حليف مُنهك ومجتمع مُحتقن وداخل مُفكك .. أسباب رعب الحوثي من مشهد سوريا
السبت 30 نوفمبر 2024 - الساعة 11:07 مساءً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
لم تكد مليشيا الحوثي في اليمن تحاول استيعاب الصدمة من مشهد الهزيمة السياسية التي تعرض لها مشروع ممولها النظام الإيراني في لبنان ، حتى وجدت نفسها اليوم امام مشهد أخر من الهزيمة لهذا المشروع في سوريا.
الهزيمة التي تعرض لها مشروع إيران في لبنان تجسدت واضحة في بنود وقف اطلاق النار الأربعاء الماضي التي مثلت فرضاً لشروط إسرائيل ومن خلفها أمريكا على حزب الله الذي قبل بالاتفاق لإنقاذ نفسه من الخروج التام من المشهد في لبنان.
ومع الساعات الأولى لدخول الاتفاق حيز التنفيذ ، كانت فصائل سورية مسلحة في اقصى شمال سوريا تعلن عن عملية عسكرية ضد القوات التابعة لنظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية الحليفة له ، وحققت نتائج لم يتوقعها أحد باكتساح مساحات واسعة تشمل مواقع ومعسكرات ومدن استراتيجية.
فخلال ثلاثة أيام فقط تمكنت الفصائل المسلحة من السيطرة الكاملة على مدينة حلب اكبر مدن سوريا سكاناً مع غالبية مساحة المحافظة، بالإضافة الى اكمال السيطرة على محافظة أدلب ، ومع حلول مساء السبت كانت عناصر هذه الفصائل تتجول داخل مدينة حماة وهي واحدة من المدن الرئيسية في سوريا.
مشهد الانهيار المريع لمعسكر الأسد وإيران شكل صدمة جديدة لمليشيا الحوثي في اليمن في وقت لا تزال فيه تحاول التعامل مع صدمة ما حصل في لبنان، وسط رعب حقيقي لدى المليشيا من إمكانية تكرار ما حصل في سوريا بمناطق سيطرتها في اليمن.
هذا الرعب الحوثي من تكرار مشهد سوريا في اليمن يعود الى أسباب رئيسية تتلخص في العوامل المشتركة والظروف المتشابهة بين المشهدين ، يبدأ من العامل الإيراني المشترك والتشابه الكبير بين الواقع الذي تعيشه مناطق سيطرة الأسد والحوثي والتشابه ايضاً في السلوك والتركيبة الداخلية للطرفين.
حليف مُنهك
أول وربما اهم الأسباب لمخاوف مليشيا الحوثي يعود الى ادراكها بان مشهد الانهيار لنظام الأسد في سوريا لم يكن ليحدث لولا الانهاك العسكري والسياسي لحلفائه الروس والايرانيين، الذين منعوا حرفياً سقوط النظام بيد المعارضة في الحرب الاهلية التي فجرها قمع النظام للاحتجاجات السلمية عام 2011م.
فوضع الحليف الروسي وتحديداً الرئيس فلاديمير بوتين اليوم في 2024م ليس كما كان عليه الوضع قبل قراره غزو أوكرانيا قبل عامين ، وهو القرار الذي اغرق الجيش الروسي في وحل أوكرانيا دون ان يتمكن من تحقيق هدفه ، وبات اليوم عاجزاً عن تقديم يد المساعدة للأسد كما فعل عام 2016م.
ولا يختلف الأمر بالنسبة للحليف الإيراني الذي يلملم جراح الضربات التي تعرض لها على يد إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى قبل نحو عام ، وبلغت ذروتها بالانكسار الذي تعرض له حزب الله في لبنان وما يمثله الحزب من رأس حربه للمشروع الإيراني بالمنطقة.
وعقب ما تعرض له مشروع طهران في لبنان ، بات النظام الإيراني يُدرك ان الهدف التالي لإسرائيل ومن خلفها أمريكا هو تواجد ونفوذ النظام في سوريا ، وان الخيار الوحيد امامها هو تقليص هذا التواجد بأكبر قدر ممكن ، وتجسد ذلك بالانسحاب الكامل للمليشيات الإيرانية من شمال سوريا ، ومثل ذلك السبب الرئيسي الذي سهل اكتساح المعارضة السورية.
التخلي الإيراني عن اسناد الأسد في وجه جحافل المعارضة السورية، يخلق الرعب في صفوف مليشيا الحوثي التي تدرك حجم تأثير الدعم الإيراني عليها ، ومدى فداحة خسارة هذا الدعم في حالة قررت ان تفجر الحرب من جديد في اليمن او في حالة تعرضها لهجوم من قبل خصومها في الداخل اليمني.
وتجلت هذه المخاوف في الاجتماع الذي عقده رئيس المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي مهدي المشاط الخميس الماضي مع كبار القادة العسكريين والأمنيين، بما في ذلك وزير الدفاع ورئيس الأركان ، وتحدث فيه عن وصفها بـ "محاولات بائسة في هذه الأيام من قبل العدو الأمريكي ومعه تابعه الذليل العدو البريطاني" للتحريض ضد الجماعة "خدمة وإسناداً للعدو الإسرائيلي".
