إذلالٌ إعلامي لفقراء اليمن

الاربعاء 19 مارس 2025 - الساعة 09:10 مساءً
المصدر : الرصيف برس - المشاهد نت

 


- جمال الصامت 

 

محمد صالح (اسم مستعار)، أبٌ لثلاثة أطفال، من محافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، يعيش ظروفًا معيشيةً صعبة. تراكمت عليه الديون، وضاقت به السُبل؛ حتى تواصل معه أحد العاملين ببرنامج تلفزيوني يقدم المساعدات للمحتاجين.

 

شعر صالح للحظة بأن بابه المغلق قد يفتح أخيرًا. ورغم أنه لم يكن مرتاحًا لفكرة الظهور أمام الكاميرات، لكنه أقنع نفسه بأنه مجرد إجراء صغير لتوفير احتياجات أطفاله.

 

جلس صالح أمام المذيع، يحاول أن يروي قصته بصوت ثابت، لكن الأسئلة التي وُجِّهت إليه كانت أكثر إيلامًا مما تخيَّل. كانت الكاميرا تقترب منه لتلتقط كل تعبيرات وجهه، التي حاول أن يخفيها. في تلك اللحظة، أدرك أن حاجته للدعم لم تعد مجرد معاناة يعيشها في صمت. بل أصبحت مشهدًا معروضًا على الشاشة، وأن كرامته باتت على المحك.

 

*مواقف منكسرة*

 

وتسعى بعض البرامج الإعلامية الخيرية بالقنوات اليمنية خلال شهر رمضان، إلى تسليط الضوء على المساعدات بشكل دعائي للترويج لرعاة البرامج. ما يجعل الفقراء المستفيدين من هذه المساعدات مجرد مادة دعائية، ووسيلة دعاية لجذب المشاهدين.

 

هذا التوجه لا يقتصر على إظهار المساعدات بشكل مبتذل. بل يتسبب في شعور من يتلقى تلك المساعدات بالإهانة.

 

ويعاني اليمنيون ظروفًا معيشية وإنسانية هي الأسوأ على مستوى العالم، بحسب تقارير أممية ودولية. كما أن منظمات إغاثية عملت على تقليص حجم مساعداتها لليمنيين؛ ما ضاعف الأزمة الإنسانية في البلاد.

 

يقول محمد صالح لـ«المشاهد»: “عندما رأيتُ نفسي على شاشات التلفزيون خلال شهر رمضان، شعرتُ بالخجل والألم في ذات الوقت. لم أكن أرغب في أن يعرف أحد حجم معاناتي، فقد كنتُ أحاول فقط إنقاذ أطفالي من الجوع. ولم أتوقع أن أصل إلى هذا الوضع الذي أجد فيه نفسي على شاشة تلفزيون ويشاهدني الناس”.

 

ويضيف: “كنتُ أظن أن المساعدة ستتم بطريقة تحفظ كرامتي، لكني فوجئتُ بأن معاناتي باتت معروضةً أمام الجميع. كانت لحظة قاسية عندما شاهدني أبنائي على الشاشة، ضعيف ومنكسر، لم أكن أتمنى أن يروا أباهم في موقفٍ كهذا. وتمنيتُ حينها لو لم أكن موجودًا في تلك اللحظة، كنتُ أريد إنقاذهم، وليس أن أتحول كمصدر شفقة أمامهم وأمام الناس”.

 

ويستطرد محمد بصوت مرتجف: “لم أكن أعلم أن قبولي للعون سيتحول إلى عرضٍ مأساوي، ووجدتُ نفسي في موقف أشبه بالاستجواب. حيث تم استعراض فقري وتفاصيل حياتي الخاصة أمام آلاف الناس.

 

حتى أطفالي، الذين كنتُ أحاول حمايتهم من قسوة الحياة، أصبحوا جزءًا من هذا المشهد المؤلم. ولم أكن أملك إجابةً تُرضيهم، بل شعرتُ بالذنب لأنني لم أستطع حمايتهم من هذا الإحراج والمذلة”، يقول صالح.

 

*استغلال الفقراء*

 

أثارت هذه البرامج ردود فعل غاضبة لدى المواطنين في اليمن. وسط مطالبات بوضع ضوابط رقابية للحفاظ على كرامة المحتاجين.

 

تقول إيما محمد، إحدى المشاهدات لهذه البرامج: “إن ما يحدث في بعض البرامج الإعلامية الخيرية هو استغلال فجّ لمعاناة الفقراء. وتضيف لـ«المشاهد»: فبدلًا من مساعدتهم بكرامة، يتم تصويرهم في لقطات مذلة وكأنهم مجرد محتوى لجذب المشاهدات”.

