تقرير: "براغماتية" سعودية تجاه الضربات الأميركية والبريطانية لمواقع الحوثيين
السبت 13 يناير 2024 - الساعة 09:42 مساءً
المصدر : الرصيف برس - الحرة
في أعقاب عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، اتجهت المملكة الخليجية إلى الدبلوماسية لإنهاء حرب اليمن، حيث تدفع الرياض باتجاه تسوية سياسية بين الأطراف المتحاربة هناك.
في الشهر الماضي، أعلنت الأمم المتحدة "خريطة طريق" لإنهاء الحرب المستمرة منذ عقد من الزمان، وهو إعلان لاقى ترحيبا واسعا من السعودية.
لكن المملكة وجدت جارتها التي ترتبط معها بحدود برية تمتد لقرابة 1500 كيلومتر، تنخرط في صراع جديد بعد الضربات الأميركية البريطانية على مواقع الحوثيين بسبب هجماتهم على السفن التجارية.
وقال الدبلوماسي السعودي السابق، سعد عبد الله الحامد، إن "المملكة ستنأى بنفسها عن الصراع الدائر في البحر الأحمر بين الحوثيين والولايات المتحدة مع حلفائها".
وأضاف في حديثه مع موقع قناة "الحرة" أن السعودية "تتعامل ببراغماتية أكبر وتبحث عن مصالحها وأمن واستقرار المنطقة وبالتالي لن تدخل في هذا الصراع".
•"مسافة"
ونفذت الولايات المتحدة ضربة إضافية على قوات جماعة الحوثي اليمنية، فجر السبت، بعد أن تعهدت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بحماية الملاحة في البحر الأحمر.
وجاءت الضربة الأحدث، التي قال أحد المسؤولين الأميركيين إنها استهدفت موقع رادار، بعد يوم من استهداف منشآت عسكرية للجماعة المتحالفة مع إيران بعشرات الضربات الأميركية والبريطانية.
وأعلن الحوثيون عن مقتل 5 من قواتهم وإصابة 6 آخرين في ضربة، الجمعة، فيما تعهدت بالرد على ما وصفته بـ "العدوان على اليمن".
وقال زميل أبحاث سياسة الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، حسن الحسن، إن الرياض "تحرص على إنجاح عملية السلام في اليمن وتفادي كل ما من شأنه أن يقوض استمرارها".
وفي حديث لموقع "الحرة"، أرجع الحسن أسباب اتجاه السعودية لحلحلة هذا الملف دبلوماسيا بعد سنوات من الحرب "لما للصراع في اليمن من أثر مباشر على أمن واستقرار المملكة".
وقالت وزارة الخارجية السعودية، الجمعة، بعد الضربات الأميركية البريطانية على عشرات المواقع التابعة لجماعة الحوثي في اليمن، إنها تتابع الوضع في البحر الأحمر "بقلق بالغ".
ودعت إلى "ضبط النفس وتجنب التصعيد في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث".
وقال الحسن إن السعودية ذلك الموقف يشير "إلى رغبة المملكة بالإبقاء على مسافة بينها وبين العمليات العسكرية الأميركية في البحر الأحمر واليمن".
•"مغامرات غير مدروسة"
اندلعت الحرب في اليمن عام 2014 بعد أن سيطر المتمردون الحوثيون على أجزاء واسعة من البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء وفرضوا حكومة أمر واقع هناك.
وتدخلت السعودية عام 2015 عسكريا من خلال قيادتها لتحالف ضم دول عربية أخرى بهدف إعادة الحكومة الشرعية المعترف فيها دوليا للسلطة، إلا أن النزاع تفاقم وسقط مئات الآلاف من القتلى ودخل أفقر بلد في شبه الجزيرة العربية وسط أزمة إنسانية.
وأدى اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيز التنفيذ في أبريل 2022، إلى انخفاض ملحوظ في الأعمال القتالية. وانتهت الهدنة في أكتوبر من العام ذاته، غير أن القتال لا يزال معلقا إلى حد كبير حتى الآن.
وفي بيان نشره على منصة "إكس"، قال وزير الإعلام اليمني في الحكومة المعترف فيها دوليا، معمر الإرياني، إن الحوثيين يعرضون الجهود التي تبذلها السعودية وعُمان "لاستعادة التهدئة وإحياء العملية السياسية في اليمن للخطر".
وفي إشارة للهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، أضاف الإرياني أن "مليشيا الحوثي عبر هذه المغامرات غير المدروسة تقامر بأمن واستقرار وسلامة ومستقبل بلد لم يتعاف بعد من آثار الحروب التي فجرتها في سبيل إرضاء أسيادها في إيران".
وأدت هجمات الحوثيين في منطقة البحر الأحمر على السفن التجارية إلى إعاقة حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب الذي تمر عبره 12 بالمئة من التجارة العالمية.
كما تسببت تلك الهجمات التي يقول الحوثيون إنها تأتي تضامنا مع الفلسطينيين في غزة، بمضاعفة كلفة النقل نتيجة تغيير شركات الشحن مسار سفنها نحو رأس الرجاء الصالح.
