صرخة يأس عامل يمني في وطن مُشتت.. حجة وصنعاء وتعز.. مدن العمال تنزف يأسًا
الخميس 01 مايو 2025 - الساعة 08:38 مساءً
المصدر : الرصيف برس - خاص

تقرير أعده أحمد حوذان
يحل عيد العمال على يمن ممزق، حيث تروي كل مدينة حكاية كفاح مريرة. ففي المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي، كما في حجة المكتوية، يواجه العمال والمزارعون واقعًا أشد قسوة، حيث تنهش الجبايات الظالمة أرزاقهم المُنهكة، وتحيل حتى بهجة الأعياد إلى كابوس جاثم.
"أبو أيمن" الأربعيني من حجة المقهورة، بعينين شاخصتين نحو أفق مُعتم، يخرج كل يوم باحثًا عن عمل شحيح، لكنه يعود بخفي حنين، والجبايات القسرية تبتلع ما تبقى من قوته، تاركةً خلفها مرارة يائسة تكسو وجهه المُتعب. أما في صنعاء المحتلة، فقد خيّم اليأس القاتل على وجوه العمال، وتحولت جَوْلاتُها التي كانت تعج بالحياة إلى ساحات صامتة تشهد على ضياع الأمل.
وفي المقابل، في تعز الصامدة، ورغم الحصار الخانق وقسوة الحياة، يتوافد العمال المُضنون إلى "باب موسى"، سوقهم البائس، حيث تتلاقى الوجوه المُتعبة في انتظار فرصة عمل شحيحة، كقطرة ندى في صحراء قاحلة. "س،و،م" الخمسيني المُنهك، يحمل على جسده الشاحب تجاعيد الزمن وهمومًا أثقلت كاهله، يخرج كل يوم باحثًا عن رزق يُسكت جوع أسرته، لكن الأمل يبدو بعيد المنال.
عمال ومزارعون تجاوزت أعمارهم الخمسين عامًا، وشباب لم يبلغوا الثلاثين بعد، يخرجون في حجة المستباحة يجمعهم همٌ مُر واحد: توفير لقمة العيش المُرة الممزوجة بالذل لأسرهم الجائعة، التي باتت مهددة بفعل الجبايات اللاإنسانية.
"أبو أيمن"، رجل أربعيني بعيون شاحبة تروي قصة قهر حجة المقهورة، يخرج كل يوم باحثًا عن عمل شحيح، لكنه يعود بخفي حنين، بعد أن نهشت الجبايات المفروضة قسرًا كضريبة على البقاء ما تبقى من قوته. يتحدث بمرارة مُتفجرة: "لم نعد نطيق هذه الحياة، الجبايات تلتهم كل شيء، حتى أحلامنا". يعيش "أبو أيمن" مع أسرته المُعدمة، ويعتمدون على فتات عمل مؤقت، لكن جبايات الحوثي الشرهة تحول دون توفير أبسط احتياجاتهم الآدمية.
وحتى المناسبات الدينية، تتحول في حجة الموجوعة إلى كابوس جاثم، حيث تزيد الجبايات الاستغلالية كسكين في خاصرة الفقراء من وطأة الفقر على العمال والمزارعين، وتحرمهم بوحشية من فرحة العيد.
ومع قسوة الحياة والحصار الخانق المفروض على الأحرار، يلجأ الكثير من عمال حجة المستضعفين إلى أعمال مضاعفة، لكن جبايات الحوثي الطاحنة تبتلع بشراسة كل مكاسبهم الضئيلة. أما في صنعاء الرازحة تحت نير الميليشيا، فيخيم اليأس القاتل على وجوه العمال الذين كانوا يومًا ما يملأون جنبات جولات دار سلم، والحصبة، وشعوب، وعمران، بحثًا عن عمل. مع وصول الميليشيات الظلامية، تبخر كل جميل، وتحولت تلك الساحات إلى فناء موحش، يشهد على ضياع الأمل وتبدد الأحلام.
وفي تعز التي تكابد الحصار ببسالة، يتكرر المشهد ذاته، عشرات العمال، شباب وشيوخ، يجمعهم همٌ واحد مُر: توفير لقمة العيش المُرة الممزوجة بالصبر لأسرهم الجائعة. "س،و،م" الخمسيني المُنهك، تبدو على جسده الشاحب تجاعيد الزمن وآثار الهموم المضاعفة بفعل تردي الأوضاع المعيشية الكارثية، يخرج كل يوم إلى رصيف باب موسى، ينتظر بلهفة قاتلة صاحب العمل الذي قد يُنقذه من كابوس توفير الطعام لأسرته التي تنتظر عودته بقلوب مُتفطرة. يتحدث بصوت خافت عن معاناته اليومية: "لم أعد أستطيع العمل كما في السابق، وأحيانًا أعود إلى البيت من شدة التعب... لكن ليس باليد حيلة في وجه هذا الظلم".
