تحقيق: أزمة البحر الأحمر تهدد المصنعين وتجار التجزئة في أوروبا
الخميس 25 يناير 2024 - الساعة 05:27 مساءً
المصدر : الرصيف برس - سكاي نيوز عربية
نقل تحقيق نشرته صحيفة الـ "فاينانشال تايمز" البريطانية، عن خبراء لوجستيين، تحذيراتهم من أن الهجمات على الشحن في البحر الأحمر تهدد بخلق فترة "فوضوية" للمصنعين وتجار التجزئة في أوروبا مع تعطل سلاسل التوريد.
تم تغيير مسار جميع سفن الحاويات تقريبًا بعيدًا عن قناة السويس نحو الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح منذ أن كثف الحوثيون الشهر الماضي هجماتهم على السفن التي تعبر خليج عدن وجنوب البحر الأحمر.
يؤثر هذا التحول بشكل رئيسي على الإبحار بين آسيا وأوروبا، الأمر الذي يضيف ما يصل إلى أسبوعين إلى الرحلة العادية التي تستغرق 35 يومًا ويخلق فجوات طويلة بين وصول السفن إلى الموانئ الأوروبية.
سايمون هيني، وهو المدير الأول لأبحاث الحاويات في شركة Drewry Shipping Consultants ومقرها لندن، قال: إن هناك "تأثيراً بالتأكيد" على عملاء شركات الشحن نتيجة لذلك.
"في هذه الفترة المؤقتة، يبدو الأمر فوضوياً بعض الشيء". على الرغم من أنه يتوقع أن تنشئ خطوط الشحن "شبكة جديدة أكثر موثوقية" في "فترة قصيرة إلى حد ما".
قطاع السيارات
لقد أدى تأخر وصول المكونات الأساسية إلى توقف خطوط إنتاج بعض شركات تصنيع السيارات. وإذا استمر الاضطراب، فمن المحتمل أن يتم استنفاد مخزون تجار التجزئة بسبب التأخير، بينما تواجه الشركات التي تقوم بشحن البضائع رسومًا إضافية حيث تحاول خطوط الشحن استرداد تكاليف عمليات التحويل.
كارلوس تافاريس، وهو الرئيس التنفيذي لشركة ستيلانتيس المالكة لسيارات جيب وبيجو، قال إنه:
يتوقع أن يؤدي التأخير إلى زيادة تكاليف الشحن بالنسبة لشركات صناعة السيارات. "أنا متأكد من أن شركات الخدمات اللوجستية ستستخدم حقيقة أننا نستخدم السفن لفترة أطول للتفاوض على التكلفة".
وقال نيلز هاوبت، المتحدث باسم خط الشحن هاباغ لويد ومقره هامبورغ، إنه: قد يكون هناك أيضًا ازدحام في الموانئ الأوروبية مع وصول السفن خارج الأوقات المحددة. "هذا الأسبوع، كان لدينا ثماني سفن من طراز Hapag-Lloyd في هامبورغ، وهو عدد كبير".
وقالت شركة CMA CGM الفرنسية، ثالث أكبر مجموعة شحن للحاويات في العالم، إنها غيرت مسار السفن حول إفريقيا، على الرغم من أن بعضها لا يزال يُرسل عبر القناة عندما تتمكن من الحصول على مرافقة السفن الحربية الفرنسية.
ووفق رودولف سعادة، مالك ورئيس الشركة التي يقع مقرها في مرسيليا، فإن جداول CMA CGM تضررت بسبب إعادة التوجيه، والتأخير في انتظار مرور البحر الأحمر والتراكمات في الموانئ.
وقال لصحيفة فايننشال تايمز: "إن ذلك يسبب الكثير من الصعوبات"، مضيفًا أن المجموعة كانت تحاول مساعدة الشركات على التخطيط من خلال التحديثات المستمرة بشأن مواعيد الوصول.
وتابع: "لديك نوافذ عندما من المفترض أن تصل إلى الميناء . . لكن جداولنا الآن في حالة فوضى تامة ولا نستطيع الالتزام بالمواعيد.
وقد شعرت بعض شركات صناعة السيارات التي تعتمد على السفن المعاد توجيهها للحصول على المكونات، بالتأثير، حيث أوقفت شركة تسلا في ألمانيا، وشركة فولفو للسيارات في بلجيكا، وسوزوكي في هنغاريا، خطوط إنتاج معينة للمركبات.