وعلى الرغم من أن الصراع الجاري في البحر الأحمر "لم تترتب عليه حتى اللحظة أضرار بالغة على الاقتصاديات الإقليمية"، إلا أن "استمراره واتساع رقعته لمدة أطول قد تعرقل خطط الدول المطلة على البحر الأحمر إجمالا بالاستفادة من موقعها لتطوير القطاعين السياحي واللوجستي إذا لم يتم التعامل دوليا بحكمة وحذر مع ملفي قطاع غزة وجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن"، وفقا لما قاله الحسن.
وفي هذا السياق، قال الحامد إن وجود توتر في البحر الأحمر يؤثر على رؤية السعودية 2030 التي يقودها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط.
وتابع الحامد: "الأمير محمد بن سلمان يقود حراكا كبيرا في المملكة لتنفيذ مشاريع ضخمة ضمن إطار رؤية 2030 ووجود توتر في البحر الأحمر يؤثر على هذه المشاريع وعلى استقرار المنطقة" الأمر الذي تمتد آثاره على "التجارة العالمية ككل".
•"معايير مزدوجة"
ويعد ساحل البحر الأحمر محورا أساسيا لرؤية المملكة 2030، حيث تضم المشاريع العملاقة التي أطلقها ولي العهد مدنا جديدة ومنتجعات سياحية فاخر بهدف تحويل المنطقة لنقطة جذب سياحي.
ومع ذلك، فإن الآثار الاقتصادية ليست الخطر الوحيد الذي يواجه الرياض من أي صراع بين الولايات المتحدة والحوثي.
وقال الحامد إن الجماعة اليمنية "قد تستهدف المصالح الأميركية داخل السعودية"، لكنه استبعد هذا السيناريو بشكل كبير بعد أن "أن أصبحت علاقات المملكة عادية مع الحوثي".
واستدرك بقوله: "لكن الحوثي عبارة عن مليشيا قد تتخذ أي ذريعة لاستهداف السعودية كما صرح بشكل مبطن بعض قياداتها".
وبعد أن أنهت وجود القواعد العسكرية على أراضيها عام 2003، تستضيف المملكة حوالي 2700 عسكري أميركي منذ عام 2022، وفق البيت الأبيض.
وينتقد بعض المحللين النهج الأميركي السابق تجاه الحوثيين، قائلين إن الضغط على التحالف الذي تقوده الرياض للانسحاب من اليمن منذ عدة سنوات أحبط إلحاق الهزيمة بالحوثيين مما زاد من جرأتهم.
بعد تحذيرات متلاحقة لوقف أعمالهم العدائية بالبحر الأحمر، نفذت قوات أميركية وبريطانية، ضربات استهدفت بنيات تحتية عسكرية تابعة للحوثيين في اليمن، لدفع الجماعة المسلحة لخفض تصعيدها، وحماية حركة الملاحة والتجارة التي تضررت جراء هجماتها على السفن التجارية بهذا الممر البحري الحيوي.
وقالت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سينزيا بيانكو: "إنهم (السعوديون) يرون الآن أن الولايات المتحدة تمضي قدما في (الضربات) في لحظة غير مناسبة إطلاقا على صعيد الاستقرار الإقليمي".
وتتابع بيانكو حديثها لوكالة فرانس برس قائلة: "إنهم يستطيعون بوضوح أن يروا المعايير المزدوجة عندما تكون إسرائيل في خطر، وعندما يكونون هم معرضون للخطر - كيف تتصرف الولايات المتحدة بشكل مختلف جذريا".
•"الجانب السياسي أولا"
وفي هذا الإطار، أشار الحامد إلى أن الولايات المتحدة لم تمارس ضغوطا أكبر على الحوثي خلال "التهديدات السابقة على المملكة" رغم أن الرياض "كانت تدعو لتحجيم الحوثيين" من قبل واشنطن.
ورأى أن غض واشنطن الطرف عن الجماعة اليمنية المدعومة من إيران ورفعها من لوائح المنظمات الإرهابية، تسبب في "تقوية الحوثي وأصبح يهدد المنطقة برمتها"، على حد قوله.
ويبقى اتساع رقعة الصراع في البحر الأحمر مسألة غير معروفة مع تعهد الحوثيين بالرد على الضربات الأميركية البريطانية، في وقت شددت فيه إدارة بايدن على أن واشنطن "سترد على الحوثيين إذا واصلوا سلوكهم الذي وصفه الرئيس الأميركي بأنه "غير مقبول".
وهنا، قال الحسن إن "غالبية دول المنطقة ترى أن تمادي إسرائيل في عملياتها العسكرية على قطاع غزة والدعم الأميركي لها هو ما فتح الطريق أمام إيران والحوثيين للدفع باتجاه المزيد من التصعيد في البحر الأحمر".
وتابع: "لذا فإن التخفيف من حدة التوتر في البحر الأحمر يتطلب أولا كبح جماح العمليات العسكرية الإسرائيلية والسعي لفرض وقف لإطلاق النار قبل المضي قدما في خيارات عسكرية قد لا تحمد عقباها دون الالتفات إلى الجانب السياسي أولا".