بين كارثة صفقة "بلحاف" وابتزاز الحوثي .. تسخير ثروة الغاز في الكهرباء كضرورة ملحة
الثلاثاء 04 مارس 2025 - الساعة 02:08 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - المحرر الاقتصادي

في تصريح له الشهر الماضي ، أعاد وزير النفط بالحكومة اليمنية سعيد الشماسي التذكير بملف الغاز الشائك بالحديث عن احتياطات اليمن ومسألة إعادة التصدير المتوقفة منذ اندلاع الحرب قبل 10 سنوات.
الشماسي وخلال مشاركته لمؤتمر حول الطاقة عُقد في مصر ، قال أن توقُّف صادرات الغاز المسال جاء نتيجة للهجمات التي تشنها ميليشيات الحوثي، وان استئناف عملية تصدير مرهون بوقف الدعم الإيراني إلى جماعة الحوثي.
وعلى الرغم من ان توقف عملية تصدير الغاز عبر منشأة بلحاف الواقعة في محافظة شبوة جرى مع بداية الحرب ولم يكن لها علاقة بهجمات مليشيا الحوثي ، الا أن تصريح الوزير يُشير الى ان ملف الغاز بات ضمن ملف النفط الذي توقف تصديره عقب هجمات المليشيا للمطالبة بتقاسم الإيرادات.
والى جانب الابتزاز الذي تمارسه مليشيا الحوثي وعجز الواضع في جانب الشرعية في كسر هذا الابتزاز واستئناف تصدير النفط والغاز ، الا أن تحديات وإشكاليات أخرى خاصة بملف الغاز تقف امام مسألة تصديره.
كارثة الاتفاقية
أولى هذه التحديات التي ستواجه عملية استئناف تصدير الغاز في حالة التغلب على الابتزاز الحوثي ، هي في إحياء المعارضة القديمة ضد مشروع الغاز والإجحاف الذي تعرضت له اليمن في اتفاقية المشروع مع الشركات الأجنبية وعلى رأسها توتال الفرنسية.
فالاتفاقية التي ابرمت عام 2005م وجرى بموجبها انشاء مشروع بلحاف لتصدير الغاز بدءً من عام 2009م وضعت شروطاً مجحفة بما يخص الأسعار من قبل توتال والشركات الأجنبية المساهمة في المشروع على حساب الحكومة.
حيث ربطت الاتفاقية احتساب أسعار الغاز المسال بشكل غريب بسعر برميل النفط وبسقف لا يتجاوز 40دولاراً للبرميل ويبقى حينها سعر الغاز ثابتاً ، مهما كان سعره في السوق العالمية مرتفعاً.
وفي دراسة له كشف الخبير الجيولوجي الدكتور عبدالغني جغمان وفقاً لأرقام الحسابات النفطية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، بان عائدات اليمن من المشروع خلال 6 سنوات من التصدير ( 2009- 2015م سنة التوقف) ، بنحو 1.207 مليار دولار وفي المقابل حصد الشركاء الأجانب ما يقارب من 12 مليار دولار صافي أرباح)، مع استرداد كافة النفقات الرأسمالية والتشغيلية البالغة 6.617 مليار دولار وذلك باحتساب سعر بيع الغاز المنخفض.
وسبق وان نظم معارضون ونشطاء احتجاجات عديدة خلال سنوات التصدير للمطالبة بتعديل الاتفاقية ورفع الاجحاف والظلم الذي تعرضت له اليمن من خلالها في ظل تحذيرات لخبراء بان خسارة البلاد من الاتفاقية في حالة استمرار المشروع حتى نهاية الاتفاقية (25عاماً) ستتجاوز الـ 100مليار دولار.
ولا تقف فداحة الأمر عند كارثة العائدات ، بل في كارثة أخرى تتعلق بالتحايل الذي قامت به الشركات الأجنبية في مشروع بلحاف للالتفاف حول الحصة المقدرة من احتياطيات الغاز الطبيعي لمشاريع الكهرباء.
