كل الطرق مع الحوثيين تؤدي الى الحرب .

السبت 12 يونيو 2021 - الساعة 11:11 مساءً

 

هذه القاعدة لا تثبتها " فقط " طبيعة الصراع الحالي في اليمن بما فيه من شواهد ودلالات كثيرة ، وإنما تثبتها أيضاً طبيعة نشأة الحركة الحوثية نفسها والتركيب البنائي الايديولوجي العسكري الذي شكلها وطبع كينونتها منذ وثب حسين بدر الدين الحوثي لقيادة تكتل الشباب المؤمن الذي أسسه محمد عزان في صعدة كردة فعل ( زيدية ) مقاومة أمام انتشار وشيوع الفكر السني السلفي في اليمن عموماً وفي صعدة بشكل وهي المحافظة ذات الخصوصية المذهبية التي تعد معقلاً تاريخياً للزيدية في العالم كله وليس في اليمن فقط ، وبعيداً عن الخوض في تفاصيل الدور الايراني ومدى توغل الاثنا عشرية الفارسية في زيدية الحركة الحوثية ، يمكن أن نعتبر أن الحركة الحوثية قد مرت منذ نشأتها والى الآن بثلاث مراحل رئيسية شكلت كل مرحلة من هذه المراحل تحولاً جذرياً قائماً بذاته أسهمت مجتمعةً في تشكيل هذه الشخصية المنحرفة للحركة :

أولاً :

مرحلة / محمد عزان

وهي مرحلة الأدلجة الفكرية والتخندق المذهبي ، ولأنها تأسست في الأصل كردة فعل " كما أسلفنا " فقد تبنت أفكاراً عدائية وشحناً طائفياً تجاه السنّة مستفيدةً من موروث فقهي إمامي ضخم يزخر بالاستشهادات المعررة للحالة العدائية ، ورغم تراجع المؤسس والمعلم الأول " عزان " لاحقاً عن كثير من تلك الافكار الفقهية واعترافه بخطأها ومهاجتمها وتنصله من بعض كتبه التي روجت لها ، إلا أن مرحلة عزان تبقى مرحلة ( الورقة والقلم ) .

 

ثانياً :

مرحلة / حسين بدر الدين الحوثي

كان حسين بدر الدين الحوثي شخصية مشبعة بالجهل ، وليس بمقدوره هو أو غيره تعويض مكان " عزان " المثقف المتبحر في العلوم منذ طفولته والذي بدأ التأليف والتدريس في سن مبكرة جداً من حياته ، وبالتالي فلم يكن لدى حسين الحوثي ما يقدمه للشباب المؤمن سوى ( البندقية ) وملزمة صغيرة مليئة بالهرطقات ، وبذلك تكون قد انتقلت الحركة الحوثية الى مرحلة ( العسكرة ) وهي المرحلة التي خاضت فيها الحركة ست حروب مع الدولة ، حيث قتل حسين الحوثي في الحرب الأولى عام 2004l بعد أن طمست ( بندقيته ) ورقة وقلم عزان .

 

ثالثاً :

مرحلة / عبدالملك الحوثي

ولئن كان حسين الحوثي جاهلاً ، فشقيقه عبدالملك جاهل جهل مركب ، حيث نجح " حسين " على الأقل في كسب محبة أتباعه اللذين لا يزالون يتحدثون عنه كرمز ويعلقون صوره ، على العكس من عبدالملك الحوثي الذب استغلت ايران ضعف شخصيته وكونه رجل بلا مؤهلات ولا كاريزما ، وتوغلت كثيراً في الحركة من حيث الشكل والمضمون ، ابتداءً من الطلاء الاخضر فالمراسم والأعياد ثم المناهج الاثنا عشرية الصريحة ( التي كان قد رفضها حسين الحوثي ) وجميعها تحمل بصمات ايران ووصولاً الى انتقال مندوب ايراني " حسن ايرلو " الى صنعاء وممارسته لأنشطة الحكم مباشرةً من هناك ، الأمر الذي أفقد الحركة الحوثية هويتها بعد أن فقدت ( زيديتها ) ..

