الإرهاب.. موسم الطائرات المسيرة!
الاربعاء 26 يناير 2022 - الساعة 07:03 مساءً
د. صادق القاضي
مقالات للكاتب
حتى اليوم على الأقل، أخطر الأسلحة غير التقليدية التي استخدمتها الجماعات الإرهابية، طوال تاريخها، هي الطائرات المدنية المخطوفة، كمقذوفات لضرب أهداف مدنية أو عسكرية. كما فعلت "منظمة القاعدة" في 11 سبتمبر، 2011م.!
سقطت أكثر من دولة بسبب تلك العملية، بينما قامت دول العالم بتبني سياسات أمنية صارمة، خاصةً على صعيد الملاحة الجوية، ما جعل من الصعب للغاية على أي جماعة إرهابية، تكرار مثل تلك العملية بالاستيلاء على مثل ذلك السلاح المادي والبشري اللاإنساني.
وبشكل عام. لم يعد بإمكان جماعة إرهابية، في الغرب على الأقل، الحصول على سلاح خطير من أي نوع، وإن كان من الوارد السماع، بين فينة وأخرى، عن عملية إرهابية تمت هناك، باستخدام السلاح الأبيض، أو بمتفجرات بسيطة تم تصنيعها يدويا من مواد متوافرة في السوق.
في الشرق الأوسط، الأمر يختلف، أصبحت الجماعات الدينية أقوى وأكثر تسلحا، بل إن بعضها مثل داعش في العراق والشام، والإخوان، في اليمن. استولت على إمكانات دول، من مختلف أنواع الأسلحة، باستثناء الطائرات الحربية والصواريخ بعيدة المدى.
بل إن الجماعة الحوثية تمتلك كما نعلم صواريخ باليستية، لكن عموما، فإن الأسلحة التقليدية كالقنابل والأحزمة الناسفة، والسيارات المفخخة.. كانت أصلاً محدودة التأثير.. في حين باتت حتى مدافع الهاون، والصواريخ قريبة المدى غير عملية في أداء بعض المهام الأكثر صعوبة واستراتيجية.
غير أن الأمر تغير، وسيتغير جذرياً، كما يبدو، مع دخول الطائرات المسيرة ساحة الحرب، من طرف الجماعات الدينية، كسلاح نوعي جديد يفرض امتيازاته على جميع الأسلحة السابقة التي حازت عليها هذه الجماعات من قبل، في الجوانب المادية والعملية والتقنية، إذا نظرنا للأمر من زاوية وعي وقدرات هذه الجماعات الجهادية.
حتى بالمقارنة مع الصواريخ الباليستية: الطائرات المسيرة، قليلة الكلفة، قريبة المنال، صغيرة الحجم، خفيفة الوزن. بينما الصواريخ الباليستية، صعبة الحمل والنقل والتهريب والإخفاء، وأكثر انكشافا، فهي قابلة أكثر للرصد والتتبع والاعتراض، أكثر من الطائرات المسيرة التي يمكن أيضا إطلاقها من أي مكان، والابتعاد عن منطقة الإطلاق، والتهرب من التتبع والمسئولية..
هذا فضلاً عن كون الطائرات المسيرة سهلة التصنيع، سهلة الاستخدام، ويمكن الحصول عليها من دولة راعية، أو تصنيعها محلياً، إذ لا تتطلب العملية من المعرفة النظرية والمادية، ما يتجاوز قدرة معظم الجماعات المسلحة في المنطقة والعالم.
في العام الماضي. ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بجانب طائرة مسيرة تركية الصنع، للإعلان عن تدشين تركيا لصناعة هذا النوع من الأسلحة العسكرية، مضيفا: من الآن وصاعدا لن يتحرك شيء في المنطقة دون إذن تركيا.!
يمكن ولو على سبيل الجدل. تصور أن يقوم هذه الرجل الذي تعتبره بعض جماعات الإسلام السياسي السني خليفة الله في هذا العصر، بدعم بعض الجماعات المتطرفة الموالية له بطائرات مسيرة جاهزة، أو بخبراء لتمكينها من تصنيعها بنفسها.
وفي كل حال فقد سبقته إيران، في تصنيع هذه الطائرات، وزودت بعض جماعات الإسلام السياسي الشيعي التابعة لها في المنطقة، بها أو بخبرة تصنيعها.. وقد استهدفت إحدى هذه الجماعات بواحدة منها رئيس الحكومة العراقي في مقره الحكومى الحصين.!
بمعنى أنه بات بإمكان هذه الجماعات بهذه الطائرات الصغيرة استهداف أبعد وأخطر الأهداف داخل الدولة، أو استهداف دولة من دولة أخرى، كما يحدث في اليمن. وعموما فإن قدرة بقية الجماعات، السنية والشيعية، على امتلاك هذا السلاح، هي مسألة وقت لا غير.
خلاصة القول: إن امتلاك الجماعات الدينية للطائرات المسيرة، يمثل نقطة فارقة في تاريخ الإرهاب، وينقل الصراع السياسي الطائفي، وخطر الجماعات الإرهابية بمختلف أنماطها، في المنطقة، نقلة نوعية جديدة في التاريخ.