انبطاح عسكري وحصار اقتصادي وتخاذل الداعم .. مليشيا الحوثي ومأزق القفز في الهواء
السبت 22 مارس 2025 - الساعة 02:23 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي

" مقاتلات البحرية الأمريكية لا تنام" ، بهذه العبارة تلخص القيادة المركزية بالجيش الأمريكي مشهد استمرار الغارات على مواقع مليشيا الحوثي في اليمن ، وسط تصاعد للمأزق التي تعاني منه المليشيا في التعامل مع هذا المشهد.
فاستمرار الغارات لليوم السادس على التوالي وباتت خبراً معه مألوفاً ، أكدت على عزم الإدارة الامريكية بقيادة ترامب في القضاء على قدرات مليشيا الحوثي وإزالة خطرها على الملاحة الدولية وملاحة واشنطن المدنية والعسكرية وكذا على حلفائها وعلى رأسهم اسرائيل.
كما كشف استمرار هذه الغارات على الحقيقة العسكرية لمليشيا الحوثي وعجزها عن مجاراة الآلة العسكرية الفتاكة لواشنطن ، وتجسد ذلك بإعلانها للمرة الخامسة استهداف حاملة الطائرات ترومان القاعدة الأساسية التي تنطلق منها الغارات لاستهداف مواقعها.
والى جانب هذا العجز ، يظهر جلياً محاولات المليشيا التقليل من تأثيرات هذه الغارات على قدراتها البشرية والمادية ، الا أن التعميم الشديد الذي تفرضه على الأرض يُشكك في الأمر.
فالمليشيا تمنع وبقوة أي توثيق للمواطنين في مناطق سيطرتها للأماكن المستهدفة رغم انها تزعم انها مواقع مدنية وان الضحايا هم مدنيون ، بل ان المليشيا وعبر ناطق حكومتها وجهت المواطنين بمنع النشر على مواقع التواصل الاجتماعي عن مقتل أي قريب لهم جراء هذه الغارات.
وهو سلوك يشير بشكل واضح الى ان المليشيا تتكتم على خسائرها جراء هذه الغارات التي تقول واشنطن انها قتلت عشرات من قيادي المليشيا واستهدفت عشرات من مخازن الأسلحة والصواريخ والطيران المُسير وورش تجميعها.
تخاذل الحليف
هذا المشهد العسكري المعقد للمليشيا في مواجهة أمريكا ، يتزامن مع ما يشبه التخاذل السياسي تتعرض له المليشيا من قبل داعمها المتمثل بالنظام الإيراني ، الذي بات اليوم يبحث عن النجاة بنفسه بعد ان دفع المليشيا بالأمس الى اتخاذ قرار التصعيد تحت لافتة حصار قطاع غزة.
حيث كشفت تصريحات ومواقف إيرانية خلال الساعات الماضية ، عن تخلي طهران بإسناد مليشيا الحوثي في مواجهتها الحالية مع آلة الحربية الامريكية، بعد ان أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ اليوم الأول لبدء الغارات الجوية على مليشيا الحوثي بأنها رسالة لنظام طهران.
هذا التخلي تجسد في تصريح المرشد الإيراني، علي خامنئي، اليوم الجمعة، قال فيه بإن طهران لا تحتاج إلى وكلاء في المنطقة، وإن الحوثيين في اليمن "يتصرفون بشكل مستقل" وأن لهم "دوافعهم الخاصة" في التصرف.
وبالتزامن مع هذا التصريح ، كانت تقارير إعلامية قد كشفت عن إخلاء مليشيا الحوثي ال لمقر تابع لها وسط العاصمة العراقية بغداد، بطلب جاء "بلهجة حادة من الإطار التنسيقي" ، وهو التحالف الذي يضم المليشيا والقوى العراقية الشيعية الموالية لإيران.
وسبق ذلك تقارير اشارت الى ان رئيس وزراء العراق الأسبق عادل عبدالمهدي وهو أحد ابرز القيادات الشيعية الموالية لإيران ووصل الى صنعاء يوم الأربعاء الماضي ، يحمل رسالة من طهران الى المليشيا لخفض التصعيد مع أمريكا.