 

وتتابع: “أشعر بالألم عندما أرى شخصًا مكسورًا على شاشة التلفزيون، يضطر للكشف عن أدق تفاصيل حياته؛ فقط للحصول على القليل من المساعدة. كما أن المذيع يتحدث وكأنه يمنّ عليهم بالمساعدة، بينما هم مجبرون على إظهار ضعفهم ليحصلوا على ما يحتاجونه”.

 

وزادت: “هذه البرامج تمزق كرامة الإنسان أمام الملايين. وتحوّل معاناته إلى مشاهد دعائية بدلًا من أن تكون فعل خير حقيقي يحفظ كرامته”.

 

*الخير لا يحتاج لكاميرات*

 

يعتقد الإعلامي إبراهيم الجحيشي “أن العمل الخيري الحقيقي لا يحتاج إلى عدسات الكاميرات ليكون مؤثرًا. بل يعتمد على النية الصادقة والرغبة الحقيقية في مساعدة الآخرين”.

 

كما أن احترام كرامة المحتاجين يجب أن يكون في صميم كل مبادرة إنسانية، لضمان أن يبقى العطاء فعلًا نبيلًا. وليس مجرد مشهدٍ للاستعراض، وفقًا للجحيشي.

 

ويقول لـ«المشاهد»: “إن بعض البرامج الخيرية، بالقنوات ومنصات التواصل، تستغل معاناة الفقراء لرفع نسب المشاهدة وجذب الإعلانات وزيادة الإيرادات. فبدلًا من أن تكون هذه البرامج وسيلة لتخفيف الألم، أصبحت أداةً لتعميق جراح المحتاجين. حيث يتم تحويل قصصهم إلى دراما تلفزيونية؛ مما يعد انتهاكًا صارخًا لأخلاقيات المهنة الإعلامية”.

 

الجحيشي يرى أن هناك حاجة مُلحّة لإعادة النظر في كيفية تقديم هذه البرامج الإعلامية، لضمان احترام كرامة وخصوصية المستفيدين. وأن الإعلام الحقيقي يجب أن يكون صوتًا للضعفاء، وليس أداةً لاستغلالهم.

 

فالمحتاجون يبحثون عن يدٍ تمتد إليهم بالعون، لا عن كاميرا تُذلهم وتستعرض معاناتهم أمام الناس، بحسب الجحيشي. داعيًا وزارة الإعلام -بوصفها الجهة المعنيةـ إلى وضع ضوابط رقابية على البرامج الخيرية التلفزيونية التي تبث خلال شهر رمضان.

 

ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن بعض الإعلاميين، للأسف، لم يعودوا في بعض الحالات ناقلين للحقيقة ومدافعين عن قضايا الناس. بل تحولوا إلى مجرد ممثلين إعلانيين، يمارسون الدعاية والترويج، حتى لو كان ذلك على حساب معاناة الفقراء والمحتاجين. مما يعكس تدنيًا في مستوى المهنية والإنسانية.

 

*خصوصية المستفيدين*

 

يرى الناشط الحقوقي بمحافظة تعز، أحمد طه المعبقي، أنه من الضروري احترام كرامة المستفيدين أثناء تقديم المساعدات الإنسانية. وتجنب استعراض معاناة الأفراد بطريقة تنتهك حقوقهم أو تستغل احتياجاتهم لأغراض إعلامية أو تجارية.

 

ويعتبر المعبقي أن احترام كرامة الفقراء حق إنساني كفلته التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية. وأضاف: المساعدات المقدمة يجب أن تكون غير مشروطة، مع ترك حرية القبول أو الرفض للمستفيدين.

 

موضحًا أن البرامج التي تسلط الضوء على العمل الخيري يجب أن تركز على جوهر العمل الإنساني وأهمية تخفيف المعاناة. كما عليها تجنب الدخول بتفاصيل شخصية تخص المستفيدين، أو تحويل احتياجاتهم لمادة إعلامية بهدف جذب الجمهور أو تحقيق أرباح تجارية.

 

ولتفادي أي انتهاك لحقوق المستفيدين، دعا المعبقي إلى التقيُد بعدد من الضوابط. أبرزها: الحصول على موافقة واضحة وصريحة من المستفيدين قبل عرض قصصهم إعلاميًا. وتوفير معلومات دقيقة لهم حول طبيعة التغطية الإعلامية وأهدافها.

 

إضافةً إلى حماية هوية المستفيدين أثناء التغطية الإعلامية، عبر إخفاء وجوههم أثناء التصوير، وعدم الكشف عن تفاصيل تؤدي للتعرف عليهم. بما يضمن احترام خصوصيتهم ويحافظ على كرامتهم دون انتقاص، التزامًا بالمعايير الحقوقية والإنسانية.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس