حزب الاصلاح .. يد قطر لالتهام الشرعية في اليمن.
الاثنين 05 نوفمبر 2018 - الساعة 04:02 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - متابعات
حين أعلن التحالف العربي المساند للشرعية نهاية مارس 2015 عن عمليته العسكرية والتي أطلق عليها اسم ”عاصفة الحزم” ضد جماعة الحوثيين الانقلابية، كان المحيط العربي والاقليمي لليمن - والذي يشكل معظم دول التحالف - يعيش حالة من العداء المتزايد والمتنامي مع جماعة الاخوان المسلمين، وهي الجماعة المحظورة في عدد من دول التحالف أبرزها مصر والامارات، في حين كانت جماعة الاخوان نفسها متغلغلة بقوة في أوساط النظام اليمني الجديد الذي بدأ يتشكل مع المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة 11 فبراير وانقلب عليه الحوثيون في سبتمبر 2014م.
في تلك الفترة كان تنظيم الاخوان المسلمين قد فقد السلطة في مصر بعد عام واحد فقط من وصوله إلى رأس الحكم فيها، لكن ثورة 30 يونيو 2013 أطاحت بالتنظيم الدولي من السلطة، ليتم بعد أشهر فقط وتحديدا في 23 سبتمبر صدور حكم قانوني من محكمة الامور المستعجلة بالقاهرة يقضي بحظر أنشطة جماعة الاخوان المسلمين والتحفظ على مقراتها وأموالها، وهذه الانتكاسة جعلت التنظيم الدولي يغير من سياساته في الأقطار العربية الأخرى وفي مقدمتها اليمن.
عمل التنظيم الدولي للاخوان في اليمن بسياسة النفس الطويل للاستيلاء على السلطة، محاولا التغلغل في قيادة المؤسسات والوزارات وإن ابتعد عن البحث عن منصب الرئيس أو رئيس الوزراء كي لا يظهر في الواجهة ويتحمل المسؤولية، فقد أدرك التنظيم أن الطريق الأنسب هو الاستيلاء على السلطة بطريقة ناعمة من خلال الاستحواذ على المؤسسات المدنية بالكامل، كما عليه الاستفادة من التجربة في مصر من خلال سيطرته على المؤسسة العسكرية، فقد تعلم من التجربة ألا سلطة بدون قوة ولا قوة دون السيطرة الكاملة على الجيش، ولهذا كانت استراتيجيته في اليمن هي الاستحواذ الناعم على المؤسستين المدنية والعسكرية .
تحرك مشروع الاخوان المسلمين المدعوم من قطر بهدف الاستحواذ على السلطة عبر التحرك للاستيلاء على ثلاثة مجالات هامة تتمثل بالجانب السياسي والاداري الذي يضمن لهم الاستفراد بصناعة القرار السياسي والاستيلاء على المؤسسات الحكومية، والجانب العسكري والأمني الذي يمكنهم من امتلاك القوة وتسخيرها لاحكام سيطرتهم ولقمع خصومهم، والجانب الاخر هو الجانب الاعلامي الذي يقومون من خلاله بفرض رسالة مشروعهم وترويجها وصناعة النجوم والقادة وتوجيه الرأي العام وفقا لما يخدم أجندتهم .
حين قامت عاصفة الحزم كان المهندس خالد بحاح يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وكان حزب الاصلاح قد وضع نصب عينيه الاطاحة ببحاح وتعيين البديل، فيما كانت عينه الأخرى على مؤسسة الرئاسة باعتبارها من تصنع القرارات التي يوقعها الرئيس وتنشر في الجريدة الرسمية.
ومع بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن غادرت معظم قيادات الاخوان المسلمين إلى الرياض وأعلنت تأييدها لعاصفة الحزم ببيان رسمي أصدره حزب الاصلاح أفسح لقيادته الطريق وأتاح لها الوصول إلى صناع القرار في قيادة التحالف وقيادة الشرعية على حد سواء خاصة وهي تقدم نفسها بأنها المكون الأكبر والأكثر فاعلية في صناعة تأثيرات المشهد اليمني بمختلف ساحاته.
