انهيار إيران قبل عودة ترامب .. عن خيانة انقاذ الحوثي تحت لافتة وهم السلام
الجمعه 29 نوفمبر 2024 - الساعة 01:03 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
بعد ساعات فقط من دخول وقف إطلاق النار في لبنان ، كانت الخريطة السورية تكتب فصلاً جديداً من مشهد الانهيار المريع الذي يعاني منه النظام الإيراني ومشروعه في المنطقة العربية.
فخلال ساعات فقط كانت مواقع ومعسكرات بكامل أسلحتها تابعة للمليشيات الإيرانية الداعمة لنظام بشار الأسد في سوريا تتساقط بشكل لم يتوقعه أحد في ريف حلب شمالي سوريا امام مسلحي المعارضة او تحديداً هيئة تحرير الشام المتشددة وفصائل أخرى مسلحة.
هذه الفصائل التي أطلقت عملية عسكرية اسمتها "ردع العدوان" الأربعاء ، تمكنت خلال الـ 48 ساعة الماضية من السيطرة على مساحة تتجاوز الـ 200كم مربع ، وباتت على مشارف مدينة حلب كبرى مدن سوريا وأهمها في التأثير الاستراتيجي.
في حين سقط العشرات من جنود الجيش التابع للأسد وعناصر المليشيا الإيرانية قتلى كان ابرزهم الجنرال في الحرس الثوري الإيراني كيومارس بورهاشمي بحسب وكالة أنباء "تسنيم" شبه الرسمية، في حين وقع العشرات في الأسر مع اغتنام مسلحي المعارضة لأسلحة ثقيلة من بينها دبابات.
وعلى الرغم من توقع بعض المحللين العسكريين ان يستعيد الأسد والمليشيات الإيرانية الحليفة معه زمام الأمور خلال الساعات المقبلة بإسناد من الطيران الحربي الروسي وفي ظل عدم دخول تشكيلات المعارضة السورية الموالية لتركيا في هذه المعركة التزاماً باتفاق خفض التصعيد بين تركيا وروسيا في مارس 2020م ، الا أن ما حدث لا يمكن اغفاله عن سياق التطورات الإقليمية الأخيرة.
فمشهد الانهيار الغير مسبوق للمليشيات الإيرانية خلال الساعات الماضية في هذا الهجوم ، لم يكن الا هزة ارتدادية للزلازل السياسي الذي تمثل بوقف اطلاق النار في لبنان بين إسرائيل ومليشيا حزب الله ، وما كشفته بنود الاتفاق من استسلام تام للأخير وتمكن إسرائيل ومن خلفها أمريكا على فرض كامل شروطها.
وبالنظر الى طبيعة العلاقة بين الحزب وإيران ، فان الاتفاق لم يكن ليحدث بدون ضوء اخضر من طهران ، رغم خطورة الاتفاق في انه ينهي تماماً ما حاولت الأخيرة فرضه لما يُسمى بوحدة الساحات التابعة لها ، فالاتفاق يعني فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة وباقي الجبهات التابعة لإيران.
كما ان اتفاق وقف اطلاق النار يعني تخلي إيران عن ورقة لبنان وفقدانها في حالة شنها هجوماً على إسرائيل رداً على هجومها منتصف أكتوبر الماضي كما كانت تتوعد منذ ذلك الوقت ، في حين ان أهم ما يلفت النظر في الاتفاق هو مدته المحددة بـ60 يوماً وهي المدة المتبقية تقريباً لتنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
رسالة واضحة يوجهها النظام الإيراني من خلال اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان ، بانه يرغب في التهدئة كمحاولة منه لكسب ود الرئيس ترامب خلال فترة حكمه القادمة وان لا تكون مثل الفترة السابقة التي شهدت اقوى ضربة أمريكية ضد ايران باغتيال الرجل الثاني في نظام طهران وهو الجنرال قاسم سليماني.
ويكمن رعب النظام الإيراني من ترامب ليس فقط في توجهه العدائي ضده ، بل يكمن في الدرجة الأساسية في خطه العدائي الواضح ضد الصين وتوعده باستئناف الحرب التجارية ضدها ، وخطورة تداعيات ذلك على العلاقة التجارية المميزة بين الصين والنظام الإيراني.
فالصين حرفياً يُنسب لها الفضل في بقاء النظام الإيراني على قيد الحياة بعد العقوبات الخانقة التي فرضها ترامب في فترته السابق عقب قراره بانسحاب أمريكا من الاتفاق الإيراني الذي تم التوصل له عام 2015م ، وكانت العقوبات تتركز في حرمان إيران من بيع نفطها للخارج.
حيث مدت الصين يد النجاة للنظام الإيراني بشراء النفط منه وباتت اليوم تشتري 90%من صادرات إيران ، وهو الملف الذي تنوي إدارة ترامب التعامل معه بشدة بحسب تصريحات لبعض المقربين من الرجل ، ما يرسم سيناريو مرعب امام النظام الإيراني من ان تتخلى الصين عنه مقابل عدم مواجهة أمريكا تجارياً.
هذا السيناريو المرعب الى جانب ادراك النظام الإيراني بان إدارة ترامب ستطلق يد إسرائيل بشكل اكبر لاستهدافه على عكس الإدارات الامريكية السابقة ، ما يضعه امامه خيارات صعبة بين التنازل والتخفيف من التصعيد لمغازلة سيد البيت الأبيض الجديد او الانتحار بالرهان على التصعيد مقابل عقد صفقة معه.
وتبدو المؤشرات بان النظام اختار سلوك الخيار الأول ، وهو ما يُفسر الحراك السياسي المفاجئ الذي يعيشه المشهد اليمني خلال الأيام الماضية وسط حديث عن جهود مكثفة للعودة الى مسار السلام ، وتصريحات لافتة ومفاجئة من قيادات حوثية بتقارب مع السعودية في هذا الجانب.
وعقب مفاوضات سرية بين جماعة الحوثي والرياض بوساطة عُمانية استمرت عامين، تم الإعلان من قبل المبعوث الأممي اواخر العام الماضي عن اتفاق اولي اطلق عليه "خارطة الطريق" ، الا أن الامر تجمد بفيتو امريكي يربط المضي بهذا الطريق بوقف الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي على الملاحة الدولية.
ومع تمسك واشنطن بهذا الموقف وقرب عودة ترامب وما يعني ذلك من تشدد امريكي ضد إيران واذرعها ، فان المؤكد ان عودة الحديث عن مسار السلام يأتي برغبة إيرانية حوثية ، لا يستبعد معها الموافقة على الشرط الأمريكي كما حصل في لبنان.
الا أن المؤسف ما يتم تسريبه عن هذا التحركات التي تدور او تديرها حالياً الرياض ، بان العودة الى مسار السلام يعني حصول مليشيات الحوثي على المكاسب التي انتزعتها في خارطة الطريق رغم الاختلاف الجذري في الظروف محلياً وإقليميا ودولياً في المشهد خلال مفاوضات صُنع الخارطة وبين المشهد اليوم.
ما يجعل من الخسارة بل من الخيانة ان يتم منح مليشيا الحوثي وضعاً سياسياً وعسكرياً جرى انتزاعه في سياق وظروف مختلفة ، وان لا يتم استغلال مشهد الانهيار والارتباك الذي يعيشه مشروع إيران واذرعها بالمنطقة في فرض سلام عادل يليق بتضحيات اليمنيين في معركتهم المستمرة منذ 20 عاماً ضد هذا المشروع وذراعه في اليمن المليشيا الحوثية.