ونتيجةً لظروف سياسية داخلية ودولية أدت الى خروج الحركة الحوثية من صعدة ووصولها الى حكم صنعاء ، وفي صنعاء حجبت إيران عبدالملك الحوثي في أحد الاقبية في صعدة وخرجت من خلف الكواليس لتمسك بزمام إدارة الحركة واليمن بشكل صريح ومباشر تحت ذريعة إدارة الحرب .

 

مخطئ من يظن بأن وصول الحركة الحوثية لحكم صنعاء واستمرارها منذ خمس سنوات هو نتيجة نمو طبيعي وتطور متسق مرت به الحركة ، على العكس من ذلك تماماً ، لقد انجرفت الحركة منذ وقت مبكر باتجاه الهاوية ولا زالت تتدحرج بسرعة كبيرة مثل نيزك صغير فقد مداره ، وهي لا تملك إلا أن تتدحرج من حرب الى حرب الى أن ترتطم بشيء ما أو تحترق وحدها وتتلاشى ، وكل ما تفعله الآن إيران التي تمسك بقيادة الحركة وقرارها هو محاولة توجيه الحركة الحوثية للاصطدام بخصومها .

 

لذلك فإن المهادنات ، المباحثات ، المفاوضات ، السلام ، وأية طرق أخرى مع هذه الحركة لن تؤدي في النهاية إلا الى الحرب ، ما الذي يستطيع شخص مثل عبدالملك الحوثي أو محمد علي الحوثي أو أبو علي الحاكم فعله حين يعم السلام .؟ بناء اقتصاد ؟ توفير فرص عمل .؟ الارتقاء بمستوى التعليم .؟ إدارة سوبر ماركت .؟ لا شيء من هذا بكل تأكيد .

لقد أثبتت التجارب السابقة أن أية هدنة مع الحوثيين ليست بالنسبة لهم سوى فرصة لالتقاط الانفاس والاستعداد للحرب التالية ، كما أنه لا يوجد اتفاق واحد لم يخرقه الحوثيين بما في ذلك اتفاق ستوكهولم ، وهذا يفسر أسباب القبضة الحديدة التي تمارسها الحركة الحوثية على المواطنين الواقعين تحت سلطتها ، ونهبهم لموارد الداخل الكبيرة والصغيرة التي يعتاش عليها الناس ، وفرضهم الإتاوات بمناسبة وبدون مناسبة على من لا يجد ما يأكله ، فالحرب التي انتهت هنا لم تنتهِ إلا لتبدأ هناك ، لأن التراخي يعني الاصطدام بجسم ما والتباطؤ في الحركة يعني الفناء والتلاشي .

 

تجري حالياً مفاوضات أمريكية ايرانية في جنيف لاستكمال ما بدأه الاتفاق النووي برعاية جون كيري وباراك اوباما عام ٢٠١٥م ، وتتزامن هذه المفاوضات مع مساعي تديرها أيضاً الولايات المتحدة في سلطنة عمان لفرض حل سياسي في اليمن ، ورغم الضغوط التي يمارسها المبعوث الاممي والامريكي لدفع الحوثيين للقبول بالحلول المطروحة إلا أن أية محاولات لفصل مباحثات جنيف عن مباحثات سلطنة عمان تبدو غير مجدية ، لأنها في أساسها تتعامل بطريقة سوية مع حركة غير سوية وتتجاهل الوضع الذي وصلت اليه والسياق المرحلي الذي مرت به .

الحركة الحوثية هو الورقة الافضل بيد إيران من بين جميع أوراقها في المنطقة ، فهي حركة مسلحة بلا قيادة خاصة ولا أهداف خاصة ، لا يعنيها عدد قتلاها ولا تعي ما تملكه لتحافظ عليه ناهيك عما تخسره ، بينما تقوم ايران باستغلالها الى أقصى حد لخدمة المصالح الايرانية ، وحتى لو حققت إيران ما تريده في مفاوضات جنيف فإن مصير الحركة الحوثية هو الفناء لكن متى وكيف ؟ هذا السؤال ستجيب عنه الأيام ، لكن المؤكد بأن نهايتها ستكون كارثية .

 

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس