لا حقوق للمرأة في غياب حقوق الرجل
الخميس 03 مارس 2016 - الساعة 08:16 صباحاً
دكتور/ عبدالعزيز المقالح
مقالات للكاتب
لا تحتاج المرأة إلى من يشهد لها بالتفوق والقدرة على تسيير الأعمال الموكلة إليها بنجاح تام، وقضيتها ليست في إثبات كفاءتها وجدارتها واقتدارها على تحمل المسؤولية بقدر ما هي قضية مشتركة،
تتجلى في غياب الإنصاف والعدل لها ولشريكها الرجل الذي لا يزال مثلها يعاني تمييزاً آخر يتمثل في احتكار السلطة ووظائفها للطائفة أو الحزب ولاعتبارات خارجة على منطق العدل والمواطنة المتساوية، والاحتفائية منقطعة النظير التي رافقت اليوم العالمي للمرأة هذا العام في الوطن العربي كانت مثيرة للتأمل، فقد شاركت فيها كل الأقطار العربية بما فيها تلك التي لا تحظى فيها المرأة بأدنى اهتمام، ولا ندري إذا كانت تلك الاحتفائية الاستثنائية تعبِّر عن اعتراف ولو متأخر بمظلومية المرأة وما عانته من تهميش وتجهيل مبرح وممنهج، أم أنها استجابة مؤقتة للهجوم الذي تشنه الأنظمة الغربية متهمة الأنظمة العربية بالإساءة لوضع المرأة وحرمانها من حقوقها؟
وبعيداً عن هذا أو ذاك، وعن إفراط بعضهم في دغدغة المشاعر والتظاهر بالتعاطف السلبي مع المرأة ينبغي أن يدرك الجميع - رجالاً ونساء- أن المجتمعات المقموعة والخاضعة للتقاليد والأنظمة الاستبدادية لا يقتصر فيها الاضطهاد على المرأة وحدها بل والرجل أيضاً فكلاهما يعاني الحرمان وفقدان أبسط الحقوق وأن الادعاء بأن الرجل العربي قد أحرز حقوقه أو بعضها ما هو إلاّ ادعاء خاطئ وأجوف ولا يعتمد على حقائق الواقع وما يطرحه يومياً ومنذ عقود طوال من إهدار لإنسانية الغالبية من الرجال وسلب لحقوقهم السياسية والاجتماعية، ومن حقنا أن نعترف وأن نقولها بصوت مرتفع بأن الرجل العربي - في المدينة والريف- لا يزال محروماً من حقوقه، وأنه لا يزال يجرجر القيود ليس في قدميه إنما في عقله وواقعه المزري. ومن هنا فإن وصول الرجل العربي إلى ما يفتقده من حقوق سيوفر للمرأة العربية كل حقوقها، فالواقع في عمقه يثبت لا بظاهره أنهما - المرأة والرجل- شقيقان في العبودية وفي الحرية.
كما ينبغي أن ندرك أن مشكلة المرأة في الوطن العربي واحدة من المشكلات الثقيلة التي تواجه هذا الوطن، وحلها يتوقف على حل المشكلات الأصعب وفي مقدمتها مفهوم المواطنة وتحويله إلى قانون وطني يعطي لكل مواطن الحق في أن ينتمي إلى الوطن الذي ولد فيه ويسكنه، وأن له جزءاً من ترابه وأشجاره وهوائه وأحجاره. وأنه ليس إنساناً فائضاً عنه، كما أن مواطنته تفرض له حقوقاً وتفرض عليه واجبات، وما يؤسف له أن هذه المشكلة - مشكلة المواطنة- بقيت خارج التعاطي السياسي وحين بدأ الحوار بشأنها ضاقت بعض النفوس وأصابها قدر من الحساسية اللاوطنية فقد ألفت على تقسيم المواطنين إلى طبقات، وليس إلى طبقة واحدة قد تختلف حظوظها في الرزق، لكنها متساوية وطنياً ولها حق الانتخاب والاعتراض وتسلم الأعمال الإدارية وفقاً للكفاءة والقدرة على تسيير الأمور، وإذا ما تحققت المواطنة وفقاً لهذا المنظور الديني والإنساني والأخلاقي فإن حقوق المرأة وهي مواطنة تنتمي إلى الوطن ستغدو حقوقها أمراً واقعاً وثابتاً. وهذا ما حدث في شعوب كثيرة جعلت من المواطنة المتساوية مبدأ.
لابد - والحديث عن حقوق المرأة- من الحديث عن الضغوط التي تمارسها بعض الدول الكبرى المهيمنة التي تسعى إلى أن تجعل منها قضية سياسية تطرحها متى تشاء وفي وجه أنظمة بعينها، لابد أن نتذكر أن المرأة في الولايات المتحدة ظلت مسلوبة الحقوق الانتخابية إلى أواخر ثلاثينات القرن الماضي، وأن كثيراً من حقوقها الاجتماعية والقانونية لا تزال مستلبة حتى الآن. كذلك الدول الأوروبية التي تأخر فيها حق المرأة في الانتخابات إلى ما يقرب من خمسين عاماً. وهذه الإشارة لا تعني أننا في الوطن العربي قد أوفينا المرأة حقها في هذا المجال، فلا تزال هذه الحقوق شكلية في بعض الأقطار ومعدومة نهائياً في بعضها الآخر، ومع ذلك لا يصح أن نتجاهل الأولويات، وأن نبدأ من الأهم لكي ننتقل إلى المهم، والأولوية في الوطن العربي تتجلى في ضرورة الاتفاق على مبدأ الشراكة في بناء الوطن، وطن الرجال والنساء وطن الحرية والعدل والمواطنة المتساوية في الواقع العملي لا في الدساتير على الورق.