وحتى المناسبات الدينية، التي يفترض أن تكون مصدر فرحة، تزيد من وطأة المعاناة على العمال، خاصة أصحاب الدخل اليومي الهزيل. فرمضان وعيد الفطر هذا العام كانا أكثر مأساوية من أي وقت مضى، بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية التي تحولت إلى حلم بعيد المنال في ظل حرب لا ترحم.
ومع قسوة الحياة والحصار الخانق المفروض على تعز الأبية منذ عقد من الزمان، يلجأ الكثير من العمال إلى ممارسة أكثر من مهنة في آن واحد، في محاولة يائسة للهرب من شبح البطالة وإيجاد فرص عمل دائمة تُبقيهم على قيد الحياة في وجه صراع عبثي.
"م.ع.م"، عامل بناء وسباكة من تعز المحاصرة، يرى أن الاعتماد على مهنة واحدة يجعله عرضة للبطالة القاتلة، وإذا انقطع عمله، يجد نفسه في مأزق وجودي في ظل اقتصاد منهار. الشاب "ا.ك.م" يضيف بمرارة: "بعض الأحيان أتوقف أشهرًا كاملة عن العمل بسبب قلة الطلب... والتوقف عن العمل يُشكل عبئًا ثقيلاً، خصوصًا مع ارتفاع الأسعار الجنوني في ظل حرب لا تبقي ولا تذر".
وعلى الرغم من النكهة الخاصة للمناسبات الدينية في تعز الصامدة، يقول الشاب انور إلا أنها تحولت إلى مصدر للهموم والخيبات بسبب تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار وانهيار العملة الذي يحرم الكثيرين من شراء أبسط متطلبات العيد، خاصة عمال الأجر اليومي الذين يعيشون على الكفاف في ظل حصار جائر.
منذ اندلاع الحرب المدمرة، يشهد سوق العمل في عموم محافظات الجمهورية تدهورًا مستمرًا، حيث شلّت حركة العمل بشكل شبه كامل، مما أدى إلى ارتفاع كارثي في نسبة البطالة وتفاقم معاناة العمال الذين فقدوا مصدر رزقهم في ظل صراع لا نهاية له. العامل "ع.ب د" يؤكد بحسرة: "العمل كان متوفرًا بكثرة قبل الحرب، أما اليوم فقليل جدًا مع استمرار الصراع اللعين".
"م.ص ع" يشكو هو الآخر من ندرة العمل، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية المُنهارة بشكل مخيف "أجرة العمل في الأوضاع الاقتصادية الحالية لا تساوي شيئًا، والعمل يكاد يكون متوقفًا تمامًا". ويضيف بأسى أنه لم يعد يستطيع توفير متطلبات الأعياد ومستلزمات أطفاله المدرسية، وكل ما يستطيع فعله هو توفير الضروريات اليومية بشق الأنفس في ظل حرب تطحن الجميع.
وفي مأرب التي نزحوا إليها هربًا من جحيم الحوثيين، يتحدث الحاج "ع.ك.ر"، الخمسيني المُتعب، عن حاله بكلمات مُوجعة: "بعد أن خف العمل لم نجد ما نأكل عيالنا، غادرنا صنعاء وكما ترى الحال، لقد أصبحنا في حالة يرثى لها، نفتقد لأبسط مقومات الحياة، وكأننا مجهولون، والعمال قدهم مصابين بحالة نفسية نتيجة انعدام العمل". ويختتم حديثه بمرارة: "الواحد يتمنى لو أنه ولد في بلاد غير هذه البلاد المنكوبة". ويضيف بأسى: "وبسبب الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية، يتوقع البعض أن يعزف عن شراء الضروريات، فيما يتوقع آخرون أن يأخذوا ما استطاعوا أخذه، حتى لا تكون بيوتهم فارغة في هذا العيد الحزين".
في هذا العيد، تتعدد الحكايات لكن الوجع واحد. ففي حجة، يئن العمال والمزارعون تحت وطأة الجبايات، وفي صنعاء، يخيم اليأس على قلوبهم، بينما في تعز، يتمسكون بفتات الأمل رغم الحصار وقسوة الظروف. عيد عمال يمني يرثي حال وطن مُقسم، حيث يصبح الكدح اليومي صراعًا مريرًا من أجل البقاء، وحقوق العمال تتلاشى أمام نيران الحرب وجشع السلطات المتنازعة. تبقى الأمنيات معلقة في سماء يمن ينتظر عدلًا غائبًا وفجرًا جديدًا.