مجبرًا على اللجوء لهذهِ العيادات رغم ضعف القدرات فيها في مغامرة منه للبحث عن أي دواء يتناسب مع وضعه المادي ويساعدهُ على تجاوز الالم, بعد ان وجد نفسهُ عاجزًا على توفير ما يمكنهُ من تامين وضعه الصحي في غضون حرب ظالمة أهلكت الحرث والنسل, وألقت بتبعاتها على مختلف جوانب الحياة, بما فيها الجانب الصحي في البلد الفقير الذي يشهد أسوء أزمة انسانية في العالم.
ويعاني القطاع الصحي في اليمن من تدهور غير مسبوق نتيجة إستمرار التصعيد العسكري بين الاطراف المتصارعة منذٌ إندلاع الحرب في مارس/ أذار 2015, وغياب دور الجهات الرقابية على المنشئات الطبية, وإنتشار الأدوية المقلدة والمهربة والمنتهية التي تكتظ بها الاسواق اليمنية.