خناق اقتصادي
التخاذل او التخلي الإيراني عن تحمل تبعات التصعيد ليست المعضلة الوحيدة التي تعاني منها المليشيا الحوثي ، بل ان الملف الاقتصادي يبدو بأنه يمثل المأزق الأهم للمليشيا في سياق المواجهة المفتوحة مع أمريكا.
وتجلى ذلك واضحاً بالموقف الذي صدر عن المليشيا اليوم الجمعة على لسان مصدر في البنك المركزي التابع لها في صنعاء ، معلقاً على إعلان البنك المركزي اليمني في عدن والمعترف به دولياً قبل 5 أيام.
حيث أعلن البنك عن تلقيه بلاغاً خطياً من 8 بنوك تجارية تمثل اهم وأكبر البنوك رغبتها نقل مراكزها وأعمالها من صنعاء إلى العاصمة عدن، تفادياً للعقوبات الأمريكية نتيجة تصنيف مليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية اجنبية.
هذا الإعلان اعاد للمليشيا المعركة التي خاضتها المليشيا العام الماضي العام الماضي لوقف قرار البنك المركزي في عدن بنقل مقرات هذه البنوك من صنعاء الى عدن ، ووصل الأمر الى تهديدها بالحرب ضد السعودية لإجبار الشرعية بوقف القرار وهو ما استجابت له الرياض لاحقاً.
الا أن الأمر الآن يتزامن مع ما تواجه المليشيا من سياسية أمريكية واضحة لتجفيف مصادر تمويلها ضمن خطوات تنفيذ قرار التصنيف الذي يُجرم تقديم أي دعم او تسهيل مالي للمليشيا ، وفي هذا السياق كان لافتاً إعلان واشنطن حظر وصول المشتقات النفطية الى موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة المليشيا ابتداء من الثاني من ابريل القادم.
وقد يزداد الأمر سوء في وجه المليشيا مع التقارير التي تتحدث عن إمكانية قيام الإدارة الامريكية بإغلاق كامل لموانئ الحديدة ومطار صنعاء الخاضع لسيطرة المليشيا ما يعني قطع لأهم مواردها وإغلاق لنافذتها الوحيدة للعالم.
القفز بالهواء
وإزاء هذا المشهد القاتم الذي تواجهه مليشيا الحوثي ، يبدو بأنها قد تلجأ الى خيارات انتحارية لتفجير الوضع وتصعيد المشهد الى اقصى حد كورقة أخيرة للحصول على صفقة تعيد الأوضاع الى ما قبل التصعيد الأمريكي الأخيرة.
وبرز ذلك في التهديدات التي أطلقتها المليشيا على لسان المصدر في بنك صنعاء التابع لها الذي حمل السعودية والامارات مسئولية قرار البنوك التجارية بالانتقال الى عدن ، مهدداً " النظام السعودي بتحمل مسئولية تبعات الخطوة".
المليشيا هددت بشكل واضح بالحرب ، حيث اعتبرت إتمام انتقال البنوك "إخلالاً صريحا باتفاق الهدنة وانقلابا مباشرا على كافة التفاهمات التي تمت سابقا" ، في إشارة الى الاتفاق الذي اعلنه المبعوث الأممي منتصف العام الماضي لإلغاء قرارات البنك المركزي بعدن.
إدراك المليشيا الحوثي بان خطوة البنوك جاءت خوفاً من العقوبات الأمريكية ولا علاقة لها بأي توجه اماراتي او سعودي ، يُشير الى تلويح المليشيا باتخاذ الأمر كذريعة لتفجير الوضع بشكل واسع واستئناف الحرب كورقة أخيرة للهروب من المأزق الحالي.
خيار مُكلف لا يُستبعد ان تلجأ له مليشيا الحوثي في ظل المأزق الذي تعاني منه حالياً وعلى مختلف الأصعدة (سياسياً وعسكرياً واقتصادياً) يدفعها نحو استخدام كل اوراقها والمراهنة على ذلك حتى وان بدأ الأمر اشبه بالقفز في الهواء انتحاراً.