الدب الروسي والناتو وصراع الوجود !
الاحد 27 فبراير 2022 - الساعة 05:22 مساءً
نبيل أمين الجوباني
مقالات للكاتب
استعراض خيارات القوة بين كل من الروس من ناحية وحلف الناتو الأمريكي يدفع بالأمور إلى المواجهة.
الروس يراها حرب وجود في ظل تحرك الناتو المستفز لأمنهم القومي ، ويراها الناتو خياراتٍ لتركيع الدب الروسى الذي يحاول من جانبه أن يستعيد دوره الحيوي في ظل تغول القطب الأمريكي وسياسة الصلف الذي يتَّبعها .
الروس والسوفييت قبله اكتويا من الأمريكان منذ انهيار اتحاده وجمهورياته و خروجه مغلوبا ً من أفغانستان.
أمريكا تستشعر أن الدب الروسي يحاول أن يعيد أمجاده التي يراها الآخر على حساب نفوذها وتأثيراتها .
الأمريكان وحلفاءها في الناتو يحاولون تركيع العالم ، وإعادة تقسيمه وفق( سايكس بيكو جديدة) ، والروس يحاولون بالمقابل أن يكونوا لاعبين محوريين ، و جزءاً في إدارة المشهد في أي طاولة تغيير .. ولذلك تسعى لتوحيد ما انفرط من عقد جمهوريات السوفييت السابق المنهار في تسعينيات القرن الماضي ، وإن لم يكن له ذلك ، فليعمل الروس على خلق تحالفاتٍ استراتيجيةٍ معها ؛ فإن لم يكن له ذلك فليس أمامه من حلٍ سوى إعمالُ خيارات التقسيم فيها _ أوكرانيا نموذجاً _ حتى تضمن روسيا استتباب أمنها القومي.
خيار الروس العسكري لم يكن غريباً وكان متوقعاً ، ويشارك في تكوين ذلك الخيار أبعاد حضارية وتاريخية وسيادية استراتيجية وتحديات وجودية أيضاً .
أمريكا تسعي جاهدة لإخضاع الروس وتمعن في إذلالها وكسر شوكتهم كما كسرته سابقاً بانهيار جمهورياته وخروجه من أفغانستان ، وكما تسعى حالياً في أوكرانيا ونشر قوات الناتو في أوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وبولندا .
يدرك الروس ذلك وسعي مبكراً لبناء ذاته اقتصاديا وهو وريث السوفييت عسكرياً وقرارا ً اممياً كأحد الدول الخمس دائمة العضوية ، ويعي الأمريكان أن روسيا تمتلك مقومات الصعود لتكون حاضرة بقوة في مسرح عمليات الأحداث ، وعندها نزوع لإثبات الوجود الندى الفاعل وتمتلك أدوات الردع اللازمة .
حلف الناتو منذ تأسيسه حاول تقليم أظافر السوفييت سابقاً ، وامتدت اياديه واذرعه لكل الجغرافيا التي يراها تطوق السوفييت وتخنق امتداداته وتضييق عليه مصالحه اوتعطل استراتيجيات تحالفاته ، وعلى الرغم من انهيار السوفييت وحلُّ حلف وارسو إلآ أن الناتو مازال مستمرا ويدير استراتيجاته على تلك الوتيرة التي كان السوفييت فيها قائماً.
للأمريكان مشروعهم وللروس حقهم في استعادة أمجادهم ولو في المخيال التصوري .
يدرك الأمريكان _ كما الروس _ الأهمية الاستراتيجية لأوكرانيا واهميتها الاستراتيجية أيضا للأمن القومي الروسي.، ويدرك الروس علاوةً على ذلك أهداف الناتو الأمريكي، فكانت ردود فعله الخلاصة لكل الرسائل دون مواربة أو محاتلة بالتلويح بخياراته العسكرية إذا ما تعرصت مصالحه أو آمنه القومي للخطر ، ولذلك كان سباق التسليح رغم اتفاقات الحد منها منذ الحروب الباردة .
حاول الروس جاهدين إفهام الأمريكان ومن خلفهم المجتمع الدولي إلى عواقب تواجد الناتو في أوكرانيا ، كما حاولوا سابقاً إلى انتفاء ضرورة بقاء هذا الحلف ، وما يشكله بقاءه من تهديد للسلام العالمي وتقويض التعايش بين الأمم والشعوب، ويدفع بالأمور إلى الصدام والمواجهات وخلق واقع مأزوم قد يدفع للحرب.
وفي حروب الوجود وصراعات البقاء كل الخيارات متاحة ، و استشعر الروس بالخطر الذي يتهددهم كدولة ووجود ، فكان التلويح الروسي بقوته العسكرية الرادعة بعد استيفاء كل السبل والحيلولة دون اللجوء لهذا الخيار ؛ فقد طفح كيلهم من الاستعداء المقصود الذي يستهدف وجود دولتهم كما استهدف السوفييت سابقاً.