كان هذا المشروع الذي يعمل عليه الاخوان يتم بالتنسيق وبدعم كامل من دولة قطر التي قدمت الدعم اللامحدود لجماعة الاخوان المسلمين في جميع الأقطار العربية وفي مقدمتها اليمن، حيث أنشأت قطر لوبيا اخوانيا للاستحواذ عبره على مسار الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في بعض الأقطار العربية في العام 2011 ومنها اليمن، حيث عملت قطر على دعم جماعات الاسلام السياسي بهدف تمكينها من تصدر المشهد في المنطقة العربية، وقدمت لها في سبيل ذلك الدعم المالي والاعلامي والسياسي اللامحدود، وأنشأت فريقا من الخبراء الأكاديميين ورجال الدين والصحافة والاعلام والناشطين الحقوقيين لإدارة المشهد من داخل الدوحة.
في اليمن كان تنظيم الاخوان المسلمين ممثلا بحزب الاصلاح هو اليد الطولى التي نجحت في الاستيلاء على مسار الاحتجاجات الشعبية نتيجة الدعم اللامحدود الذي تلقته هذه القيادات من قطر ونجحت عبره من التحكم بمسار الاحتجاجات حيث قدمت قطر دعما ماليا بملايين الدولارات بالاضافة إلى تسخير ترسانتها الاعلامية الضخمة لصناعة قيادات جديدة في اطار حركة الاخوان المسلمين بالتنسيق مع القيادات التاريخية، كما أنشأت منابر اعلامية جديدة لصالح الاخوان المسلمين في اليمن، ودفعت بالقيادات الجديدة إلى الواجهة باعتبارها المتحدثة باسم الشعب والحاملة لتطلعاته.
ومع ذلك فإن عددا من قيادات الاخوان المسلمين في اليمن قد عبرت بمواقفها صراحة عن الموقف القطري الرافض للتسوية السياسية التي تلت ثورة فبراير 2011 وتحديدا المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وما ترتب عليها من مؤتمر للحوار الوطني، وهذا الموقف كان يتماهى إلى حد كبير مع موقف الحوثيين الرافض للمبادرة والمنقلب لاحقا على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وأبرز قيادات الاخوان التي رفضت المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني هو الشيخ حميد الأحمر والناشطة توكل كرمان.
بدأت خطوات المشروع الاخواني الناعم للانقضاض على السلطة مع تهيئة شخصية غامضة اسمها ”عبدالله العليمي باوزير” ليلعب دورا هاما في استحواذ الاخوان على مفاصل الدولة اليمنية، فالشاب الذي تخرج للتو من كلية الطب قسم المختبرات وكان نائبا للاتحاد العام لطلاب اليمن في جامعة عدن، ثم حصل على الماجستير في الادارة من الجامعة الماليزية، كما حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة والقانون من جامعة العلوم والتكنولوجيا، وهو بالإضافة إلى ذلك خطيب بليغ حيث كان خطيبا لساحة عدن خلال أحداث ثورة فبراير، كما أنه - بحسب مقربين - من المؤمنين بالمنهج الفكري لتنظيم الاخوان.
كانت هذه المؤهلات كافية ليقوم القيادي الاخواني ”نصر طه مصطفى” بتبني هذا الشاب واختياره ليقوم بالدور فقام خلال تبوئه منصب مدير مكتب رئاسة الجمهورية باعداد الشاب عبدالله العليمي ليكون في نفس المنصب، فقام في العام 2012 بتنصيبه رئيسا لدائرة السلطة المحلية ومنظمات المجتمع المدني بدرجة وكيل وزارة، ليتوج دفع الاخوان بهدا الشاب إلى تعيينه في يوليو 2015 نائبا لمدير مكتب رئاسة الجمهورية، وبعد عام وأربعة إشهر وتحديدا في نوفمبر 2016 تم تعيينه مديرا لمكتب رئاسة الجمهورية، وهو التاريخ الذي دشن لما بات يعرف بــ”جمهورية عبدالله العليمي”.
يمتلك ”العليمي” نفوذا كبيرا لدى الرئيس هادي الذي يجد صعوبة في ازاحته على الرغم من مطالبة عدد من الأحزاب اليمنية وبعض دول التحالف بذلك باعتباره الرجل المفروض من حزب الاصلاح، الحزب الذي لا يتردد بين الحين والآخر من اللعب مع هادي لعبة العصا والجزرة، فالاصلاح يدرك أهمية استحواذه على مؤسسة الرئاسة التي قام بتعطيلها من مأسستها عبر افراغها من موظفيها وتحويلها إلى سكرتارية مصغرة حكرا على العليمي وأتباعه، وفي سبيل المحافظة على الاستحواذ التام على مكتب رئاسة الجمهورية فإن الإصلاح دائما ما يهدد هادي أنه القوة الكبرى والغالبية العظمى داخل مكونات الشرعية، وإن خسارة هادي للاصلاح تعني خسارته للسلطة على اعتبار أن الحزب هو المحافظ عليها وحارسها الأمين وهذا ما يفسر رضوخه، وهذا ما كشفه أحد مستشاري هادي.
تمثلت مهمة ”العليمي” في افراغ مكتب رئاسة الجمهورية من موظفيه وافراغ دوائره المختلفة وتعطيلها وتعطيل عمله المؤسسي باعتباره المؤسسة الأولى التي تصنع القرار السياسي في البلد، وتحويله إلى سكرتارية مصغرة عبارة عن حقيبة يد يحملها في سفرياته التي يرافق فيها هادي، كذلك تحول إلى مرافق دائم للرئيس يحضر كل اجتماعاته ولقاءاته بحيث لا يمر شي من الرئيس أو إليه إلا عبر ”العليمي” الذي صار يد الاصلاح الطولى في الشرعية اليمنية، وهي سلوكيات تتنافى مع برتوكولات عمله كمدير لمكتب رئاسة الجمهورية، لدرجة أن بعض المراقبين وصفوه بأنه الرئيس الفعلي لليمن.
كذلك فإن العليمي يعد المسؤول الأول عن حزمة القرارات والتعيينات التي تم تسخيرها لصالح حزب الاصلاح ومكنت الحزب من الاستحواذ شبه التام على الوزارات والمكاتب والمحافظات وموظفي السلك الدبلوماسي، بالاضافة إلى التعيينات في المؤسستين العسكرية والأمنية، حيث تم تمرير عدد هائل من القرارات بشكل مخالف للقانون، كما أن عدد آخر من القرارات يتم تمريرها دون الاعلان عنها، كذلك - بحسب أحد موظفي مكتب الرئاسة - فقد تم الكشف عن مذكرات صادرة عن المكتب بدون رقم قيد ما يعني أن رئيس الجمهورية نفسه لم يطلع عليها، وهذه الكوارث التي يمارسها العليمي في مؤسسة الرئاسة قد أنتجت تفشي فساد متضخم ومهول داخل الحكومة والمؤسسات التابعة لها، كما أثارت حالة من الحنق والاستهجان لدى شركاء العمل السياسي والوطني الذين رفعوا صوتهم عاليا للمطالبة بإصلاح وتصحيح وضع مؤسسة الرئاسة، وهو الأمر نفسه الذي تطالب به دولة الامارات العربية المتحدة وتمارس ضغطا على الرئيس هادي من أجل تنفيذه.
كذلك عمل تنظيم الاخوان المسلمين في اليمن على استكمال سيطرته على المؤسسة العسكرية والأمنية، وكان يدرك أن تحقيق ذلك يستدعي وصول قيادات تنظيم الاخوان في اليمن إلى رأس هرم السلطة أو قريبا منه، ولذا فقد عمل جاهدا على تعيين قيادات اخوانية في قيادة الجيش ليتكمن من خلال ذلك من السيطرة على المستويات العسكرية الدنيا بسهولة ويسر، وهو ما نجح فيه بالفعل .
مثَّلت هذه القرارات والخطوات أهم القرارات التي انتزعها تنظيم الاخوان المسلمين في اليمن، حيث مكنهم من التغلغل والسيطرة على المؤسستين العسكرية والأمنية من خلال تعيين أتباع الجماعة كقيادات في هيئة الأركان والمناطق العسكرية والمحاور والألوية، كما تم العبث بالرتب العسكرية وتوزيعها على أفراد الجماعة المدنيين، وصولا إلى الاستحواذ على الأسلحة المقدمة من التحالف العربي وتخزينها، وبناء معسكرات خاصة بالتنظيم الدولي في عدد من المحافظات أبرزها مأرب والجوف والضالع وتعز.
الفساد الذي شهدته المؤسسة العسكرية في اليمن في ظل سيطرة تنظيم الاخوان عليها بلغ ذروته حيث تجاوز عدد الأفراد المرقمين في الجيش 450 ألفا منهم 200 ألف فرد في محافظة مارب فقط وما يقرب من 50ألف فرد في تعز، والأغرب هو أن الحبهات العسكرية التي يقودها قيادات اخوانية مثل نهم وصرواح وميدي وتعز قد توقفت لأعوام دون تحقيق أي تقدم عسكري يحسب على عكس الجبهات المشتعلة في الجنوب والساحل الغربي والتي يقود التحالف العربي فيها دولة الامارات المعروفة بموقفها من الاخوان المسلمين حيث تم تحرير غالبية الجنوب فيما امتدت المعارك إلى الحديدة مرورا بتحرير باب المندب والمخا ومساحات شاسعة من الساحل.
انشغل الاخوان المسلمون وفقا للتوجه والتوجيه القطري باستنزاف التحالف بالمال والسلاح والعمل على بناء الميليشيا المسلحة الخاصة بالتنظيم الدولي، حيث سيطر الاخوان على معظم الألوية العسكرية والمؤسسات الأمنية في مأرب وتعز والجوف والضالع، كما أنشاؤوا معسكرات خاصة بالأفراد التابعين لهم من خارج اطار الجيش لتدريبهم وتسليحهم وتهيئتهم للمعارك الداخلية كما هو حاصل في معسكر يفرس في محافظة تعز الذي يتم تجنيد مئات الأفراد فيه وتحشيدهم للقتال ضد اللواء 35 مدرع والسيطرة على منطقة التربة جنوب تعز.
ووفقا لمصادر صحفية فالاخوان المسلمون يستحوذون على جميع الألوية العسكرية داخل محافظة مأرب التي تعد معقلهم الرئيس، كما يستحوذون على لوائين عسكريين في محافظة الضالع التي تربط الشنال بالجنوب، بالاضافة إلى ستة ألوية عسكرية في محور بيحان بين شبوة والبيضاء، بالاضافة إلى استحواذهم على جميع الألوية العسكرية وعددها سبعة ألوية في محافظة تعز باستثناء اللواء 35 مدرع والذي يشنون عليه حربا شعواء بهدف الاستحواذ عليه وصلت إلى محاولات الاستيلاء بالقوة على مناطق ومسرح عملياته العسكرية في منطقة التربة.
المصادر نفسها تحدثت عن قيام الاخوان المسلمين بإنشاء عدد من الألوية العسكرية داخل المنطقة العسكرية الأولى للجيش اليمني والممتدة على امتداد محافظة حضرموت المحافظة الأكبر مساحة، ويقع مركز المنطقة العسكرية في سيئون وتتكون من سبعة ألوية قتالية منها قوات مشاة وأخرى بحرية، كما أفادت المصادر أن تنظيم الاخوان المسلمين قام بتدريب قوات عسكرية موالية له في محافظة مارب وحاول ارسالها إلى محافظة سقطرى ما تسبب بخلاف حاد مع قوات التحالف وتحديدا الامارات وكان هذا السبب الرئيس في ما بات يعرف بأزمة سقطرى.
كما يسيطر الاخوان المسلمين على غالبية القوة العسكرية التي تتكون منها المنطقة العسكرية الخامسة المرابطة في ميدي وحرض وحيران، ونفس الأمر ينطبق على المنطقة العسكرية السادسة في ظل استمرار تغلغل الاخوان داخل المستويات العليا والسفلى للجيش وتسخير امكانياته لصالح الجيش السري التابع للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين.
كما أن الاخوان المسلمين وعن طريق نفوذهم الذي صنعوه داخل المؤسسة العسكرية والأمتية قد عملوا في سبيل السيطرة على المؤسسة العسكرية والأمنية على انشاء ألوية عسكرية جديدة بدون قرارات رئاسية وبعضوية كاملة لأتباعهم في قيادتها وأفرادها، كما قاموا بالدفع بعشرات الالاف من أبناء القطاع التربوي وتجار الأسلحة إلى قوام الجيش ومنحهم رتبا عسكرية تصل إلى عميد ولواء في شكل يكرس لبناء جيش حزبي بامتياز يدين بالولاء للجماعة وليس للوطن، ويفتقد لأبسط معايير المهنية والكفاءة العلمية، وهو ما ينبئ عن مستقبل مفزع للمؤسسة العسكرية والأمنية في اليمن.
