الإخوان.. قرب النهاية

الثلاثاء 07 ديسمبر 2021 - الساعة 01:14 صباحاً

 

تتبدى نذر النهاية فى أزمة «الإخوان المسلمين» المتفاقمة بين جبهتين متصارعتين إحداهما فى لندن يقودها «إبراهيم منير» القائم بأعمال المرشد العام، والأخرى فى إسطنبول يقودها «محمود حسين» الأمين العام.

 

غابت فى صخب الانشقاق الجارى أمام الرأى العام أية خلافات سياسية وفكرية، وحضرت بخشونة الألفاظ منازعات الحصص المالية، كأننا أمام مشاهد مقتطعة من روايات المافيا الإيطالية.

 

لم يعد ممكنا أن تدعي الجماعة، أمام نفسها قبل الآخرين، أنها «حركة ربانية» مبرأة من الأخطاء والخطايا المالية والأخلاقية، أو أن «فلوسها فيها بركة» -على ما قال مرشدها العام الأسبق «مصطفى مشهور» فى (3) نوفمبر (2002).

 

كانت تلك دعاية سياسية لم يكن يصدقها أحد.

 

فى حوار تليفزيونى واجه مذيع محسوب عليهم «محمود عزت»، الذى كان يوصف بالرجل القوي، بأن «الجماعة ليست مقدسة وفيها لصوص ونصابون».

 

لم يعلق بحرف واحد!

 

الانكشاف الأخلاقى الوجه الآخر للانكشاف السياسى بازدواجية الخطاب حسب مقتضى الظروف المتغيرة. 

 

فى سنوات «حسني مبارك» الأخيرة اضطرت الجماعة أن تدخل على قاموسها السياسي حتى لا تنعزل عن الحركة العامة فى المجتمع، مصطلحات تخالف ثقافتها المتوارثة مثل الديمقراطية والتعددية وطلب الاندماج فى قواعد اللعبة السياسية.

 

لم تحاول أن يستقيم اعترافها بالتعددية والديمقراطية مع ضرورات مراجعة تاريخها منذ نهايات عشرينيات القرن الماضى، أو أن تتخلى عن خطاب التبرير، أو التجهيل بحوادث لا سبيل إلى إنكارها كالتورط فى أعمال عنف واغتيالات سياسية.

 

كما لم تحاول بجدية أن تؤسس لعلاقات مع القوى السياسية الحية فى البلاد بلا استعلاء، أو توهم احتكار الحقيقة والحكمة.

 

فى أحاديثه للصحافة الغربية دأب «مبارك» على استخدام «فزاعة الإخوان المسلمين» لتسويغ التباطؤ فى الإصلاح السياسي والدستوري، فالانتخابات الحرة -كما كان يعتقد- قد تحملهم لمقاعد الحكم.

 

كانت مشكلة نظام «مبارك» أنه لم يحاول إصلاح بنية النظام من داخله وإرساء قواعد دولة مدنية حديثة فأفسح المجال لما حذر منه.

 

عند سقوط نظامه لم تكن هناك أحزاب وقوى مدنية مهيأة لكسب الانتخابات التى تلت ثورة «يناير».

 

فى أجواء القلق العام على ما يمكن أن تذهب إليه مصر تحت وطأة سيناريو «التوريث» تفاقمت تناقضات الجماعة، كأنها توشك على طي صفحة وجودها نفسه.

 

وصلت فوضى التصريحات وتناقضاتها بين المعارضة والتأييد فى لقاء صحفي ضم المرشد العام «مهدي عاكف» إلى اثنين من الصحفيين الأوروبيين «ريمجيو بيني» مدير الوكالة الإيطالية بالقاهرة، و«جاك ديكن» مراسل صحيفة «لايبر بلجيك» التى تصدر فى بروكسل.

 

قال بالحرف: «أرسلنا رسائل للنظام للحوار، غير أنه لم يرد علينا».

 

«نؤيد مبارك للترشح بشروط أهمها: إلغاء الطوارئ ولجنة الأحزاب والإفراج عن المعتقلين».

 

فى رد على سؤال افتراضي: «لو فزتم بالانتخابات التشريعية، وشكلتم حكومة ائتلافية، فمن أقرب الأحزاب إليكم؟». كانت الإجابة: «الأحزاب ضعيفة ولا نعتد بها»!

 

فى رد على سؤال آخر: «ما عددكم؟» كانت الإجابة: «محبونا بلا حصر»!

 

لم يكن انطباع المراسلين الصحفيين الأوروبيين إيجابيا، حيث بدا أمامهما خطاب «الإخوان المسلمين» متعدد الأوجه، يقول للرأي العام ما يريد أن يسمعه، ويقول للسلطة ما تريد أن تطمئن به، ويقول للغرب ما يرضيه!