صناعة السيارات معرضة للخطر بشكل خاص بسبب عمليات التصنيع التي تتم "في وقت محدد"دون وجود مخزونات كبيرة.
ومع ذلك، فإن الزيادة الطفيفة في مستويات المخزون منذ الاضطراب في السنوات الأخيرة جعلت المشكلات أقل خطورة مما كان يمكن أن تكون عليه لولا ذلك.
شركة فولكس فاغن الألمانية قالت إنها كانت تتلقى قطع الغيار في أوروبا من آسيا عبر المسار الأطول منذ الشهر الماضي. وقالت إن التغيير أدى إلى زيادة التكاليف لكنها تجنبت مشاكل الإنتاج التي أصابت الشركات المصنعة الأخرى.
وقالت فولكس فاغن: "بدأت جميع شركات الشحن الكبرى تقريبًا في إعادة توجيه سفنها في ديسمبر بالفعل". "سيضمن ذلك وصول الشحنة إلى وجهتها، ولو مع تأخير بسيط".
قطاعا الأغذية والتجزئة
وفي قطاع الأغذية، قالت شركة دانون الفرنسية إنها ستبدأ في وضع "خطط تخفيف"، بما في ذلك استخدام بدائل مثل الشحن الجوي، إذا استمر اضطراب البحر الأحمر لأكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر.
وفي مجال البيع بالتجزئة، حذرت مجموعة بيبكو، التي تمتلك سلسلة باوندلاند للتخفيضات وتدير ما يقرب من 3500 متجر خصم يركز على الملابس في جميع أنحاء أوروبا، يوم الخميس من أن الوضع يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن وتباطؤ عمليات التسليم.
وأضافت أن خطوط الشحن تفرض رسومًا إضافية على شحنات البضائع لتعكس التكاليف الإضافية المتكبدة، وحذرت من أن "مشكلة طويلة الأمد في المنطقة يمكن أن تؤثر أيضًا على العرض في الأشهر المقبلة".
وعادةً ما يتم طلب البضائع العامة مثل الملابس قبل أشهر، مما يجعل تجار التجزئة أقل عرضة للخطر من الشركات التي تعتمد على التسليم في الوقت المناسب.
قال اللورد سايمون ولفسون، الرئيس التنفيذي لشركة نكست لبيع الملابس بالتجزئة، إن تغيير المسار كان "إزعاجا، وليس أزمة". وأضاف أن التنظيم كان لديه مخزون كبير في مستودعاته ومتاجره، مسطرداً: "لن ننتقل فجأة من وجود مخزون كبير في متاجرنا إلى لا شيء".
وقال سيمون جيل، نائب الرئيس التنفيذي للمشتريات في شركة بروكسيما الاستشارية، إنه بينما يمكن لبعض تجار التجزئة استخدام الشحن الجوي للتغلب على التأخير، فمن المحتمل أن يكون هذا خيارًا لأولئك الذين لديهم هوامش ربح سخية بما يكفي لاستيعاب التكاليف الإضافية. وبدلا من ذلك، قد يضطر تجار التجزئة إلى البدء في طلب البضائع من آسيا في وقت مبكر.
وأوضحت نيكولا مالون، رئيسة التجارة في هيئة الخدمات اللوجستية في المملكة المتحدة، وهي هيئة تجارية، أنها تتوقع إضافة مهلة أسبوعين للطلبات حتى يتم حل الاضطرابات في القناة.
كما اشتكت من الرسوم الإضافية التي تفرضها العديد من خطوط الشحن على العملاء لتغطية تكاليف التحويل. وأشارت إلى أن الخطوط كانت توفر بعض التكاليف، مثل رسوم قناة السويس، من خلال اتخاذ المسار الأطول.
ومع ذلك، أعربت مالون عن أملها في أن "تستقر" أنماط خدمة خطوط الشحن مع استقرار الوافدين عبر كيب في نمط منتظم.
وحتى ذلك الحين، سيحتاج عملاء الشحن إلى تحمل عدم القدرة على التنبؤ بسلسلة التوريد. وقال هيني من شركة دروري: "هناك ألم من حيث الاضطرار إلى الانتظار لفترة أطول، وعدم اليقين بشأن موعد وصول البضائع الخاصة بك".
