أمريكا والحوثي ولعبة السلام .. حين انقلب السحر على الساحر
الاحد 10 ديسمبر 2023 - الساعة 10:39 مساءً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
يعكس المأزق الأمريكي في التعامل مع تهديدات جماعة الحوثي المدعومة من إيران ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر ، مدى فداحة سياسية إدارة بايدن الديمقراطية للملف اليمني والثمن الذي تدفعه اليوم لحساباتها الانتهازية.
سياسية بدأتها إدارة بايدن في أيامها الأولى مطلع عام 2021م بإلغاء القرار الذي أصدره الرئيس السابق ترامب بضم جماعة الحوثي الى قائمة الجماعات الإرهابية، تحت ذريعة منع تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.
وجاء الإعلان عن ذلك في سياق سياسية جديدة لإدارة بايدن أكدت فيها العمل والضغط لإنهاء الحرب في اليمن وعكست هذا التوجه بتعيين مبعوث خاص الى اليمن لتحقيق هذا الهدف.
لم تكن سياسة بايدن الا امتداداً لسياسية الديمقراطيين بالتقرب من إيران وعدم الصدام معها ، وتجلى ذلك في الاتفاق النووي الشهير الذي جرى التوصل اليه في عهد الرئيس الديمقراطي أوباما ومثل هذا الاتفاق نقطة تحول في المنطقة العربية.
حيث اطلق الاتفاق العنان للنفوذ الإيراني بالمنطقة العربية ليصل ذروته في سبتمبر 2014م بسقوط صنعاء بيد مليشيات الحوثي ليخرج من طهران التصريح الشهير بان العاصمة العربية الرابعة قد سقطت بيد إيران ، وكل ذلك بمباركة أمريكا والغرب واستمر بتواطؤهم المفضوح لصالح الحوثي في الحرب الذي اندلعت عام 2015م.
تواطؤ تجلى واضحاً بالابتزاز الذي تعرض له التحالف العربي من قبل الغرب بسبب الحرب في اليمن تحت لافتات متعددة وصلت حد منع تزويد دول التحالف بالسلاح الغربي ، ومنع تحرير مدينة وميناء الحديدة أواخر 2018م ، ووصولاً الى سياسة بايدن بالضغط (على التحالف وخصوم الحوثي) نحو انهاء الحرب في اليمن ،ضمن حسابات خاصة لواشنطن دون أي مراعاة لفداحة ذلك.
فلم تلتفت واشطن ومعها الغرب لكل الأصوات والتحذيرات من معسكر خصوم جماعة الحوثي خطورة التماهي مع الجماعة والمساهمة في إبقاء قبضتها على شمال اليمن تحت وهم السلام ، وتجاهل حقيقة الجماعة كمشروع عنف وموت يرتكز على فكرة عنصرية دموية لا يمكن لها ان تعيش الا في ظل الحرب ، وان خطرها لم ولن ينحصر في خارطة اليمن او حتى الأقليم والمنطقة.
وهو ما أدركته واشنطن والغرب مؤخراً بعد سلسلة الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي مؤخراً ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وتصعيد تهديداتها مؤخراً باستهداف أي سفينة ترى الجماعة بانها متجهة الى ميناء إسرائيلي وهو ما يرفع درجة الخطوة على الملاحة بالبحر الأحمر.
وما يزيد من وطأة هذا المشهد على الغرب وعلى واشنطن تحديداً هو عجزها حالياً عن الرد على هذه التهديدات ، خشية من توسع للتصعيد في المنطقة في ظل الحرب الذي تشنها جيش الإحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة ، وخشية من جانب آخر من ان يشكل أي رد على الجماعة الحوثية في نسف جهود السلام مع الانباء عن قرب التوصل لاتفاق حول خارطة الطريق التي طرحتها السعودية.
ويوم الأربعاء الماضي كشفت وكالة "رويترز" في تقرير لها بإن المملكة العربية السعودية طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية ضبط النفس في ما يتعلق بالرد على هجمات جماعة الحوثي وقرصنتهم في البحر الأحمر ، وأشارت الوكالة بأن ذلك يأتي كرغبة للرياض في إنهاء الحرب في اليمن وعدم تصعيد الحرب في المنطقة.
وفي وقت سابق كشفت تقارير لصحف عبرية وامريكية بان واشنطن ضغطت على إسرائيل بعدم الرد على هجمات جماعة الحوثي ضد السفن المرتبط بها بالبحر الأحمر ، على الرغم من تصاعد الرفض في أوساط إدارة بايدن من امتناع واشنطن عن الرد على هذه الهجمات مع تصاعد تهديدات الحوثي.
موقف صعب تعيشه الإدارة الامريكية ، فمن جانب لا يمكنها الاستمرار في الصمت على تصاعد القرصنة والبلطجة التي تمارسها جماعة الحوثي ضد الملاحة الدولية ، ومن جانب آخر تخشى من ان يتسبب أي رد لها في نسف جهود السلام بعد ان كانت هي من تضغط لوقف الحرب في اليمن تحت لافتة السلام وهو ما سيمثل "فضيحة" استراتيجية تعكس التخبط والانتهازية في سياسية واشنطن.
وهو ما تدركه جماعة الحوثي جيداً ويدفعها الى تصعيد تهديداتها في البحر الأحمر لاستغلال هذا الموقف الأمريكية وابتزاز إدارة بايدن بورقة السلام ، تماماً كما فعلت هذه الإدارة مع السعودية والتحالف منذ توليها ، في مشهد ساخر لكيف للسحر ان ينقلب على الساحر.