حلَّ الروس حلف وارسو ولم يحلّْ الأمريكان الناتو!!
حاول الروس الإنضمام لحلف الناتو، ورفض الأمريكان ذلك .
كل خيارات روسيا لحلحلت تطويق النانو لها باءت بالفشل ، ولم يعد أمامها من حلٍ سوى :
دخول روسيا حلف الناتو...او إحداث اختراق في النظام الأوكراني .
دعم قوى أوكرانية موالية للروس داخل المجتمع الأوكراني بهدف التأثير في سياساته لصالح الروس.
او تفتيت أوكرانيا من خلال تغذية الصراع البيني بينها .
او تقسيم أوكرانيا إلى دولتين أو أكثر ( شرقية / غربية ) ، ويكون الجزء الشرقي المحاذي لحدود روسيا موالياً لها.
او بالدفع لقيام نظام فدرالي يمنع الاستفراد بالقرار من خلال تمثيل شعبي وبرلماني حكومة وسلطات تشريعية موالية للدولة الروسية .
أو بانسحاب الناتو من أوكرانيا وكل القوات المتواجدة في رومانيا وبلغاريا وبولندا.
كما أجبر تاريخياً ( جون كنيدي 1961م ) ومعه المجتمع الدولي السوفييت من سحب صواربخه النووية من كوبا ، حينها جن جنون ( كنيدي )وهدد بالحرب ؛ فسحب السوفييت صواريخه من كوبا ، وتم نزع فتيل أزمة ومؤشرات حرب فبما عرف بـ( خليج الخنازير ) !!
وأعتقد أن ذات السيناريو يتكرر باختلاف الشخوص ، فـ ( بوتين ) هو من يهدد بالحرب التي ستتجاوز أوكرانيا إلى كل من يضر بالمصالح الروسية أو يتدخل في حربه مع أوكرانيا ، وأمريكا وحلف الناتو هم ينشرون قواتهم وسلاحهم حول روسيا ( أوكرانيا ، رومانيا ، بولندا ، بلغاريا ).
قيام أحلاف سياسية جديدة تمنع التغول الأمريكي ( تحالف شرقي )( الصين روسيا الهند ووو) مثلا.
او تحالف أوسع يضم كل المتضررين من السياسات الأمريكية ( روسيا / الصين كوريا الشمالية / فرنسا / ألمانيا ).
أو حلف أوروبي جديد بقيادة ( ألمانيا وفرنسا ) ؛ اما لماذا فرنسا فلأنها تأثرت إلى حدٍ بعيد من إلغاء خط الغاز ( نورد استريم ) الواصل من روسيا إلى ألمانيا مروراً بأوكرانيا !!
واما لماذا فرنسا !؟
فقد تضررت من امريكا حليفتها في حلف الناتو من إفشال صفقة بيع الغواصات الفرنسية لاستراليا ، والتي تصل قيمتها إلى خمسة وخمسين مليار دولار، وذهابها لجيوب الأمريكان.
أخيراً ليس لدى الروس مايخسرونه في هذه المعركة المصيرية، والخاسر حتى الآن هم الأمريكان والذين تحرعوا من ذات كأس السوفييت سابقاً فقد خسرت أمريكا حربها في أفغانستان وخرجت تجر أذيال الخيبة وراءها ، وستخسر حربها في أوكرانيا ، وقد أجلت ومعها كل السفارات رعاياها من العاصمة الأوكرانية( كييف ) باتجاه بولندا !!
و ستخسر أمريكا أيضا حلفاءها في أوروبا والعالم ، و سيخسر الاقتصاد الأمريكي والأوروبي _ قبل الروسي _ وما مؤشرات انخفاض البورصه في لندن ونيويورك إلآ دليل لمعرفة ذلك في أول خمسة أيام حرب !! وستتأثراسعار الغذاء والدواء و الطاقة في العالم .
الصراع القادم يأذن بأفول نجوم وظهور آخرين على مسارح الحياة الدولية ، فهل ينجح الدب الروسي في إطلاق رصاصة الرحمة بأمريكا وهل يحفز القوى الكامنة أن تبادر إلى أخذ مواقعها في قيادة العالم ؟.
وهل لمجتمعنا الشرقي نصيب في تبوء مكانه ومكانته ،.
وهل من عملاق عربي دولاً وشخوصاً يحفر اسمه في محافل القرار الدولي وفي الوجدان الإنساني وفي الضمير العالمي ، ورحم الله الزعيم ابو خالد ( جمال عبدالناصر ). .