مارب... معركة واحدة لا تكفي

الاربعاء 03 مارس 2021 - الساعة 07:44 مساءً

 

 

تُشكل معركة مأرب، مربط الفرس لقلب المعادلة في النزاع اليمني الذي يقترب من إكمال عامه السادس. ومنذ اللحظة الأولى للهجوم الذي شنه الحوثيون نحو المدينة الغنية بالنفط، شرق صنعاء، كانت قياداتهم تؤكد أنها معركة بمتناول اليد للسيطرة على المدينة خلال أيام. إنها معركة مفصلية يتحدد عليها شكل النزاع في اليمن بتدخلاته الإقليمية والدولية.

 

واجهت الحكومة المُعترف بها دوليًا، كابوس خسارة المدينة الاستراتيجية، في وقت تؤكد إدارة الرئيس الأمريكي عزمها على إنهاء الحرب في اليمن. فهل كانت مأرب الجائزة الأخيرة في مهزلة الحرب، قبل أن تُحدد إدارة بايدن نهايتها؟

 

كانت المعركة تسير في طريق وحيد، هو تقدم الحوثيين، لكن تعزيزات حكومية من شبوة وأبين، وانضمام اللواء الرابع حرس رئاسي في القتال هناك، أوقف ذلك التقدم، وقلب شكل المعركة.

 

كان متوقعًا أن تعيد جماعة الحوثي محاولتها للسيطرة على مدينة مأرب، بعد توسع حققته العام الفائت، لعدد من مديريات المحافظة، بالإضافة لاستيلائها على فرضة نهم ومحافظة الجوف. وهذا منح الحوثيين فرصة لتوسيع جبهات القتال حول مأرب. بينما لم يكن واضحًا أن هناك استعدادات لعملية اجتياح، كان الحوثيون يريدونها خاطفة وسريعة. وبالتالي كانت هناك رغبة لانتزاع الجائزة الكبرى في الحرب؛ أي مأرب، في حال ذهابهم إلى طاولة المفاوضات.

 

ولا يعني ذلك أن المساعي الأمريكية ستنجح في إنهاء الحرب، إذ إنه في حال سقوط مأرب، فالأرجح أن شكل الصراع سيتخذ وجهة مختلفة تمامًا. فمن ناحية ستفقد الحكومة أهم قاعدة لتواجدها شمال اليمن، في وقت لايزال تواجدها في العاصمة المؤقتة عدن شائكًا.

 

ورغم استماتة القوات الحكومية والتشكيلات القبلية في مأرب، إلا أنها واجهت حشودًا كبيرة من الحوثيين المعززين بأسلحة ثقيلة ومتوسطة. وأثبت الطرفان شجاعة منقطعة النظير، وامتلأت ساحات المعارك بجثث القتلى من الطرفين. وسلكت الحرب طريقًا داميًا تملؤه الانقسامات، بصورة لا يسهل معها إيجاد ملامح تسوية قابلة للصمود. وهو ما يحاول أن يفرضه النزاع المسلح برسم خارطة سيطرة هي التي ستحدد ملامح أية تسوية، أو صراع قادم.

 

شكلت مدينة مأرب، حجر زاوية في الحرب المستعرة، إذ عجز الحوثيون عن دخولها منذ سيطرتهم على صنعاء، عام 2014. فخسارتها تعني انقلابًا في معادلة الصراع ليس للحكومة فقط، وإنما للسعودية أيضًا. وهو السبب الذي جعل أطرافًا مناوئة للحكومة تشعر بالخطر، حيث عزز المجلس الانتقالي بمقاتليه في جبهة الضالع، لتخفيف الضغط على مأرب.

 

ولا تبدو الصورة واضحة حول حجم التعزيزات إلى مارب، لتحديد المدى الذي ستذهب فيه الحكومة للحرب؛ وما إن كانت غايتها دفاعية فقط، وتأمين مأرب في استعادة بعض المناطق، أو أنها عازمة بمساعدة الطيران، وهو قرار يمتلكه التحالف بصورة أكبر، على قلب المعركة رأسًا على عقب، وإجبار الحوثي على أن يصبح في موقف المدافع أمام هجمات عكسية كبيرة.

 

لكن المعركة لا تجري في جبهات القتال فقط، بل يمكن للتدخلات الإقليمية والدولية تحديد بعض ملامحها في الطاولات الخفية. ولا يعني أن تحرك المبعوث الأممي يسمح لطرف على حساب آخر بالذهاب في المعركة إلى حيث رغبته. هناك طرف يخضع للضغوط الدولية، وآخر يُراهن على ما يفوز به في ساحات القتال.

 

وشهدت الأيام الأخيرة تحركات دولية من أجل الضغط على الحكومة والسعودية بدرجة أساسية، لقبول هدنة. مع هذا، مازالت الحكومة هي الطرف الخاسر من أية هدنة حالية، لأن الحوثي مازال يحتفظ بتقدمه. ومع أن الحشود البشرية عامل قوي بالنسبة لجماعة الحوثي، لكن أفضليتها على صلة بقرار الحرب. فالحوثيون هم من أصبحوا يرسمون جبهات الحرب، يحددون أين ومتى ستكون معركتهم، بينما الحكومة تنتظر ما يُفرض عليها.