في سياق مشروع السيطرة لتنظيم الاخوان الدولي والمدعوم من قطر في اطار دعمها لمشروع الاسلام السياسي في المنطقة العربية، عملت قطر على اللعب وفقا لاستراتيجية الاعلام في الفضاء المفتوح معتمدة على ترسانة اعلامية بتمويل مالي ضخم وفي مقدمتها قناة الجزيرة الذي يعد المنبر الاعلامي المعبر عن سياسة وأطماع قطر المتبني والداعم لمشروع جماعات الاسلام السياسي من جماعة الاخوان المسلمين مرورا بتنطيم القاعدة وصولا لتنظيم الدولة الاسلامية داعش.
ولاشك أن قناة الجزيرة قد فتحت منابرها مبكرا لقيادات الاخوان المسلمين في المنطقة العربية وفي مقدمتها اليمن، لكن هذا الاهتمام والتنسيق المتبادل بين الطرفين قد تزايد وظهر جليا بشكل ملحوظ خلال أحداث الربيع العربي والذي كانت ساحة اليمن من أبرز ساحاته، حيث تبنت قناة الجزيرة الخطاب الخاص باخوان اليمن ”حزب الاصلاح” وسخرت لهم امكانيات القناة ففتحتها أمام صحفيي الاخوان ونشطائهم، وقامت بتدريب عدد من الصحفيين والناشطين الاعلاميين وتأهيلهم عبر مركز الجزيرة للاعلام، كما نجحت في تغطية الأحداث وفقا لما يخدم توجهات الاخوان وبما يسمح لهم بالسيطرة والاستحواذ على القرار في ساحات الثورة التي كانت بالأصل متعددة الألوان وجعلتها عيون الجزيرة ذات لون واحد وخطاب واحد هو خطاب الثورة على منهج جماعة الاخوان المسلمين.
بالمقابل من ذلك قامت قطر بضخ الكثير من الأموال لانشاء مراكز اعلامية ولانشاء مواقع الكترونية كما دعمت قناة سهيل المملوكة للقيادي الاخواني الشيخ حميد الأحمر، وأنشأت لاحقا قناتي يمن شباب وبلقيس وأوكلت الأولى للاخواني وسيم القرشي واعتبرتها هدية قطر للثورة اليمنية، فيما أوكلت ملكية الثانية للناشطة توكل كرمان والتي تقيم حاليا في تركيا.
في المرحلة الانتقالية التي تلت ثورة فبراير عمل الاخوان المسلمين على السيطرة على وسائل الاعلام الرسمية ومع التسلل الناعم إليها نجحوا في الاستحواذ التام عليها من خلال سيطرتهم على الوزارة والمؤسسات الاعلامية المختلفة، واثر قيام عملية عاصفة الحزم التي قادها التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن عمل الاخوان جاهدين على استكمال سيطرتهم التامة على الاعلام الرسمي فسيطروا على التلفزيون الرسمي الذي عينوا على رأسه الاعلامي الموالي لهم جميل عزالدين ووكالة سبأ الرسمية اللذين يبثان من الرياض وقاما بتعيين الكادر بالكامل من صفوف الاخوان ومعظمهم من موظفي قناة سهيل التابعة للشيخ حميد الأحمر.
استفحل التوجه الاخواني للسيطرة على الاعلام الرسمي من خلال تعيين أكثر من 10 وكلاء لوزارة الاعلام و5 مستشارين معظمهم موالون للاخوان، وهذا الأمر ساهم في التغلغل أكثر داخل المؤسسات الاعلامية، كما سيطروا على صحيفة 26 سبتمبر الناطقة باسم الجيش اليمني، كما قاموا بنهب معدات بعض الاذاعات وتسخيرها لصالح اذاعات خاصة تابعة لهم كما حدث في إذاعة تعز التي نهبوا معداتها وسخروها لصالح اذاعة ”وطني اف إم” وقاموا باستخدام وتسخير هذه المنابر لخدمة مشروعهم الخاص المتمثل بمشروع الجماعة.