 

بتوقيت مقارب تبدت إشارات ورسائل معلنة عن دور أمريكى محتمل فى تزكية صعود جماعة «الإخوان المسلمين».

 

كانت الإشارة الأهم ما قالته «كونداليزا رايس» وزيرة الخارجية الأمريكية فى ذلك الوقت من أن بلادها لا تمانع فى وصول الإسلاميين للسلطة، تلتها دعوة من الاتحاد الأوروبى لحوار مع جماعة «الإخوان المسلمين».

 

كان ذلك رهانًا مبكرًا على الوجود الإسلامي فى ترتيبات السلطة ما بعد «مبارك».

 

لم يكن السفراء والدبلوماسيون الغربيون بالقاهرة مرتاحين لإشارات تصدر من واشنطن وبروكسل عن حوارات جرت، أو قد تجرى بين الإدارة الأمريكية، أو الاتحاد الأوروبى، مع جماعات إسلامية خاصة «الإخوان المسلمين».

 

كان تقدير الدكتور «هيو روبرتس» مدير مشروع شمال أفريقيا فى مجموعة الأزمات الدولية ICG عند منتصف العقد الأول من القرن الجديد أن موقف الدبلوماسيين الغربيين بالقاهرة مفهوم وطبيعى، نظرا لما هو مطلوب منهم من أدوار فى تحسين العلاقات بين الدول والحفاظ عليها دون توترات قد تضر بمصالح استراتيجية.

 

سألت «هيو روبرتس» وموقعه فى أحد المراكز البحثية الدولية المرموقة يمكنه من أن يقترب من دوائر صنع القرار: هل هناك الآن قنوات حوار غير معلنة بين الإخوان المسلمين فى مصر والإدارة الأمريكية؟

 

كانت إجابته: «ليس لديه ما يؤكد أن هذا الحوار قد بدأ فعلا بأفقه الجديد، الذى دعت إليه «كونداليزا رايس» وقيادات فى الاتحاد الأوروبى.. لكن ما أستطيع أن أؤكده أن هناك طريقتين فى التفكير داخل دوائر صنع القرار، بل وداخل مؤسسات التفكير والأبحاث الأمريكية والغربية.

 

الأولى، تحاول أن تبحث فى الدستور عن مساحة لوجهة نظر إسلامية تدمج التيار الإسلامى فى بنية المجتمع المدنى والسياسى.

 

والثانية، تنظر للمشكلة من زاوية الجغرافيا السياسية، أو من وجهة نظر غربية محضة».

 

كان اعتقاد الدكتور «روبرتس» أن الحوار المطلوب من «كونداليزا رايس» ليس استكشاف التيار الإسلامى، وإنما العمل على ضمه إلى صفوف السياسة الأمريكية، لا تقبله كما هو، بل تطويعه لما تريد الولايات المتحدة.

 

فى أحوال ثورة «يناير» تماسكت الجماعة، التى كانت على وشك التصدع بأثر براجماتيتها الزائدة وتراجع الثقة العامة فى التزاماتها المعلنة، طلبا لسلطة انتظرتها عقودا طويلة.

 

كان ذلك ترميما مؤقتا لشروخ عميقة فى بنية الجماعة، التى وجدت الأبواب مفتوحة أمامها لـ«التكويش على السلطة»، تنكرت لوعودها الانتخابية، روعت القوى المدنية وخطفت الثورة نفسها.

 

بدا التناقض مروعا بين إرث «القطبيين» أعضاء تنظيم (1965)، الذى حكم على مجتمعه بالجاهلية بعد أن أحكموا قبضتهم على مكتب الإرشاد، وبين شعارات ثورة يناير وأهدافها فى طلب الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

 

كان مستلفتا فى (26) أغسطس (2007) ما صرح به مرشدها العام «مهدي عاكف»: «إيه العيب فى أن نتطلع إلى الحكم واللي يخاف مننا يخاف»!

 

لم يكن هناك عيبا، وفق القواعد الديمقراطية، أن يصل حزب ما إلى السلطة بصناديق الاقتراع، غير أن الكلام عن الخوف والتخويف بذاته تفزيع مسبق للمجتمع أفضت تداعيات منطقه لإطاحة الجماعة من الحكم بعد سنة واحدة من وصولها إليه.

 

سقطت الجماعة من داخلها، لأنه يستحيل موضوعيا التوفيق بين طلب الديمقراطية وتبعات السمع والطاعة.

 

هذه حقيقة نهائية.. والباقى تفاصيل.

 

 

▪︎نقلاً عن موقع الشروق

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس