منصات الإعلام القطري الجديدة... من يديرها وكيف تعمل؟
الخميس 07 فبراير 2019 - الساعة 02:15 صباحاً
المصدر : متابعات
عقب مقاطعة الدول الأربع لقطر؛ اتضح بشكل كبير كيف أنّ الدوحة تدير إمبراطورية ضخمة، يمكن أن نطلق عليها ما يسمى "إعلام الظلّ"؛ إذ إنّ كلّ مَن تعتمد عليهم في إدارة تلك العملية سريون، وليسوا قطريين في الغالب، وليسوا على أرضها في الغالب أيضاً.
هناك تلك الوسائل التي تدار منها الشؤون الإعلامية، وليس بالضرورة مباشرة، بل عبر شبكة من المستشارين والمديرين والداعمين والمتصلين، وبكل تأكيد؛ إنّ قطر تشعر بأنّها تعمل ذلك لصالح نفسها، وتُقوّي مركزها في المحيط العربي وخارجه، وتحمي نفسها من أطماع العائلات المجاورة كما تقول في عدة مناسبات، فيما جماعة الإخوان، اللاعب الرئيس في تلك العملية، تشعر بأنّها لا تفعل شيئاً سوى أنّها تخدم مشروعها الذي يتقاطع مع مشروع غيرها.
قناة "الجزيرة بلس" (AJ+)
قناة "الجزيرة بلس" (AJ+) الرقمية؛ هي أول وأهم الأمثلة الدّالة على تلك الحالة الإعلامية الضخمة؛ حيث أطلقتها قطر من سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، وهناك يقع مقرها إلى اليوم.
بدأت هذه القناة، في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2013، ثم أعلن، يوم 15 أيلول (سبتمبر) العام 2014، إطلاقها باللغة العربية، كخدمة رقمية تقدمها شبكة الجزيرة الإعلامية، تركز هدفها على الالتقاء بجمهور واسع عبر كافة المنصات الرقمية، عن طريق تقديم مادة صحفية تناسب طبيعة تلك المنصات الاجتماعية بما فيها؛ فيسبوك وتويتر ويوتيوب وإنستغرام.
أنشأ القطريون منظومة إعلامية عمادها قنوات رقمية وآلاف الصفحات بالسوشيال ميديا يعمل فيها منتمون بالغالب لفكر "الإخوان"
يقود هذه القناة، وفق الصحفي المختصّ بالشؤون العربية، السيد شبل "فريق ربيعي، يرى أنّ "الثورة" مرادف لتمكين الإخوان أو إشراكهم بالحكم، وكلّ امتناع عن ذلك هو "استبداد وسلوك قمعي"، ويؤيد هذا الفريق الحربَ على سوريا، وصفحاته على تويتر تكشف، آخر شيء، عداءً صريحاً لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، وإدانة كاملة للنظام الرسمي العربي، في حال قَبِل بذلك (طبعاً بما يتفق مع آخر تصريحات لوزير الخارجية القطري)".
ويضيف شبل في تصريح خاص لـ "حفريات" : "إنّ "تمويل "AJ+" سخي جداً، وهي تجذب عدداً كبيراً من الناشطين الاجتماعيين، ومستوى إخراج الفيديوهات سواء تلك التي يكون بطلها شخص أو التي تقدّم محض معلومات احترافي، لكنّ المحتوى هو مُوجّه بما يتفق مع مصالح الدوحة وأنقرة، خاصة فيديوهات المعلومات، التي تقدم، بسلاسة وتلخيص، رؤية لكلّ مناطق الصراع والجذب في العالم، بما يتفق مع مصالح هذا المحور، لكن في العموم، وفي التفاصيل، هناك هوامش من الحرية، وتنوّع قد يمنع المتابع عن رؤية التوجيه".
الذباب الإلكتروني وإستراتيجية الإلهاء
استحدثت الدوحة فيما بعد ما يطلق عليه "الذباب الإلكتروني"، وهو على وزن "اللجان الإلكترونية الإخوانية"، وهو عبارة عن حسابات وهمية تدار عن طريق برمجيات ومواقع تقوم بكتابة التعليقات والإعجاب وإعادة التغريد تلقائياً، ويكثر على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"؛ لما لهذا الموقع من رواج كبير في الخليج.
تحاول تلك المنظومة الإعلامية إيصال أفكار مغلوطة وزائفة لخدمة محور قطر وتركيا والإخوان، وتهاجم بكثافة السعودية ومصر والإمارات.
وأشارت دراسة أعدها الإعلامي، فالح الذبياني، إلى أنّ السعودية تصدرت قائمة الأخبار التحريضية التي نشرتها وسائل إعلام قطرية، بنسبة 48%، تلتها الإمارات بنسبة 22%، ثم البحرين 16%، وجاءت مصر في المرتبة الرابعة بنسبة 14%، في الفترة بين الخامس من حزيران (يونيو)، وحتى الخامس من أيلول (سبتمبر) عام 2018.
ووفق الدراسة؛ ينتشر "الذباب الإلكتروني" القطري بشدة في الحسابات الإخبارية، وحسابات الصحف السعودية، والشخصيات الإعلامية الشهيرة والمدونين السعوديين المعروفين، وينشط بشدة حينما يتعلق محتوى المواد الصحفية أو التغريدات بقطر، فيبدأ في إطلاق السباب والشتائم، أو التقليل من أهمية الخبر بالتشكيك فيه، أو في كاتب المادة، أو في الصحيفة، ...إلخ.