وتجلى الفساد الاداري في أبهى صوره داخل الاعلام اليمني من خلال بعض التقارير الصحفية التي تحدث على أن الحكومة اليمنية تقوم بدفع رسوم القمر الصناعي الخاص بقناة بلقيس المملوكة للناشطة كرمان والممولة من قطر والتي تتبنى سياسة قطر في مهاجمة دول التحالف العربي وفي مقدمتها السعودية والامارات، كما أن وكيل وزارة الاعلام الاخواني محمد قيزان قد استخدم نفوذه بنقل موظفي قناته الخاصة ”صنعاء” بالكامل بعد توقفها عن البث إلى الفضائية اليمنية متفلتا من التزاماته تجاه موظفيه وراميا بها على الدولة التي ينظر إليها كملكية خاصة بجماعة الاخوان المسلمين.
حالة الاستحواذ والفساد المالي والاداري الذي يمارسه الاخوان المسلمون بحق الاعلام الرسمي امتد إلى أبشع الممارسات السياسية بحق الشعب اليمني والحكومة الشرعية والتحالف العربي، حيث استخدم الاخوان نفوذهم للتعبير من خلال وسائل الاعلام الرسمية وبشكل صريح عن موقفهم الداعم لقطر في مواجهة السعودية والامارات، وتجلى ذلك في البيان الرسمي الذي نشرته وكالة سبأ الرسمية باسم الحكومة اليمنية مع بدء الأزمة الخليجية نهاية مايو 2017 ويتهم ضمنيا السعودية بالكذب والتلفيق ضد أمير دولة قطر، قبل أن تقوم الوكالة بحذفه بعد نصف ساعة من نشره واتضح أن مدير مكتب رئاسة الجمهورية عبدالله العليمي، والناطق الرسمي باسم الحكومة اليمنية راجح بادي هما من يقفان خلف البيان.
البيان الذي نشرته وكالة سبأ هو تعبير صادق عن حالة الانفصام السياسي التي يعانيها الاخوان المسلمون في اليمن والذين يتعاملون مع الأحداث ببراجماتية عفنة مقدمين مصلحة الجماعة على المصلحة الوطنية وهو الأمر الذي كشفته الأزمة الخليجية والتي كشفت العديد من تناقضات حزب الاصلاح في اليمن والذي يقف بسياسته وسلوكياته في الميدان مع السياسية القطرية المعادية لليمن ولدول التحالف العربي والمتحالفة مع ايران، فيما تذهب البيانات والتصريحات الرسمية لرئيس الحزب وأمينه العام القابعين في الرياض إلى التأكيد على دعم مواقف التحالف العربي وتأييد السعودية والامارات.
تعامل الاخوان المسلمون ببراغماتية سياسية أظهرتهم بأكثر من وجه، وجعلتهم يلجأون إلى سياسة اللعب على الأوراق وعلى تعدد المسميات، وأثبتت الأزمات المتتالية التي مرت بها اليمن والمحيط الخليج وجود تناقضات من منطلق براجماتي داخل حزب الاصلاح، والذي انقاد بمعظم قواعده الوسطى والسفلى للخوض في سياسة الاخوان المسلمين الداعم لسياسة قطر في مواجهة دول التحالف العربي الأخرى وخاصة الإمارات ومن ثم السعودية بالدرجة الثانية.
فقد نجحت قطر في اختراق الشرعية اليمنية والتحالف العربي عبر الاخوان المسلمين الذين حاولت قيادتهم الموجودة في الرياض مكيجة وجه الحزب عبر بيان سياسي تعلن فيه عدم علاقة التجمع اليمني للاصلاح بحركة الاخوان المحظورة في معظم دول التحالف، غير أن مواقف الأعضاء وبعض القيادات المتماهية مع الموقف القطري قد فندت بيان القيادة، ووصل الأمر إلى قيام قيادات في الحكومة اليمنية تابعة للاخوان المسلمين ومقيمة في الرياض بمهاجمة دولة الامارات العربية المتحدة عبر وسائل الاعلام وبشكل رسمي، ويعد مستشار وزارة الاعلام من أبرز هذه القيادات.
