متى سنغادر ثقافة البدونة !؟
الاربعاء 21 يوليو 2021 - الساعة 08:37 مساءً
علي عبدالملك الشيباني
مقالات للكاتب
في العام 83م , عام ابتعاثي للاتحاد السوفيتي والتحاقي بالكلية التحضيرية لدراسة للغة الروسية بمعهد مادي في موسكو , عرضوا لنا فيلم وثائقي عن حصار مدينة لينينجراد الروسية من قبل الالمان إبان الحرب العالمية الثانية , فقد تعرضت المدينة حينها كما هو معلوم لحصار شامل لفترة طويلة , تعرض خلالها السكان لأقسى انواع الحالة المعيشية اليومية , اذ كان يمنح لكل مواطن فيها 200 جرام من الخبز يوميا ... تصوروا 200 جرام فقط وهي كمية لاتفي بحاجة الانسان لوجبة واحدة .
مازلت اتذكر تلك المشاهد المؤلمة حد ذرفنا للدموع , ونحن نتابع تلك اللقطات التوثيقية المتتالة في شوارع المدينة المليئة بالثلج لمواطنين يسقطون موتى من شدة الجوع , ثم يأتي العمال لحمل جثثهم المتجمدة على عربات يدوية ونقلهم الى هنجرات واسعة تمتليء بالجثث المرصوفة فوق بعضها حتى سقوفها العالية.
إنتصر الاتحاد السوفيتي على الالمان بعد ان بلغ عدد ضحاياه 20 مليون انسان , من اجمالي ضحايا الحرب العالمية الثانية البالغ 50 مليون نسمة.
لم يغفل السوفييت ماحل بهم وبمدنهم من القتل والدمار , ولذا فقد شاهدنا كيف انعكس ماتعرضوا له على ثقافتهم العامة جيل بعد جيل، فمثلا لايمكن للمواطن السوفيتي ان يشتري ماهو خارج حاجته وحاجة اسرته من الطعام وتحديدا الخبز , اذ لايمكنك مشاهدة تركه لأي بقايا طعام او خبز اكان ذلك في المطعم او المنزل , ولذا فقد كنا نتعرض لنظرات الاحتقار والاستغراب والحشوش وتقليب الايدي ومط الشفاه , فيما لو ترك احدنا قطعة من الخبز او شيء في الصحون، بل كان بعضهم لايستطيع تحمل ذلك ليقوم بنصحنا وبطريقة عصبية بالطلب في حدود حاجاتنا .. كان يحدث هذا عادة معنا كأجانب في الاشهر الاولى لوصولنا.
اتذكر هذا الامر وانا اشاهد واعيش مقدار الاسراف المصاحب لحياتنا اليومية في كل شيء , وتحديدا مايتعلق بمأكلنا ومشربنا في المنزل والمطعم والعزائم في المناسبات الاجتماعية , وتحول مثل هذا السلوك الى ثقافة عامة مرتبط بالكرم وطيبة النفس والى درجة المغالاه والتباهي الاجتماعي.
المشكلة وبرغم مانمر به من ظروف عامة وخاصة مايتعلق بمحدودية امكانات الفرد كنتيجة لما يجري في البلد من حروب وانقطاع للرواتب وضعف لدخل الفرد عموما, وما يترتب على هذه الاوضاع من الحاجة والفاقة البادية بوضوح على حياة الناس , الا اننا وبرغم ذلك وبدلا من ترشيد نفقاتنا خاصة في المناسبات الاجتماعية مازلنا نحمل نفس الطباع ونمارس ذات البذخ, بل ونتباهى في ابتداع مانعتقده يميزنا عن الاخر من المظاهر الترفية بغض النظر عن مايترتب عليها من النفقات , بدلا عن الاستفادة من هذا الظرف وبما يقود ويعمل على خلق وعي وثقافة مغايرة , تحد على الاقل من صور التكلف المهيمنة على حياتنا العامة... فهل نعتبر ونحن المجتمع الفقير!