فداحة الرهان على إيران .. الحوثي كنسخة رديئة من الأسد
الاحد 08 ديسمبر 2024 - الساعة 12:46 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
"هناك أصوات معادية في المنطقة ، ما أقوله هو: لا تسلكوا هذه الطريق – من الممكن تسوية هذا الصراع" ، جملة وردت في سياق تصريحات لافتة أدلى بها اليوم المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ ، تُعكس وجود مخاوف أممية حقيقة من تكرار السيناريو السوري الأخير في اليمن.
سيناريو ربما لم يكن يتخيله اشد خصوم النظام السوري ورئيسه بشار الأسد ان يتحقق واقعاً على الأرض ، وان ينقلب المشهد العسكري في سوريا رأساً على عقب ، من نظام يحاصر المعارضة بآخر معاقلها الى معارضة تحاصر النظام بآخر معاقله اليوم ، كل ذلك خلال 10 أيام فقط بعد ان ظل جامداً لأكثر من 8 سنوات.
جمودٌ جاء على اثر نجاح الأسد بدعم إيراني روسي من دحر المجاميع المسلحة التي كانت اوشكت على الإطاحة به أواخر 2015م وسيطرت على غالبية مساحة البلاد ، لينتهي بها المطاف محصورة شمالاً على حدود تركيا وفي رقعة جغرافية لا تتجاوز الـ 10% من مساحة البلاد.
هذا الانتصار الساحق جمد المشهد عسكرياً باتفاق سُمي بـ"خفض التصعيد" بين روسيا وإيران وتركيا الحليفة الرئيسي للمعارضة ، الطرف الأضعف حينها ، وجاء الاتفاق حينها ضمن سياق سياسي أطلق عليه مسار استانا للمفاوضات بين النظام السوري والمعارضة بهدف انهاء الحرب بالبلاد.
الا أن المسار الذي انطلق عام 2016م على ضوء قرار مجلس الأمن 2254، لم يحقق أي شيء سوى فرض وقف اطلاق النار ، مع رفض واضح من قبل النظام السوري على أي نقاش يمس بقاءه او حديث عن شراكة سياسية وادماج المعارضة في السلطة ، كنتاج طبيعي لاستقواء النظام بالانتصارات التي حققها على الأرض بدعم إيران وروسيا.
واستمر الوضع على ما هو عليه ، رغم المتغيرات التي شهدتها المنطقة وخاصة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام2022م وعملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية في غزة نحو إسرائيل في العام التالي.
تطورات دفعت بتغيير مواقف بعض القوى المعنية بالملف السوري ، وعلى رأسها تركيا ورئيسها اردوغان الذي اطلق مواقف وتصريحات جريئة بدعوته علانية للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد الى الالتقاء وانهاء الأزمة في سوريا، وهو موقف لاقى دعماً وتأييداً من روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
كان التغيير المفاجئ في مواقف تركيا وروسيا يُعبر عن رغبتهما في الانسحاب من المستنقع السوري لأسباب خاصة تتعلق بكل منهما ، الا أن ذلك اصطدم بموقف متعنت من النظام السوري مسنوداً من طهران التي كانت ترفض خسارة الورقة السورية من يدها في خضم المواجهة مع إسرائيل والتي أجبرت عليها بعد طوفان الأقصى.
ليتبدل المشهد تماماً مع الزلزال الذي احدثته إسرائيل في لبنان بسلسلة الاختراقات الكبيرة لحزب الله الذراع الأهم لإيران بالمنطقة بتصفية قيادات الصف الأول بالحزب وتدمير نسبة كبيرة من مخزونه العسكرية مع بدء العمل على الأرض عسكرياً لاقتلاع وجوده في جنوب لبنان.
وكانت اقوى الهزات الارتدادية لهذه الزلزال هو قبول الحزب لاتفاق وقف اطلاق النار الذي مثل ضمنياً قبولاً بكل الشروط التي وضعتها إسرائيل وامريكا ، ومع الساعات الأولى لتنفيذ الاتفاق تفجر المشهد في سوريا بشن الفصائل المسلحة هجوماً مفاجئاً من أدلب بأقصى الشمال لإسقاط حلب اكبر مدن البلاد ، وباتت اليوم على مشارف العاصمة دمشق.
هذا المشهد الذي يخشى المبعوث الأممي تكراره في اليمن ، يعود الى التطابق الكبير في السلوك بين النظام السوري ومليشيا الحوثي في اليمن من حيث تعاملها مع خصومها والاستقواء بمنطق القوة لفرض حكمها والاستخفاف بأي مسار حقيقي للسلام يُنهي الصراع في اليمن.
فما صنعه الأسد مع تركيا ومسار استانا صنعه الحوثي مع السعودية وخارطة الطريق التي تم التوصل لها بعد مفاوضات سرية بين الطرفين امتدت لعامين بوساطة عُمانية ، بدافع من رغبة سعودية بالخروج من مشهد الحرب باليمن والتركيز على مشاريعها ورؤية ولي عهدها 2030م.
ورغم ان بنود الخارطة التي كانت من المُفترض ان يتم التوقيع عليها أواخر العام الماضي، كانت تصب في صالح الجماعة الحوثي وهو ما سبب عدم الرضى بها من قبل خصومها ، الا أنها سارعت في المقامرة بها وأوقفت مسار تنفيذها من خلال الشروع في مهاجمة واختطاف السفن التجارية بالبحر الأحم كما يٌقر بذلك المبعوث الأممي في تصريحه اليوم.
هذه الهجمات التي شنتها ولا تزال تشنها الجماعة تحت لافتة "نصرة غزة"، لم تكن الا التقاء بين طموحاً لدى الجماعة الحوثية بان تفرض نفسها إقليميا ودوليا مع توجيه إيراني بالعبث بالملاحة الدولية عبر الجماعة كورقة تفاوضية تستخدمها بوجه الغرب.
وجاءت هذه المقامرة الحوثية بمسار السلام على الرغم من وجود اجماع دولي على دعم المسار وهو اجماع قل نظيره بين اللاعبين الكبار على الساحة العالمية وخاصة أمريكا والدول الغربية ، ولم تتنبه الجماعة لخطورة ان تؤدي مقامرتها الى تبدل هذا الموقف الدولي وان تخسر معه ثمار السلام التي ضمنتها بخارطة الطريق.
تبدل الموقف الدولي وخاصة الأمريكي تجاه الجماعة بالتزامن مع الانهيار المريع الذي يتعرض له مشروع إيران بالمنطقة، يبدو أنه لم يدفعها الى تغيير سلوكها العدواني، والاتكاء على منطق القوة والمقامرة بنسف مسار السلام.
فاليوم فقط عاودت خطاب التهديد ضد السعودية باستخدام القوة لفك ما تدعيه بانها قيود تفرضها الرياض على مطار صنعاء الخاضع لها ، كما صرح بذلك رئيس حكومتها اليوم السبت ، وكأنها غير مدركة حتى اللحظة ان الظروف التي شكلت المشهد الأخير في سوريا وحطمت وهم القوة على رأس الأسد ، متوافرة في اليمن بل وبصورة اكبر.