من مصافي عدن الى سفريات المسئولين .. فسادٌ برتبة "جريمة حرب"

الجمعه 15 نوفمبر 2024 - الساعة 02:21 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي

 


في واحدة من اكبر جرائم الفساد التي يتم الكشف عنها ، أحالت النيابة العامة الثلاثاء الماضي قضية مصافي عدن الى محكمة الأموال العامة بمحافظة عدن تعود الى عقد ابرمته إدارة المصافي قيمته 180 مليون دولار.

 

وجاءت هذه الإحالة بناء على تقرير للجهاز المركزي للرقابة المحاسبة تسلمه رئيس الوزراء احمد عوض بن مبارك من رئيس الجهاز ضمن عدة تقارير حول عمل بعض المؤسسات الحكومة.

 

وكشف بن مبارك خلال مداخلة هاتفية في برنامج "استديو اليمن" بقناة اليمن الفضائية بأن النيابة العامة ابتدأت إجراءات التحقيق في موضوع مصافي عدن، والاختلالات التي تمت في عقد قيمته 180 مليون دولار خلال التسع سنوات الماضية، وما دفعته الحكومة من أموال كثيرة من قيمة هذا العقد وعدم تنفيذه.

 

مؤكدا وجود خلل كبير في كثير من التفاصيل العقدية فيما يتعلق بمؤسسة مهمة ، وأضاف بالقول : "لو تمت الإجراءات بصورة صحيحة وكانت هناك مسؤولية وشفافية ومساءلة منذ البداية لكنا وفرنا على البلد مليارات الدولارات التي أنفقت في شراء المشتقات النفطية جراء خلل في عمل هذه المؤسسات".

 

وعقب حديث بن مبارك ، صرح مصدر مسئول بالنيابة العامة بانة تم احاله القضية المصافي والتي تحمل رقم 54 لسنة 2024 ج-ج والخاصة بالمتهم (م.ع.ع) والمتهم (ح.ي.ص) الى محكمة الأموال العامة الابتدائية بمحافظة عدن.

 

مضيفاً بان القضية تتعلق بتهمة الاضرار بمصلحة شركة مصافي عدن وتسهيل الاستيلاء على المال العام لصالح احدى الشركات الصينية لإنشاء محطة طاقة كهربائية جديدة للمصفاة دون الاحتياج الفعلي اليها وعرقلة سير العمل طبقا للقرار الجمهوري رقم (13) لعام 1994 بشان الجرائم والعقوبات.

 

وتعود القضية الى العقد الذي ابرمته إدارة مصافي عدن مع إحدى الشركات الصينية بهدف استئناف نشاطها المتوقف عقب اندلاع الحرب في 2015م ، ويهدف العقد لإجراء عملية صيانة للمصافي وانشاء محطة كهربائية بديلة عن السابقة التي تعطلت والتي ظلت إدارة المصافي تؤكد بأنها السبب الرئيسي لتوقف نشاطها.

 

الا أن مرور أكثر من 6 سنوات دون ان تنفيذ ذلك واستمرار توقف المصافي ، اثار التساؤلات والشكوك حول الأسباب وراء ذلك ، ما فجر الاتهامات المتبادلة بين الحكومة وإدارة المصافي حول المسئولية في تعثر مشروع صيانة المصافي واستئناف نشاطها.

 

وهو ما كشفه تقرير برلماني صدر العام الماضي للتحقيق في عدد من القضايا المثارة في عدد من القطاعات ومن بينها النفط وموضوع مصافي عدن ، حيث نقل التقرير شكوى لإدارة المصافي بأنها تحملت دفعت 70 مليون دولار من قيمة المشروع للشركة الصينية من حسابها الخاص واتهمت الحكومة بالتقصير في دفع الباقي.