وبحسب دراسة أخرى للخبير الجيولوجي الدكتور عبدالغني جغمان فإن اتفاقيات تطوير الغاز الذي ابرمتها الحكومة مع توتال عام 1995م، حدد حصة من مخزون الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية بنحو (3.6) تريليون قدم مكعب ، الا تحايل الشركاء الاجانب (هنت وتوتال) في مشروع الغاز (بلحاف) نجح في تحديد حصة الكهرباء بكمية (1) تريليون قدم مكعب فقط.
حاجة الكهرباء
كارثة الأسعار مع التحايل على الكمية المخصصة للكهرباء ونجاح الشركاء الأجانب في الاستحواذ على نحو 90% من احتياطيات اليمن من الغاز المقدرة حينها بـ 18تريليون قدم مكعب يطرح تساؤلاً عن جدوى الاستمرار في مشروع تصدير الغاز عبر بلحاف ، بالنظر الى الأزمة الحادة التي تعاني منها اليمن وتحديداً المناطق المحررة في الكهرباء.
وعلى الرغم من ان تصريحات وزير النفط تُشير الى ارتفاع احتياطات اليمن من الغاز من 18تريليون قدم مكعب الى 20 تريليون قدم مكعب قد تعني وجود كمية تريليوني قدم مكعب من الغاز خارج عبث توتال وشركائها، الا ان الرقم يظل محدوداً بالنظر الى حاجة اليمن من الكهرباء.
فالوزير ذاته يُقر في تصريحه بأن "اليمن يواجه أزمة طاقة حادة ونقصًا في إمدادات الوقود لمحطات الكهرباء"، خاصة مع بقاء اعتماد المناطق المحررة في توليد الكهرباء على الوقود الأعلى تكلفة وهو الديزل والمازوت ، مع عدم القدرة على الاعتماد كلياً بمشاريع الطاقة المتجددة نظراً لارتفاع كلفتها ولأسباب أخرى تتعلق بالظروف المناخية التي تؤثر عليها.
ما يجعل من توليد الكهرباء بوقود الغاز خياراً مثالياً تدعو اليه الأمم المتحدة لمعالجة احتياج اليمن من الكهرباء خلال السنوات والعقود القادمة ، بحسب ملخص لخطة الاستثمار في الطاقة المتجددة والمختلطة في اليمن نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) العام الماضي.
حيث اشارت الخطة الى أن الطلب على الكهرباء في البلاد وصل حتى عام 2020 نحو 3800 ميجا وات ، وتتوقع ان يصل الى 4700 ميجا وات هذا العام 2025م ، ونحو 6 الالاف ميجاوات بحلول عام 2030 ، و 14,000 ميجا وات بحلول عام 2050م.
وتقترح الخطة الأممية خليطاً من المشاريع في مجال التوليد بالطاقة المتجددة وبين محطات قائمة على نظام الدورة المركبة لوقود الغاز ، الا أنها تشدد هنا على التحقق من احتياطيات الغاز في اليمن من أجل تقييم العائد الاقتصادي لمحطات توليد الكهرباء المقترحة التي تعمل بالغاز في خطة الاستثمار.
مشيرة الى العرض الذي قدمه فريق وزارة النفط والمعادن حول إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي في اليمن، والتي بلغت 18 تريليون قدم مكعب، مع تخصيص تريليون قدم مكعب فقط للاستهلاك المحلي، بما في ذلك توليد الكهرباء.
أي ان الخطة الأممية تُعيد تسليط الضوء على كارثة اتفاقيات الغاز والنسبة الضئيلة التي تم تخصصيها للكهرباء وهي تخصيص تريليون قدم مكعب فقط ، وهي كمية تكفي فقط لتوليد 1000ميجاوات لمدة 20 عاماً ، في حين ان حاجة العاصمة عدن وحدها وصل الصيف الماضي الى نحو 750ميجاوات.
ارقام وحقائق تؤكد ضرورة مراجعة ملف تصدير الغاز عبر الاتفاقية الكارثة وان الأمر لا يقتصر فقط على تعديل الأسعار، بل في ان يكون الهدف الأول هو تأمين احتياطيات كافية لتأمين حاجة البلاد من الكهرباء خلال العقود الماضية ، وان هذا الخيار هو الأفضل والأجدى بل ويخفف على الشرعية من ابتزاز الحوثي في هذا الملف.