بأي ذكرى عدت يافبراير!
الجمعه 19 مارس 2021 - الساعة 07:29 مساءً
علي عبدالملك الشيباني
مقالات للكاتب
18 مارس 2011 يوم لاينسى من ايام حياتي وكل اليمنيين , في بلد لايكتنز غير الذكريات المؤلمة ولا يفرد صفحاته سوى لما هو خارج سقف حاجة الانسان وتطلعاته الايجابية.
نعم , في مثل هذا اليوم من ايام ثورة 11 فبراير قضى عشرات الشباب انفاسهم الاخيرة مضرجين بدماءهم النازفة, وهم يخوضون معترك التغيير السلمي, في ظل ظروف سيئة تساوى فيها الحياة والموت لديهم , املاً في بلوغ دولة ظلوا يحلمون بمخرجات مشروعها طويلاً دون تحقيق ولو الحد الأدنى من وظيفتها المفترضة.
صادف هذا التاريخ يوم جمعة , حين تصدى لمسيرتها عدد من القناصة من اسطح المنازل المطلة على خيام المعتصمين وخطى مسيرتهم السلمية.
لقد تجلى في هذا اليوم من ايام ثورة فبراير شجاعة لايمكن وصفها , وبشباب كانوا يتساقطون تباعا وهم يشاهدون دماء من يسبقهم في لفظ انفاسهم الاخيرة دون خوف من ذات المصير , قدر ماكان يشكل لهم ذلك دافعا اضافيا للمقاومة والتصدي لماظن الحاكم بقدرته على ايقاف سيل الثورة وحركة التغيير المرجوة.
اطلق عليها جمعة الكرامة, وفيها وامام اصرار شباب الثورة على المضي صوب نجاحها وبالنظر الى عدد ضحاياها, آمن بأن المزيد من الدماء لايخلف سوى دوافع اضافية لتسريع عجلة الثورة ومنح شبابها مزيد من الاصرار , على عكس ماكان يظن الحاكم و قراءة اجهزته الامنية بعقليات منتسبيها التقليدية , القائمة على العنف واذلال الناس وما ارتبط بأذهاننا عنها وعن ممارساتها المعروفة للجميع.
اتذكر ذلك اليوم بتفاصيله المؤلمة وبصور شجاعة شباب نذروا حياتهم لصبح يوم , رسم في مخيلتهم الوطنية كهدف لايمكن التراجع عنه , بغض النظر عن الاثمان المطلوبة لبلوغه وتنفس صفو انفاسه.
كنا عائدون من شارع الستين بعد الاداء الجماعي لصلاة الجمعة, شاهدنا تلك الادخنة الصادرة من شارع الدائري واصوات الرصاص الكثيف, وما ان بلغ مسامعنا اخبار عدد ضحايا تلك المجزرة الا واندفع الجميع صوب ساحة المواجهات , لنفاجاء بذلك العدد من الشهداء ودماء شكلت دوافع اضافية للاستمرار في التصدي لمجرمي تلك المجزرة البشعة بكل مقاييس التوصيف.
بهذه الجريمة التي اقدم عليها النطام ظنا منه بإخافة شباب الثورة وما سطرته دمائهم من نتائج عكسية , وصل النظام الحاكم الى قناعة كاملة بإستحالة ايقاف عجلة الثورة, وما عليه اذا سوى الاذعان والرضوخ والخروج بأقل الخسائر الممكنة , بدلا عن المشانق التي كانت في انتظار رؤوس غالت في فسادها وشرور انفسها وحان قطافها .
ولو ان تلك الاثمان الباهضة في كل ساحات التغيير اقتصرت نتائجها على خلع نظام عفاش فقط , لكان ذلك كافيا لوصف فبراير بالثورة العظيمة بالنظر الى مجمل سياسات هذا الرجل, والتي اعتمدت في مجملها على التجهيل والصراعات البينية وشراء الذمم والفساد والافساد, وماهو خارج وظيفة الدولة عموما وبنكها المركزي.
لاشك بأننا كنا نطمح بلوغ ماهو ابعد , لكننا بالمقابل نؤمن تماما بأن الجماعات الدينية لايمكن لها ان تسمح ببناء الدولة الوطنية , كونها لاتستطيع البقاء في ظل دولة النطام والمواطنة ومخرجات صناديق الاقتراع, بإعتبار وجودها ابرز تفسخات غياب هذا المشروع الوطني, وحيث يمكنها الاتجار بالخطاب الديني ودغدة مشاعرهم وتوظيفها على هذا الصعيد.
كما اننا على يقين كامل بأن القوى الدولية من جهتها لايمكن لها ان تسمح بنجاح الثورات الوطنية , كون ذلك سيقود الى ايجاد قيادات ومشاريع الدولة التي ستقف , او تحد على الاقل من طغيان هذه القوى وافشال مصالحها القائمة على نهب الثروات, مايجعها دائما وفية وداعمة للانظمة العائلية والفاسدة, وهذا ماجرى مع ثورة فبراير والربيع العربي عموما.