أوروبا.. الأكثر تضرراً
الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، أكد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:
المصنعين وتجار التجزئة في العالم بشكل عام وأوروبا بشكل خاص، هم الأكثر تضرراً في أزمة البحر الأحمر والصراع الذي يحدث بين الدول، بسبب التوترات الجيوسياسية.
بعض مصانع إنتاج السيارات أوقفت إنتاجها لفترة محددة، بسبب ارتفاع الأسعار وشُح الواردات القادمة من البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
أوروبا أكثر المتضررين مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية وغيرها.
شاحنات النقل والحاويات الكبيرة عند تغيير مسارها من قناة السويس والاتجاه نحو رأس الرجاء الصالح تتأثر بتأخر الرحلات قرابة الـ15 يومًا، بالتالي زيادة في تكلفة الوقود والتأمين وغير ذلك.
ملايين الدولارات الإضافية التي يتم دفعها .. ويُضاف ذلك على سعر المواد الخام المتجهة لمصانع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي ترتفع التكلفة، ما يضغط على الصناعات الأوروبية، وكذلك المستهلك، أو حتى على جودة الصادرات للخارج.
ولفت الديب، إلى أن أوروبا تضررت بشدة من تهديدات وضربات الحوثيين لمضيق باب المندب خلال الفترة الماضية، خاصة وأن البحر الأحمر ممر شديد الأهمية بالنسبة لحركة التجارة، إذ تمر به نحو 15 بالمئة من التجارة الدولية، و12 بالمئة من النفط المنقول بحرًا، و8 بالمئة من الغاز، مؤكدًا أنه بالنسبة للغاز والنفط هناك عوامل عديدة عملت على حماية أسواقهم من الاضطرابات بعد أحداث البحر الأحمر.
وفيما يتعلق بالشحن البحري، قال إن السلع والخامات تأثرت بقوة؛ لأن أوروبا تعتمد على الواردات الآتية من البحر الأحمر والشرق الأوسط بشكل عام، وكان تأثيرها بالغ الشدة.
وأردف: إذا ما تأثرت المصانع الكبرى ومصادر الإنتاج بتلك الأزمة بشكل أوسع، من شأن ذلك أن يتسبب في زيادة نسبة البطالة في المصانع المتوقفة، وزيادة تكلفة البضائع المنتجة، وبالتالي فتجار التجزئة سيكون عليهم عبء إضافي؛ لأنهم يحصلون على السلع بأسعار مرتفعة، والترويج لها سيكون أقل بسبب الضغوط التضخمية على المستهلك الأوروبي بالأساس، لافتاً إلى أننا نتحدث عن ذلك في ظل أزمة راهنة وهي الحرب في أوكرانيا وأكثر 14 ألف عقوبة أوروبية أميركية على روسيا، أضرت بالأساس أيضا بأوروبا المتعطشة للطاقة.
وأكد الديب في السياق نفسه أنه ستكون هناك طلبات مقدمة للمجالس التشريعية وغرف الصناعة والتجارة والغرف التجارية خلال الفترات المقبلة، لحث الحكومات على تعويض هؤلاء التجار عن خسائرهم خلال الـ 100 يوم الماضية.
سلاسل التوريد
من جانبه، فإن الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، أكد أن الأزمة حدثت نتيجة سلاسل التوريد المتمثلة في "مواد خام ومستلزمات إنتاج وبضائع مختلفة"؛ فالسلعة التي كانت تأخذ دورة البحر في أيام معدودة، أصبحت تستغرق فترة أطول بكثير، مشيرًا إلى أن أكثر من أسطول تجاري عدل مساره بدلاً من البحر الأحمر وقناة السويس للاتجاه نحو طريق رأس الرجاء الصالح ومضيق جبل طارق ومنه إلى أوروبا، وهنا تكاليف النقل ازدادت، وبالتالي اختلفت حسابات الخسائر والأرباح عند كل المصنعين وتجار التجزئة بالتبعية، ويضطر كل منهما لحساب تكاليفه الشاملة ليحسب أرباحه ويُحدد سعر البيع.
وقال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن هناك تخوفات من المنافسة ووجود آخرين ينتجون نفس السلعة بأسعار محلية تكون أسعارهم أرخص، وقلقون من عزوف المستهلك الأوروبي عن شراء المنتجات في حال ارتفاع أسعارها نتيجة ارتفاع أسعار التكاليف وفي مقدمتها مصاريف الشحن.
وعن تأثير ذلك على الأسواق، أوضح أنه بالتأكيد سيُسبب مشكلات في الأسواق، إذا لم تستجب الطبقات المستهلكة بمرونة ولم تتقبل الأسعار الجديدة المرتفعة، كما سيحدث نوع من أنواع الكساد، فإذا لم تتدخل الحكومات لدعم صغار المصنعين وبدأ عزوف المستهلك عن السلع نتيجة ارتفاع تكلفتها فمن الممكن أن يصل الأمر لركود تضخمي ويُسبب شللًا كاملًا في الأسواق.
الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
وبدوره، قال الخبير الاقتصادي، سيد خضر، إن امتداد الصراعات في الفترة الأخيرة خاصة الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، لم يؤثر فقط على منطقة الشرق الأوسط، لكنه سينال منطقة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وعديد من دول العالم، لافتًا إلى أن أوروبا تعاني بشكل كبير جدًا من حالة عدم العودة للتعافي الاقتصادي مرة أخرى خاصة بعد جائحة كورونا، فضلا عن تأثير الحرب في أوكرانيا على الاستثمارات الأوروبية والتصنيع المحلي، وعلى وصول المواد الخام.
وأكد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن اضطرابات البحر الأحمر التي نشبت نتيجة الحرب في غزة، تهدد بمزيد من عدم الاستقرار في حركة التجارة الدولية، وحال ما إن امتدت الحرب لعديد من الدول خلال الفترة المقبلة، فضلا عن زيادة التوترات الجيوسياسية في منطقة البحر الأحمر، سيكون لذلك لها تأثير سلبي أوسع خلال الفترة المقبلة، منوهًا بأن عدم وجود استقرار في منطقة البحر الأحمر، أثر بالفعل على عمليات التصنيع، كما أن الأحداث ستزداد بشكل كبير خلال الفترات المقبلة، إذا لم يكن هناك حل سريع وفوري للقضية الفلسطينية.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن المشروعات الصناعية والصغيرة والمتوسطة هي أكثر المشروعات التي تتأثر في حالة الحروب وعدم وجود استقرار سياسي وأمني؛ لأن ذلك يؤدي لتصفية الأعمال بشكل كبير، مؤكدًا أن أهم عنصر في جذب الاستثمارات وعملية التصنيع هو الاستقرار، كما أن الاتحاد الأوروبي عانى كثيرًا الفترة الأخيرة نتيجة دعمه لأوكرانيا، فضلًا عن أن استمرار دعمه للاحتلال الإسرائيلي سيؤثر عليه أيضًا بشكل ملحوظ.
تكاليف النقل والشحن
ومن جانبه، قال رئيس مركز العاصمة للأبحاث الاقتصادية، الخبير الاقتصادي، خالد الشافعي، إن الأسواق العالمية تتأثر بشدة من ارتفاع تكاليف النقل والشحن، وطول المسافة خاصة بعد ما كان الممر الملاحي الآمن في قناة السويس يوفر جهدًا ووقتًا وتكلفةً، أصبح الآن مُهدد، واتجهت أغلب السفن لطريق رأس الرجاء الصالح، أو مسارات بديلة ذات تكلفة أعلى، وبالتالي فالموزعين والمستهلكين يجدون صعوبةً في تلبية احتياجاتهم وتلبية احتياجات المواطنين من السلع والمنتجات.
وأضاف الشافعي في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الأزمة ستستمر لفترة طويلة نتيجة غياب البدائل المطروحة القابلة للتنفيذ في الوقت الحالي، واللجوء إلى طريق رأس الرجاء الصالح الأعلى تكلفة في النقل والشحن والتبريد.
وعن أبرز القطاعات المتأثرة بذلك، قال الخبير الاقتصادي، إن كل القطاعات التي تُشكل جزءًا من الاقتصادات العالمية تتأثر، فهو يقوم بنقل جميع أنواع السلع والمنتجات والتي تتأثر تأثرًا سلبية بارتفاع تكلفة النقل، وارتفاع طول الوقت.
وشدد على أن حركة التجارة من وإلى وليس في اتجاه واحد، فهي حركة متبادلة، فليس كل الدول مُصدرة وليس كلها مستوردة، وأكثر الدول تأثرًا وتضررًا هي الأكثر استيرادًا.