 

وفي العامين السابقين، تشكل سيناريو وحيد، تركت الحكومة كل مبادرة في الحرب للحوثي. ومنذ توقفت القوات الموالية لها على مشارف الحديدة، شهدت الحرب تحولًا عكسيًا، وأصبحت المعارك تسير في اتجاه واحد؛ الحوثي يُهاجم، بينما اقتصر الطرف الآخر على الدفاع. وكما لو أن اتفاقية ستوكهولم شكلت مرحلة فاصلة، فما بعدها ليس كما قبلها. فالحوثي يدرك بصورة ما القاعدة الأساسية بأن السياسة هي مواصلة للحرب، بينما الحكومة تعتقد أن الحرب تكملة للقرار الدولي.

 

في ستوكهولم، أواخر 2018، أبقت اتفاقية برعاية أممية الحديدة تحت سيطرة الحوثي، لكن الحرب استمرت في مواصلتها تحديد خطوط تماس جديدة. ومع مطلع 2019، شن الحوثيون هجومًا في جبهات جنوب إب وشمال الضالع، ليسيطروا على مناطق واسعة. ورُسمت حدود بين مقاتلين جنوبيين يتبعون المجلس الانتقالي ومقاتلي الحوثي، للمرة الأولى منذ بدأت الحرب، تعيدنا لذاكرة الحدود الشطرية، وإن لم تكن في موضعها السابق.

 

بعدها بعام تقريبًا، وفي مطلع 2020، فرض الحوثيون هجومًا شرق صنعاء، وتمكنوا من السيطرة على فرضة نهم، حيث كانت تتمركز قوات حكومية بأقرب نقطة إلى العاصمة صنعاء. ولم يكتفوا بذلك، شهدت معاركهم توسعًا ليسيطروا على محافظة الجوف، وبعض مديريات مأرب. وكانت مدينة مأرب التي زارها المبعوث الأممي للمرة الوحيدة، آنذاك، مُهددة، لكن عدم سقوطها اعتبرته الحكومة نصرًا، وما هو إلا تأجيل لجولة أخرى.

 

ومع مطلع هذا العام، عاد الحوثيون في حرب أكثر شراسة للسيطرة على مدينة مأرب، وبالتالي حقول النفط والغاز هناك، ومنشآتها النفطية، بحيث سيمنح الجماعة موردًا مهمًا، وسينزع عن الحكومة مدينة تُشكل عاملًا متوازنًا، سواء في الحرب أو السياسة، إذا ما كان هناك نزوع لتسوية.

 

وما يثير التساؤل، لماذا أصبحت المعركة بالنسبة للحكومة شديدة السكون، في جميع الجبهات، وعلى خلاف ذلك تبدو أكثر حركة بالنسبة للحوثيين. حتى إذا أراد طرف الذهاب إلى طاولة السلام، لا بد أن يحافظ على حافز القتال. لكن المعركة اتخذت وجهة وحيدة خلال العامين السابقين، بالنسبة للحكومة، وربما لطرف الدفاع عن مأرب، وليس الذهاب إلى صنعاء كما أعلنت الحرب شرارتها في مارس 2015. يبدو أن قرار الحرب في الرياض، وليس في عدن أو حتى مأرب أو الحديدة، وربما في كواليس الأمم. لكن ماذا ستكون عليه في ظل توجهات بايدن الجديدة.

 

رمى الحوثيون بكل ثقلهم في مأرب، بينما ظلت الجبهات الأخرى ساكنة. وجه الحوثيون حشوداتهم من جبهات أخرى، إضافة إلى حشود من القبائل، وبحسب معلومات لا وجود لأعداد كافية في جبهة الحديدة، لمواجهة هجوم واسع في الساحل الغربي. ما الذي يجعلهم مطمئنين بأنهم لن يواجهوا أي خطر هناك. الأكيد أن الجبهة هناك مُقيدة باتفاقية ستوكهولم، لكن الحوثيين شنوا هجومًا في تلك الجبهة، العام الماضي، واستعادوا بعض المواقع. هناك طرف يمتلك قرار حربه، وآخر لا يمتلكه، لكن أين هو هذا القرار، هل هو في عواصم أخرى؟

 

في ظروف كتلك، لا يجرؤ طرف على تجاوز الاتفاقيات، بينما آخر يعرف بصورة ما أن السيف يجعل المواثيق مجرد كلمات.

 

وبالنسبة للرئيس الديمقراطي جو بايدن، فإنه بدأ فترته بخطاب فيه كثير من الحزم إزاء السعودية؛ حليفة واشنطن في المنطقة، بينما كان لينًا مع طهران من أجل إعادتها للاتفاق النووي، وقابلته طهران بتصعيد في العراق، دفع واشنطن لاستهداف مجاميع موالية لإيران شرق سوريا، وهي الضربة الأولى في عهد بايدن.

 

وعلى صوت الحرب في مأرب، كان غريفيث في الرياض، من أجل إيقاف المعارك في مأرب. وقبل ذلك زار المبعوث الأممي طهران، للمرة الأولى منذ بدأت الحرب، لكن بعد ذلك اندلعت الحرب في مأرب. لا ندري ما إن كانت اللعبة تغيرت كليًا. وكما حدث سابقًا، يبدو أن اليمن معادلة تتبع إجراء إقليميًا، أو تحدده، بصورة ما، توجهات أمريكية في الشرق الأوسط الجديد. لكن معركة واحدة ربما لا تكفي.

* نقلا عن المشاهد نت

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس