البنوك .. الاتصالات .. الموانئ .. كيف يمكن أن تستغل الشرعية التصنيف الأمريكي لخنق مليشيا الحوثي؟ - تحليل
الجمعه 24 يناير 2025 - الساعة 01:17 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
مع إعلان البيت الأبيض في واشنطن عن قرار للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة تصنيف مليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية ، تتجه الأنظار نحو معرفة تداعيات هذه الخطوة في مشهد الصراع في اليمن وبقاء المليشيا من عدمه في هذا المشهد مستقبلا.
فالخطوة الأمريكية التي تأتي في ظل توجه غربي واضح بتحجيم الخطر الذي تمثله مليشيا الحوثي على الملاحة الدولية وعلى الاستقرار بالإقليم ، ترفع منسوب التفاؤل لدى خصوم المليشيا من اليمنيين في ان تساهم بهزيمتها ليغلق مع ذلك ملف الحرب التي اشعلتها في بلادهم منذ 10 سنوات.
ويأتي ارتفاع منسوب التفاؤل من خصائص التصنيف الجديد لترامب مقارنة بالتصنيف السابق لإدارة بايدن ، وعكس ذلك نص قرار الذي صادق عليه ترامب ، حيث أشار بوضوح الى أن سياسية أمريكا ستتمثل في "التعاون مع شركائها الإقليميين للقضاء على قدرات وعمليات أنصار الله، وحرمانها من الموارد".
ومن المعروف ان التصنيف الأمريكي للمليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) يعد من اشد درجات التصنيف وتُلحق المليشيا بمنظمات كالقاعدة وداعش والحرس الثوري الإيراني ، ما يعني تجريماً لأي تعامل او دعم من قبل أي دولة او كيان ، يضعه في دائرة العقوبات الامريكية.
وهو ما يفتح الباب واسعاً امام الخيارات المتعددة امام الشرعية المتمثلة في مجلس القيادة الرئاسي وحكومته في استغلال هذا التصنيف الأمريكي لتضييق الخناق على مليشيا الحوثي اقتصادياً ومالياً وتجفيف مصادر تمويلها بشكل كبير ، بصورة قد تسرع في هزيمتها عسكرياً او بانهيارها بتحرك شعبي بمناطق سيطرتها.
هذه الخيارات او الأوراق التي يمكن للشرعية ان تشرع في استخدامها بوجه مليشيا الحوثي مستغلة التصنيف الأمريكي الذي سيدخل حيز التنفيذ خلال 45يوماً بحسب نص القرار، تبرز في 3 ملفات هامة تشكل عصب حياة للمليشيا وهي البنوك والاتصالات وموانئ الحديدة.
البنوك
أولى وأهم فصول المواجهة التي يمكن ان تخوضها الشرعية متسلحة بالقرار الأمريكي بوجه مليشيا الحوثي هو ملف القطاع المصرفي ، وهي المواجهة التي أجبرت تحت الضغط السعودي بالقبول بالهزيمة امام المليشيا العام الماضي.
الهزيمة التي جاءت عبر تراجع مجلس القيادة الرئاسي عن القرارات التي أصدرها البنك المركزي في عدن لإلزام البنوك التجارية العاملة في اليمن بنقل مقراتها من صنعاء ، يمثل القرار الأمريكي فرصة سانحة لمحو عار هذه الهزيمة.
فالتصنيف الأمريكي للمليشيا كما يرى المهتمون بالشأن الأمريكي يُعد فرضاً بقوة لهذه القرارات بسطوة النفوذ الأمريكي على النظام المالي العالمي ، ما يجعل أي تعامل مصرفي يصب في صالح المليشيا الحوثي من قبل أي كيان مالي ، انتحاراً لهذا الكيان.
وهو ما تجسد واقعاً أواخر الأسبوع الماضي في العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الامريكية على بنك اليمن والكويت وهو أحد البنوك الستة التي رفضت قرارات البنك المركزي في عدن ، حيث أعلن البنك بعد يوم من القرار توقف كل تعاملاتها المالية بالنظام المالي العالمي ، واقتصار نشاطه على تقديم خدماته المحلية لعملائه في اليمن.
وتدرك المليشيا الحوثي ان انتزاع قبضتها على القطاع المصرفي يُعد ضربة عنيفة تحرمها من تمويل أنشطتها الإرهابية بالعملة الصعبة التي تحصل عليها من خلال هذه البنوك التجارية الـ 6 ومن خلال شبكة مالية واسعة من شركات الصرافة والتحويلات التي باتت اليوم في مرمى العقوبات الامريكية ، ستجد معها المليشيا صعوبة كبيرة في الوصول الى النظام المالي العالمي.
الاتصالات
ومن البنوك والقطاع المصرفي الى ملف الاتصالات الذي يمكن اعتباره بـ"منجم الذهب" بالنسبة للمليشيا ، وما تحصل عليه من عائدات بمئات ملايين الدولارات سنوياً جراء احتكارها لتقديم خدمة الانترنت وسيطرتها على شركات الهاتف المحمول التي تعمل في اليمن.
احتكار وسيطرة حوثية على ملف الاتصالات ساهم فيه الفشل الذريع والمستمر للشرعية في كسر هذه السيطرة حتى على مستوى المناطق المحررة التي لا تزال حتى اليوم تحت رحمة شركات الاتصال الخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية.
ويُعد السبب الأول لهذا الفشل الحكومي في استمرار التعامل خارجياً مع شركة الاتصالات "تيليمن" الخاضعة لسيطرة الحوثي في صنعاء ورفض التعامل مع الإدارة التي عينتها الشرعية في عدن ، وتجلى ذلك في أزمة تشفير الكابل البحري AAE-1 عام 2018م وتسبب ذلك في ضرب مشروع عدن نت الذي كان يُعول عليه في كسر قبضة المليشيا على ملف الاتصالات.
حيث أكدت تقارير حكومية وبرلمانية رفض تحالف الشركات الذي يُدير الكابل البحري AAE-1 بالتعامل مع إدارة تيليمن في عدن لإعادة تشغيله وربطه مع بوابة عدن الدولية والإصرار على التعامل مع الإدارة الحوثية في صنعاء.
وهنا تبرز أهمية استغلال الحكومة الشرعية للتصنيف الأمريكي في انهاء أي تعامل مع إدارة "تيليمن" الخاضعة لسيطرة الحوثي في صنعاء باعتباره تعاملاً ودعماً وتمويلاً لكيان مصنف على قوائم الإرهاب أمريكيا وما يعني ذلك من خطر العقوبات الأمريكية.
بل يمكن للحكومة الشرعية استغلال الأمر في تهديد المليشيا بقطع خدمة الانترنت عن مناطق سيطرتها بشكل نهائياً بوقف نشاط شركة "يمن نت" التي تحتكر تزويد الخدمة عبر الكابل البحري "فالكون" ، بالزام المشغل لهذا الكابل وقف تعامله مع مليشيا مصنفة أمريكيا بقوائم الإرهاب.
الموانئ
والى جانب ملفي البنوك والاتصالات ، يأتي ملف موانئ الحديدة التي لا تقل أهمية عن ملف الاتصالات من حيث العائدات الهائلة التي تتحصلها المليشيا كرسوم وجبايات عن البضائع الواصلة الى موانئ الحديدة الثلاث (الحديدة – الصليف – رأس عيسى ) ، وتضاعفت هذه الإيرادات عقب اتفاق الهدنة المعلن في ابريل 2022م والذي تم بموجبة رفع قيود التحالف العربي عنها.
كما تضاعفت الإيرادات خلال العامين الماضيين بعد نجاح المليشيا في اجبار التجار والشركات على الاستيراد عبر هذه الموانئ الخاضعة لسيطرتها بدلاً عن الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
ورغم تأثر موانئ الحديدة بالضربات الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية ، تُبدي المليشيا الحوثية اصراراً على استعادة نشاطها بشتى السُبل ، الا أن ذلك قد يواجه صعوبات عقب التصنيف الأمريكي الذي يمكن ان تستغله الشرعية لصالح عودة نشاط الموانئ المحررة.
الدعوة لاستغلال الشرعية للتصنيف الأمريكي لا تعني استهداف حياة اليمنيين بمناطق سيطرتها والمعتمدين على البضائع الواردة من موانئ الحديدة ، ولكن استهدف الاستغلال الحقيقي الذي يعود للمليشيا من نشاط هذه الموانئ.
فالفائدة الأهم بالنسبة للمليشيا من موانئ الحديدة تتمثل في شحنات الغاز والمشتقات النفطية التي تمنحها إيران لها بشكل مجاني ، وتحول المليشيا عائدات بيعها في مناطق سيطرتها لصالح مشروعها العسكري.
وهنا يأتي دور الشرعية وحكومتها في ضرب ذلك عبر ملاحقة سلسلة التوريد لهذه الشحنات الإيرانية وشركات النقل البحري المتورطة في تسهيل وصولها الى موانئ الحديدة ، بسيف العقوبات الامريكية ، وتوجيه ضربة مؤلمة للمليشيا الحوثي.
ما سبق يمكن اعتباره ملامح وخطوط عريضة لما يمكن ان تتحرك في إطاره مجلس القيادة الرئاسي والحكومة وكافة مؤسساتها لاستغلال التصنيف الأمريكي لتضييق الخناق على مليشيا الحوثي، في حالة وجود إرادة حقيقة لخوض معركة الخلاص من هذه المليشيا.