استراتيجية قطر في تفتيت علاقة التحالف العربي مع الحكومة الشرعية اعتمدت على التحريض الاعلامي ضد دول التخالف العربي ومحاولة تشويه دوره في اليمن واتهامه بارتكاب جرائم ضد المدنيين وارتكاب جرائم حرب، وتماهى مع هذه الحملة عدد كبير من الاعلاميين التابعين لجماعة الاخوان المسلمين عبر منابرهم الاعلامية المدعومة من قطر، حيث تتركز هذه الحملات بشكل رئيسي ضد الامارات في محاولة لفكفكة التحالف العربي من الداخل، وهناك عدد كبير من هؤلاء الاعلاميين يقيمون في الرياض ويستلمون رواتب منها باعتبارهم ضمن الطواقم الاعلامية للمسؤولين اليمنيين.
كما أن بعض قيادات الاخوان المسلمين لم تتردد في الدعوة صراحة للتحالف مع الحوثيين والمطالبة برحيل التحالف العربي كما دعت بذلك الناشطة الاخوانية توكل كرمان، وهي الدعوة التي استجاب لها بعض الناشطين في الداخل اليمني، في ظل تزايد القيادات الاخوانية التي انضمت للقتال في صفوف الحوثيين كما فعل بعض قيادة حزب الاصلاح في منطقة دمت بمحافظة الضالع، وقيادات أخرى في الحديدة، وتقارب ملحوظ في تعز.
تزايد الدعوات التحريضية ضد التحالف العربي انعكست أيضا على شكل مسيرات جماهيرية مدعومة من قطر خرجت في عدد من المحافظات المحررة لمطالبة التحالف العربي بالرحيل من اليمن وتحميله مسؤولية انهيار العملة الوطنية وعرقلة معركة التحرير، وهذه المسيرات يدعو لها وينظمها قيادات اخوانية معروفة.
قيادة حزب الاصلاح الموجودة في الرياض وجدت نفسها أمام هذا الوضع في موقف حرج لا تحسد عليه، وحاولت تبرير ذلك عبر جرعات من التخدير والهروب نحو الأمام، فأصدرت بيانا تتبرأ فيه من الانتماء لجماعة الاخوان المسلمين، وأتبعته بقرار تجميد عضوية الناشطة توكل كرمان، كما أتبعت ذلك ببيانات عديدة تثني على دولة الامارات العربية المتحدة وتهاجم الأصوات التي تهاجمها حيث وصفتها بأنها ”أصوات نشاز” لكن كل ذلك المواقف أصبحت بلا معنى طالما والاخوان المسلمون يمارسون غير ذلك في الداخل، ولا يزالون يد قطر الطولى في مواجهة السعودية والامارات.
مع استمرار مهاجمة الاخوان المسلمين في اليمن لدول التحالف العربي وطعنها من الخلف بأكثر من خنجر، يبدو أن هناك حالة صحوة من دول التحالف أمام هذه السياسات من خلال رفع النبرة الغاضبة في وجه حزب الاصلاح لتحديد موقفه بصراحة بعيدا عن اللعب بالأوراق والظهور بأكثر من وجه، ويبدو أن ملامح مرحلة جديدة ستبنيها دول التحالف مع الحكومة الشرعية بدأت تظهر إلى السطح سيتم من خلالها تقليص دور الاخوان في المناصب المدنية والعسكرية، حيث من المتوقع أن يتم قريبا اصدار قرارات هامة بما فيها تعيين نائبا لرئيس الجمهورية ومن المتوقع أن يكون خالد بحاح أو أبوبكر العطاس هو الاسم المتوافق عليه.
يبدو أن التحالف العربي أدرك أخيرا أن الاخوان المسلمين هم يد قطر التي تلتهم الشرعية وتعمل على تفتيت التحالف العربي، كما وصل أخيرا إلى تشخيص الداء المتفشي في جسد الشرعية والذي جعلها عاجزة عن النهوض، ولذا فقد قرر أن يبدأ مرحلة العلاج عبر استئصال الاخوان من المواقع القيادية المدنية والعسكرية، ومع أن عملية الاستئصال ستكون صعبة إلا أنها بمثابة العملية الجراحية التي لابد منها لانقاذ جسد الشرعية المريض، ولا زال اليمنيون يتطلعون لأحداث المرحلة القادمة التي يبدو أنها حبلى بالكثير من القرارات المصيرية .