وقد تصدر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الهجمات القطرية الإعلامية على القيادة السياسية السعودية، بعدما وصلت نسبة الأخبار المنشورة عنه أكثر من 7% من الأخبار.
اللافت أنّ الدراسة سجلت أن ما نسبته نحو 5% من المنشور في الإعلام الرسمي القطري، تناول ما يسميه ذلك الإعلام "الانتهاكات" في اليمن، رغم أنّ الإعلام نفسه قبل مقاطعة الرياض للدوحة كان مؤيداً لعمليات التحالف العربي في اليمن.
تقول الدكتورة نهى بكر، الأستاذة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في تصريح خاص لـ "حفريات": إنّ "أخطر ما يقوم به الذباب هو استخدامه لإستراتيجية الإلهاء ومحاولة توجيه الرأي العام السعودي، واللعب على مشاعر وعواطف الناس، وذلك من خلال حسابات تظنها للوهلة الأولى أنها لمواطنين سعوديين، لكنّها في حقيقتها حسابات قطرية مبرمجة تستخدم معرفات سعودية.
تقاطعات المنابر الإخوانية القطرية
في هذه العملية الإعلامية القطرية الجديدة مجال فكري عام، فبعيداً عن الفيديوهات ذات الطابع الإنسانيأو الاجتماعي المحايد؛ فهي تسير ضمن تلك الخلطة "الإخونج ليبرالية / الما بعد حداثية" (كما حملة الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح في مصر أيام الانتخابات؛ حيث التروتسكية رباب المهدي ووائل غنيم كتفاً بكتف مع الجماعة الإسلامية وحزب النور)، وهي خلطة صارت متكررة في أغلب وسائل الإعلام القطرية.
نهى بكر: أخطر ما يقوم به الذباب الإلكتروني استخدامه لإستراتيجية الإلهاء ومحاولة توجيه الرأي العام واللعب على مشاعر الناس
وبمتابعة لموقع القناة؛ سنجد أنّ كلّ فيديوهاتها "تتأرجح ضمن دعم جماعة الإخوان لكن بوجه ليبرالي، وإن تم جرح هذا السقف فلا يكون إلا لمصلحة سياسية ما، وبغرض جذب نوعيات جديدة من المتابعين".
سنجد ما سبق في كلّ الوسائل الإعلامية القطرية؛ حيث تلك التقاطعات مع الإخوان وتنظيمها العالمي، على سبيل المثال "العربي الجديد"؛ أحد الأذرع الإعلامية لقطر، الذي انطلق في نيسان (أبريل) العام 2014، من لندن، وهو موقع إلكتروني وصحيفة يومية، ظهر بنسخة تجريبية في بدايته، تحت شعار "صحيفة الزمن العربي الجديد"، أطلقهما عزمي بشارة، لشركة "فضاءات ميديا ليميتد"، وتنوّع محتواها بين السياسة والرأي والترفيه، وذاع صيت هذا الموقع، عندما ذكره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حين أشار إلى أنّ هناك تحالفاً بين قطر، وتركيا، والتنظيم الدولي للإخوان، وأنهم يؤسّسون عدة شركات وصحف ومواقع إلكترونية، تسعى لبثّ الفوضى في الدول العربية، وتدمير الشعب المصري.
وترأس الصحفي وائل قنديل تحرير الصحيفة، إضافة إلى تولّي الصحفي الأردني، أمجد ناصر، منصب مدير التحرير لها، ومن المعروف أنّ "فضاءات ميديا ليميتد" شركة قطرية خاصة، تأسست في أواخر العام 2013، أسسها إبراهيم منير، عضو التنظيم الدولي للإخوان، وطمحت الشركة، وفق صحيفة "اليوم السابع المصرية" إلى الريادة في عالم الإنتاج الإعلامي، وإدارة وسائل الإعلام وخدمات التواصل الاجتماعي، بمختلف الوسائل المتاحة، سواء الإلكترونية أو التقليدية، كالمقروءة والمرئية والمسموعة، وفق تصريحات مؤسسي الشركة، الذين لهم منابر إعلامية أخرى مختلفة، تعمل لحساب قطر.
يشار إلى أنّ "فضاءات ميديا"؛ هي إحدى المؤسسات التي يديرها عزمي بشارة (62 عاماً)، ويندرج تحتها؛ المركز العربي للدراسات، دار نشر، تلفزيون "العربي" وجريدة "العربي الجديد"، ومقرهما العاصمة البريطانية، لندن، إضافة إلى تلفزيون "سوريا"؛ الذي يتخذ من مدينة إسطنبول التركية مقراً له.
على المقاس نفسه؛ موقع "إنتجرال ميديا ستراتيجيس"، ويرأس تحريره الصحفي أنس فودة، وتم اختيار لندن مقراً له، و"عربي بوست"، و"ساسة بوست"، وغيرها من هذه المواقع.
الخلاصة؛ أنشأ القطريون منظومة إعلامية جديدة، عمادها الرئيس هو قنوات رقمية وآلاف الصفحات بالسوشيال ميديا، وخصص للإنفاق عليها مئات الملايين من الدولارات، ووظف لها منتمون في غالبيتهم إلى فكر "الإخوان"، وذلك كلّه لإيصال منظومة من الأفكار المشوهة أو المغلوطة والزائفة التي تهدف لخدمة محور قطر وتركيا والإخوان، وتركز بحملات مكثفة هجومها على السعودية ومصر والإمارات.
المصدر / موقع حفريات
ماهر فرغلي كاتب وباحث مصري