خارطة الحل السياسي.. ومخاوف من طالبانات جديدة في اليمن
الثلاثاء 07 سبتمبر 2021 - الساعة 11:42 مساءً
عبدالستار الشميري
مقالات للكاتب
مخرجات الحوار الوطني ومشروع الدستور الاتحادي، أصبحت قصصا رومانسية جميلة يمكن أن تكتب كرواية سياسية في فصل ربيعي حالم، كي تحكى للأجيال وتطل على التاريخ المتناقض وتثري المكتبة السياسية اليمنية، مثلها مثل وثيقة العهد والاتفاق وغيرها من وثائق كثيرة.
فقد تعودنا في اليمن بعد إنجاز كل وثيقة سياسية ندخل في معركة عسكرية طاحنة تجعل من الوثيقة السابقة شيئا من الماضي الذي يستحق التندر. فالوقائع التي تحدثها كل حرب بعد كل وثيقة تغير خارطة السياسة والوطن أحيانا بكل تفاصيله وتوجهاته ومكتسباته وتعيد العجلة إلى الخلف وتجعل الماضي حلما.
حاليا، تدور نقاشات مستفيضة لخرائط طرق تضع نهاية للحرب في اليمن، وتضغط الإدارة الأمريكية وخارجيتها بقوة من أجل ذلك، لا سيما والاتجاه الأمريكي تصفير مشاكله وتدخلاته في الشرق الأوسط عموما، والملف اليمني يدخل ضمنا لدى الأمريكان في قلب الملف الإيراني ومقايضاته.
تجاوز الحديث وكل المقترحات التي تتسرب والتصريحات التي تنشر، ما تم الاصطلاح عليه بالمرجعيات الثلاث، التي يبدو أنها سقطت واقعا وأصبحت حبرا على ورق، وربما أن اتفاق الرياض هو الوحيد الذي سيكتب له شيء من التماسك في بنود أي خارطة حل قادمة.
كل التصريحات الأممية والأمريكية متناسقة بصوت واحد، حان وقف الحرب في اليمن، بعد أن تم إغلاق ملف أفغانستان بشكل مخز للأمريكان والأمم المتحدة، تحت ذريعة الواقعية السياسية، وهي النظرية التي باتت الأقرب إلى قلب الرئيس الأمريكي وإدارته في تصفير الحروب بأي ثمن، وسياسة الاحتواء بدل المواجهة والواقعية السياسية وموازين القوى على الأرض هي من تحسم الموقف.
في ذات السياق لم يكن تصريح الخارجية الأمريكية بالاعتراف بالحوثي كأمر واقع في اليمن مستغربا. فهذا الأمر في قلب الاتجاه الأمريكي الجديد، ولذا كان تبرير ذلك أن إزاحة الحوثي لا تأتي، عبر الأماني والتمنيات كما ورد في نص التصريح، وهذا الأمر وإن كان صحيحا، لكنه ليس صائبا ولا أخلاقيا على الأقل. وترك الشعوب لعصابات ومجموعات الدين سوف يشعل البلدان كافة بحروب مستعرة لن تكون المصالح الدولية والأمريكية تحديدا في عرض البحار آمنه حتما، إنه باختصار شديد، تأجيل للمشاكل إلى أمد آخر بعيد تكون فيها أكثر تعقيدا.
هذا الترحيل المميت هو ما يعمل الآن لأجله في المعضلة اليمنية، من خلف كواليس غرف السلطنة ودول أخرى يعول عليها في إحداث اختراق أو اجتراح حل ولو ظالما تكون نهايته إيقاف إطلاق النار، وإغلاق ملف الحرب
شكليا وإعادة شيء من الإعمار.
هناك توافق أمريكي مع عدد من دول الإقليم بل أكثرها على ذلك، كما أن السياسة الخارجية الأمريكية متطابقة مع أفكار مجموعة الأزمات الدولية وهي معبرة عن اليسار الأمريكي بشكل كبير الذي له القول والصوت الأعلى حاليا، وموجز رؤيته وقف الحرب مهما كانت الكلفة، ومهما كانت خيارات الحلفاء، مغايرة لذلك، والضغط بأي ثمن من أجل ذلك...
إنها كارثة طالبان أخرى بطريقة أخرى ربما.. يمكن القول، إن الأمريكان يسقطون من أبجدية الثقة تماما لدى كل حلفائهم الذين يبحثون عن بوابات حماية جديدة أو إغلاق ملفات الخلاف مع المتربصين بهم وعمل تسويات مهينة أحيانا، تحت قاعدة: "وما حيلة المظطر إلا ركوبها".
ولفهم الدوافع والأسباب لسلق حل في اليمن في عجالة وقراءة ما الذي يدور في كواليس المحادثات بشأن خارطة الحل السياسي في اليمن، وما هي ماهية مسوداته المتناثرة منذ مقترحات جون كيري وزير الخارجية الأسبق إلى مقترحات البريطانيين والعمانيين والمبعوثين المتعاقبين وغيرهم.. لفهم ذلك كله لا بد من المرور على بعض النقاط الهامة لفك شفرة البؤس في كل المسودات التي لا تعبر قطعا عن تطلعات اليمنيين، ولا دول التحالف وتصب في مصلحة الحوثي الإيرانيين وتغييب الدولة اليمنية، وتحولها إلى كنتونات بإشراف دولي أو إقليمي.. وأهم هذه النقاط الجديرة بالتتبع وتساعد على فهم ماهية الحل السياسي القادم ما يلي:
أولا:
لا بد من قراءة زيارة سلطان عمان للسعودية وبعض التفاهمات بهذا الخصوص وبعض نصائح قدمتها السلطنة للإدارة السعودية الشابة تحديدا ولي العهد لضرورة غلق ملف الحرب وإمكانيات السلطنة في التأثير على الحوثي وإيران والتنسيق مع بريطانيا في قضايا الجنوب.
ثانيا:
يبدو أن دخول دولة الكويت على خط الملف اليمني وقبل ذلك على ملف ترشيد وتحسين العلاقات السعودية الإيرانية أصبح شبه مؤكد، ودخول الكويت وهي الدولة الوازنة، لمعظم التوافقات عند المعضلات الخليجية تاريخيا، له دلالة أن الأمر قد يكون بطلب من الأمريكان وليس مبادرة كويتية خالصة، ولعل التقارب الخليجي بين قطر والسعودية والإمارات والخروج إلى فضاء تركيا كدولة لها ظلال سياسي في المنطقة يوحي بل يؤكد ذلك.
ثالثا:
العراق كانت محطة أخرى لبعض تفاهمات إيرانية- سعودية من خلال لقاء لمسؤولين كبار في الاستخبارات للبلدين وربما بعض سياسيين لم يكشف عن أسمائهم، كل ذلك لا شك أنه في فضاء السياسة الأمريكية التي تسعى إلى تصفير المشاكل في الشرق الأوسط وتنتهج الاحتواء وليس المواجهة.
وهذه اللقاءات والمباحثات السعودية- الإيرانية تم كشفها عن طريق مسؤوليين إيرانيين علنا للإعلام، وفي ذلك دلالة إضافية أن إيران لها مصلحة في ذلك في ملفات عالقة تشكل لها ضغطا كبيرا، لا سيما مع تفجر الملف الداخلي وأهمه ملف الأحواز الذي يتنامى وما يلبث أن يهدأ حتى يفتح من جديد.
رابعا:
ما تطرحه السلطنة والكويت والأمريكان للسعوديين اختصارا، إنكم في مأزق كبير يا سعودييين، وإننا نحن مجتمعين أمريكا والسلطنة والكويت الخ، من سوف يساعدكم في طي ملف الحرب في اليمن الذي أصبح مكلفا ومرهقا للمملكة وتحتاج إلى مساندة بعد أن أصبح الحسم العسكري خيارا مستبعدا وفي نظر البعض مستحيلا، وهنا يأتي تلقين التنازلات التي هي خارطة الطريق الوحيدة بالنسبة لهذه الدول التي تلعب دور الوسيط، على مبدأ التنازلات والمقايضات في ملفات أخرى مع إيران، مع ضمان استقرار المنطقة وتطبيع الوضع.
خامسا:
تحت إطار إن السياسة فن الممكن والواقعية السياسية وضرورة الاعتراف أن هناك ثلاث قوى رئيسة في اليمن هي الشرعية والحوثي والانتقالي، ولذا ينبغي أن تتقاسم السلطة والثروة، تحت هذا الإطار تدور كل النقاشات وتدبج البنود وتحذف أخرى وهذا الأمر بدأ فعلا لكنه سيأخذ وقتا ليس بالقصير حتما، لكن الخط العريض لكل الحلول لا ينطلق من المرجعيات الثلاث ولا من تطلعات اليمنيين بالخلاص من الانقلاب ولا حتى من قرارات المجتمع الدولي، بل ينطلق من الاعتراف بالواقع الذي فرضته الحرب والقوة الغاشمة، بلغة اليمنيين، أما بلغة الأمريكان فإن هذا الحل ينطلق من الوقائع لا الرغبات والأمنيات.
هذه اللغة وهذه النظرة الأمريكية والأممية ترى أن هناك تبادل أدوار بين الشرعية والحوثي في السنتين الأخيرتين تحديدا بعد أن كان جيش الشرعية يهاجم في كل الجبهات ويكسب جغرافية محررة جديدة أصبح العكس هو الواقع من يبدأ الهجوم هو الحوثي وإن كان لا يحقق مكاسب كبيرة، لكنه أصبح في حالة تسمح له بالمبادرة، وهذا الأمر أقلق الخارج وأربك التحالف، ومن هنا بدأت مشاريع وخرائط الحلول تتعدد وتتنوع في هذا الاتجاه الذي يبدو إجباريا.
وأخيرا..
لا شك أن كل الفساد والفشل في الشرعية أسهم في ما وصل الأمر إليه من طروحات لهكذا حلول، كما أن عدم التجانس من قيادات الشرعية مع التحالف في ملفات كثيرة والتصدع في العلاقة مع الإمارات ثم لاحقا السعودية لا شك أنه أسهم ويسهم في هكذا حلول سياسية قد تؤسس لوضع طالبانات مثيرة وكثيرة في اليمن القادم، وربما يخلق يمنات وليس يمنا واحدا بغطاء فيدرالي وأساس كونفدرالي على أفضل الأحوال.
ليس هذا من باب الفأل السيئ، ولا من باب التشاؤم، ولكن من باب قرع جرس إنذار لما يدور قبل أن نسمع اللحن الحزين في نهاية الكارثة..