طفيليات السياسة.. من الميسري إلى السرسري
الثلاثاء 06 ابريل 2021 - الساعة 10:14 مساءً
عبدالستار الشميري
مقالات للكاتب
كلمة "السرسري" تركية وصلتنا أثناء الاحتلال العثماني عندما تفشى الغش في البضائع بين التجار، فصك أحد الولاة قرارا قضى بتعيين مراقب للسوق والعاملين بالرقابة كونهم تورطوا بالرشوة، وأطلق اسم "السرسري" على هذا الموظف ومع ذلك تم رشوته أيضاَ، فتم تعيين موظف آخر يراقبه ويراقب منهم أدنى منه أطلق عليه (السربوت) لكن السربوت أيضا تم استقطابه بالرشوة، الاثنان ازدهرت أحوالهما وتوسعت طموحاتهما في الفساد ومعارك الإغراء، ولم يكتفيا بما نهباه من مال وفساد فذهبا يطاردان بائعات الهوى بالمال المشبوه، وأصبحا مثلا يضرب للفساد، فجعلهما الناس مثلا يروى ويقاس عليه من ينهج أثرهما.
والمسرح السياسي اليمني متخم بأمثال هؤلاء العاهات وطفيليات السياسة ممن تلونت وتعددت مواقفهم تبعا للعرض والطلب، ولذا لم تكن غريبة تلك القفزات والهزات والهبات الميسرية من موقف إلى ضده أو من قول إلى نقيضه، أو من تبعية إلى أخرى، ومثله بعض من هم على شاكلته وفي نفس الحقل والحظيرة.. وآخرهم ظهورا العيسي ومن قبله بعض ظواهر صوتية أشبعتنا صراخا وصداعا وسقطت سريعا واختفت كعنترة جباري، وفي المثل القديم قال الشبزي "حماري أفهم في السياسة من جباري".
وفصل المقال إن كل تلك الدمامل في جسد الشرعية، هي مشاريع صغيرة حالمة بوراثة الرجل المريض لا سيما الميسري والسرسري، لكن وزنهما الشعبي خفيف والسياسي أكثر خفة، وطموحهما غير مشفوع بتاريخ ولا قدرات ولا نزاهه تجعله حلما مشروعا، وتؤهلهما حتى لقيادة مديرية، كل ما في الأمر أنهما وجدا نفسيهما في مسرح سياسي مضطرب، غاب عنه كل المخضرمين من الساسة فذهبا للعب فيه، ولامتلاكهما ومن يخدمون منصات إعلام كبيرة ظنا أنها قادرة على صناعتهما، وذلك يبدو صعبا بل محالا، ذلك أن الشطيح والنطيح وأضواء الاستديوهات، بدون سواند حقيقية وظواهر شعبية، وقضايا وطنية لا تصرف ماديا.
وتبقى فرقعات موقوتة واستعراض عنتريات "وزماميط" أحمد شوربان، ولا أدل على ذلك الردود الشعبية الساخرة التي صاحبت الظهور الإعلامي الأخير للاثنين معا، بتوقيت واحد، وحجم الاستهجان الشعبي للانتفاخ الكبير في حديثهما الصحفي والتلفزيوني، ولعل أطرف تلك التعليقات الساخرة وأبسطها "اياَ ميسري وأياَ عيسي واياَ "طلي" والطلي الخروف المداكم..
لكن من الإنصاف والموضوعية يجب أن نشير هنا أن السرسرة، والسربتة السياسية أصبحت ظاهرة يمنية في ظل الحرب وليست محصورة بسين وصاد، وشخوصها بحاجة إلى صفحات كي نستطرد قوائمها، لذا فهي ظاهرة كاملة البنيان يمكن تسميتها على وجه المقاربة بظاهرة المقاولين السياسيين "السياسي المقاول" وبعض هؤلاء مرتزقة بالفطرة وبعضهم اكتسبها اكتسابا بفعل ظروف أو طموح أو كلاهما معا، وساعدهم في القيام بهذا الدور وجود فراغ في المسرح السياسي الوطني الفاعل.
هذا الفراغ تم استغلاله وصناعة أمثال هؤلاء، أو استقطابهم من مخلفات الماضي وإعادة تدويرهم من مطبخ جماعة الإخوان أو من مراكز نفوذ سابقة هرب بعضها ليلا بجالبيب العفة وبعضهم تدارك أمره أثناء الانقلاب الحوثي وخرج من صنعاء وذهب إلى بلاد الخليفة، ومن هناك بدأ تجنيد السراسرة، والسماسرة والمياسرة.
ومعظم هؤلاء ليسوا من الإخوان وغير مرحب بانضمامهم للجماعة بصفتها المستثمر الحقيقي لجهودهم في السوق، فقط توكل لهم أدوارا من أجل الجماعة ومراكز نفوذها داخل الشرعية وغالبا ما يكون المقابل بعض الاستحقاقات أو المكافآت والترضيات في مواقع مهمة في جسد الشرعية ومؤسساتها المركزية أو عبر فواتير مدفوعة قطريا أو التسهيل لهم في أنشطة فساد نفطية ومالية بغطاء رجال أعمال وتتم هذه المضاربات في سوق السياسة بشكل مفضوح، تحدث عنها حتى رئيس الوزراء وأصبح لها رجالها المتمرسون، الذين يخترقون مؤسسة الرئاسة، ويديرون ويستثمرون في النفط والسياسة والفساد.
ليس جباري والميسري والجبواني وأخيرا الأراجوز العيسي وغيرهم من الطفيليات شمالا وجنوبا التي تم تصنيعها من مؤخرة السياسة على عجل في العشر السنوات الأخيرة تحديدا، وساعد في ظهورهم تدفقات المال الحرام من الداخل والخارج.
وما تقوم به هذه الطفيليات ليس سياسة ولا إعلاما ولا هبات ولا هزات، بل هو في أحسن صوره ممارسة ما يشبه "التدليك" السياسي.. لخدمة مشاريع ليس لها شأن بالوطن ولا الأرض والإنسان اليمني وقضاياه وهمومه وكوارثه الآنية من قريب أو بعيد، وهي سرسرة، وسربتة، مع سبق الإصرار "والتقطر"....