وكرر المشاط التعبير عن مخاوف جماعته في خطابه المتلفز مساء الجمعة بمناسبة الـ(30) من نوفمبر ، زعم فيه وجود محاولات أمريكية لإشعال الجبهة الداخلية في اليمن ، مهدداً من أن أي محاولة للتصعيد ضد جماعة الحوثي سيواجه بتصعيد أكبر ورد أقوى.
ومجتمع مُحتقن
ومن أسباب مخاوف مليشيا الحوثي تجاه المشهد في سوريا ، هو الموقف الشعبي في المناطق التي انهارت فيها قبضة سلطة الأسد ، وكان لافتاً انها لم تشهد أي حالات نزوح كبيرة للسكان بل أظهرت مشاهد ولقطات ترحيباً من بعض الأهالي بعناصر المعارضة المسلحة.
هذا الموقف الشعبي جاء رغم سنوات من نشاط نظام الأسد في شيطنة المعارضة السورية المسلحة التي قام بطردها من مختلف المدن السورية خلال عامي 2016-2017م ، الى شمال سوريا والتأكيد على أنها مجاميع إرهابية ، لضمان الحصول على تأييد شعبي للنظام بصفته محارباً ومدافعاً عن الشعب في وجه الإرهاب.
ويعود هذا الموقف الشعبي الى سببين رئيسين ، أولهما حجم الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ومعه المليشيات الإيرانية قبل واثناء وبعد المعارك التي شهدتها الخارطة السورية، حولت قطاع واسع من السوريين الى خصوم للنظام وحلفائه.
والسبب الأخر هو الفشل الذريع لإدارة نظام الأسد للمناطق الخاضعة لسيطرته منذ انتهاء المعارك الرئيسية وسيطرته على ثلثي مساحة البلاد مع مطلع عام 2017م ، فنهج الفساد والعبث الذي اداره به النظام هذه المناطق اوجد انهياراً بالاقتصاد والخدمات ، افقدته اليوم أي تأييد شعبي في وجه المعارضة المسلحة.
وهو ما تتنبه له المليشيا الحوثية جيداً ، وسارعت اليوم السبت عبر القيادي البارز فيها / محمد علي الحوثي لعقد اجتماع استثنائي وضم رئيسي مجلسي النواب والوزراء بسلطة المليشيا ، لمناقشة "برنامج التقشف الخاص بالآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة وحل مشكلة إيداع المودعين في البنوك التجارية والحكومية".
عودة المليشيا الحوثي للحديث عن المرتبات التي توقفت عن صرفها في مناطق سيطرتها منذ اكثر من 6 سنوات ، يعكس مخاوفها الكبيرة من خطورة الاحتقان الشعبي المتزايد في مناطق سيطرتها جراء الانتهاكات المستمرة من جهة وفشلها من جهة أخرى في ملف الخدمات والمرتبات رغم مرور عامين ونصف على وقف الحرب.
داخلٌ مُفكك
ومن الأسباب القوية لمخاوف المليشيا من مشهد سوريا هو التشابه بين تركيبة وسلوك المليشيا مع نظام الأسد ، حيث يتكأ الطرفان في قبضتهما بالحكم على طائفة او سلالة محددة لضمان الولاء المطلق، في حين ينحصر دور باقي فئات المجتمع على تجنيدهم كمقاتلين او كواجهة صورية لتزييف هذه الحقيقة بأنهما سلطة تمثل الجميع.
ورغم أن هذا السلوك يضمن الحماية والتماسك لهما ، الا أنه من جهة أخرى يمكن ان يكون عامل انهيار ايضاً ، فحصر القيادة في سلطة ما على عامل طائفي او مذهبي او سلالي بدلاً من الكفاءة ، يفقدها الشرعية الشعبية ما يسهل سقوطها بشكل مفاجئ لا يتوقعه حتى خصومها.
كما ان حصر السلطة بيد طائفة او سلالة يزرع أيضا داخلها بذور الصراع على السلطة والمال والنفوذ ، ورغم انه صراعُ قد يظل كامناً لسنوات او لعقود ، لكن تأثيراته لا بد لها ان تظهر وربما تحسم مصير ومستقبل هذا الكيان او هذه السلطة في لحظة ما.
تأثيرات قد تتجلى في ان تقرر هذه القيادات في لحظة ان تتخلى عن السلطة ورأسها وتؤثر سلامتها ، كما حدث في حلب مؤخراً وسقوطها المفاجئ بيد المعارضة بعد انسحاب مفاجئ للجيش والقوات الموالية للأسد ، الذي يتواجد حالياً خارج البلاد.
وهنا يقدم مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبدالرحمن رواية لافتة تتحدث عن تواصله مع ضباط كبار بالجيش التابع للأسد وهم من أبناء طائفته ، وكيف انهم قرروا ترك اكبر مدن البلاد والعودة الى الساحل السوري ، بعد ان شعروا بأنها معركة خاسرة عن سلطة لا تملك حاضنة شعبية.