 

الا أن رئيس الوزراء – آنذاك – معين عبدالملك قدم رواية مختلفة تماماً للجنة ، حيث أكد لها بأنه تم تضليل الحكومة حول السعر الحقيقي لقيمة العقد مع الشركة الصينية، وأن السعر في عام 2021 كان (80) مليون دولار ، ثم ارتفع بعد ذلك إلى (100) مليون دولار، فيما زاد لاحقا إلى (140) مليون دولار.

 

وفي حين أكد معين بأن الحكومة دفعت مبلغ (115) مليون دولار حتى اليوم ودون أن يتم تشغيلها، قال بأن الحكومة تفاجأت مؤخرا بوجود عقد ملحق قيمته مبلغ (49) مليون دولار ، وأن هناك 47 عقداً ملحقاً، على عكس ما قيل للحكومة بأن العقود 20 فقط.

 

رواية معين أكدتها اليوم الكشف عن فضيحة العقد ، الاتهام الذي وجهته النيابة الى المتهمين بأن المشروع كان "لإنشاء محطة طاقة كهربائية جديدة للمصفاة دون الاحتياج الفعلي اليها".

 

والجدير بالذكر هنا ، أن أحد المتهمين هو المدير التنفيذي السابق لمصافي عدن محمد البكري  الذي ظل في هذا المنصب لأكثر من 6 سنوات (2015-2021) ـ قضى معظمها مقيماً خارج البلاد ، ويدير مهامه عبر "الواتس آب".

 

ولا يقتصر أهمية الكشف عن هذه القضية من ضخامة المبلغ المرتبط بها ، بقدر توقيت الكشف عنها والذي يتزامن مع تصاعد الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تعاني منها حاليا الحكومة والمناطق المحررة ، وخاصة في شح العملة الصعبة جراء استمرار توقف عملية تصدير النفط.

 

توقيت يجعل من الكشف عن قضايا فساد بهذا الحجم ، يجعل منها جريمة ترتقى الى جريمة حرب او "خيانة عظمى" كما يقول رئيس الوزراء بن مبارك في حديثه للتلفزيون الرسمي والذي كشف فيه إحالة قضية مصافي عدن للنيابة.

 

بن مبارك الذي اسهب في حديثه بالتأكيد عن العزم والجدية في مكافحة الفساد مذكراً بمقولة له يرى فيها أن "الفساد جريمة في الظروف العادية لكنه في زمن الحرب خيانة عظمى" ، بل يرى بان الفساد ليس فقط في الجانب المالي، ولكن كذلك في الجانب الإداري من خلال "عدم القيام بالمهام الإدارية والوظائف الإدارية بالمؤسسات".

 

هذا الحديث القوى للرجل ، يناقضه استمرار العبث في الأداء الحكومي بل وتراجعه شخصياً عن عدد من القرارات التي كان قد اتخذها في أيامه الأولى لتوليه المنصب في شهر فبراير الماضي.

 

ومن هذه القرارات، توجيه بمنع سفر الوزراء إلى الخارج تحت ذريعة المشاركة في المؤتمرات والندوات وحصرها بأضيق الحدود بهدف ترشيد النفقات ، الا أن الأيام الأخيرة شهدت زيادة لافتة في مشاركة وفود حكومية بعدد من الفعاليات والمؤتمرات الدولية اثارت سخط الناشطين في ظل الأزمة الحالية.

 

وما ضاعف من هذا السخط ، الفضيحة المدوية التي تم الكشف عنها حول عدد الوفد الحكومي المشارك في مؤتمر المناخ باذربيجان 2024م ونشرت كشوفات للوفد الحكومي الذي وصل الى 47 شخصاً.

 

حوادث تعيد التذكير بحجم المأساة التي يعاني منها أبناء المناطق المحررة جراء استمرار جرائم الفساد والعبث التي تطال موارده المحدودة وكل ما يصل اليه من دعم وإعانة من الأشقاء ، في مشهد مؤلم يجعل منها جريمة حرب وإبادة أكثر من كونها جرائم جنائية عادية.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس