أوكرانيا: بين "المهرج" و"المجنون بالعظمة"، تاملات على هامش الأحداث!

الاثنين 28 فبراير 2022 - الساعة 12:17 صباحاً

 

 

(١)

أواخر 1939 غزا الاتحاد السوفييتي فنلندا، البلد الصغير مساحةً وسكاناً، بعد أن سمحت معاهدة "هتلر - ستالين" بإطلاق يد الأخير في شرق أوروبا.

 

نتج عن "حرب الشتاء" تلك، 25 ألف قتيل فنلندي، في مقابل 170 ألف قتيل روسي، و 200 ألف جريح روسي، مقابل 50 ألف جريح فنلندي!

 

كان للفنلنديين قادة عسكريون وطنيون ومحترفون، وجيش مدرب جيداً، رغم تسليحهم الرديء، وإمكاناتهم المحدودة، فقد استغلوا نقاط القوة بما في ذلك الطقس ومعرفتهم بتضاريس بلدهم، ودهاءهم العسكري ومقتهم للغزو الروسي.

 

بالأرقام انتصر الفنلنديون، وسياسياً انتصر الروس بعد عناء طويل، وبعد أن فقد الجنود الروس عقولهم، اقتضم السوفييت أجزاء من أراضي فنلندا، ولكن في مقابل ذلك طرد الاتحاد السوفييتي من الأمم المتحدة، وحصد أحقاد الفنلنديين، ولم يكترث أحد بانتصاره الذي كان بطعم الهزيمة.

 

صمود الناس في أوكرانيا يُذكر بصمود الفنلنديين في حرب الشتاء مع الفوارق التاريخية والظرفية واللوجستية، ربما تسقط أوكرانيا قريباً، وتكون خسائرها البشرية والمادية أكبر أمام القوة الروسية المتطورة تسليحاً وتدريباً وتقنيةً، لكن ما سيحصده الروس هو سخط العالم، وأحقاد الأوكرانيين، الذين لا تنقصهم أسباب الحقد على روسيا, قد تُهزم أوكرانيا اليوم بسبب القوة المهولة للروس لكنها ستصبح أكثر قوة في المستقبل،وروسيا بهذا الشكل، تربي عدواً حقوداً على خاصرتها، وستطلب أوكرانيا ثأرها وسيأتي يوم طلب الثأر,,

هذا إذا لم يقرر العم بوتين استخدام سلاحه النووي والقضاء على سكان الكوكب ههه

 

(٢)

الأمن القومي الروسي اليوم في خطر أكثر من أي وقت مضى، كان بوتن متوجساً من احتمال معاداة "أوكرانيا" له، فإذا به الآن، مطوقاً بمحيط من الأعداء.

 

إذا لم يرجع بوتين خطوةً للخلف، فلن يكون أمامه سوى اتخاذ قرارات مجنونة، مُرغماً، كالقرارات التي اتخذها هتلر، التمدد والتوسع الإمبراطوري لاجتياح الدول وإخضاعها واستغلال مواردها لخوض حربه الشاملة، وفي هذه الحالة سيكونُ بوتين وحيداً في مواجهة العالم.

 

لا يبدو أن الصين مستعدة للتضحية بما حققته من طفرة اقتصادية وازدهار، للتحالف مع بوتين في حرب للدفاع عن طموحاته، كوريا الشمالية، يمكن إسقاطها بضربة نووية واحدة، (إذا ما شاركت في حرب نووية)، بخلاف ذلك، لن تستطيع كوريا تقديم شيء لبوتين بشعب وجيش جائع ومحدود الموارد.

 

إذا لم يتم احتواء أزمة أوكرانيا، فلا حل سوى اندلاع حرب عالمية ثالثة، ومن ثم سيسعى الغرب لإسقاط بوتين، ما لم، فسنكون أمام حرب نووية ستسبب دماراً كبيراً للعالم، إن لم يكن فنائه، ولذا علينا الأخذ بنصيحة إيلون ماسك: "عليكم إنجاب الكثير من الأطفال، فإن البشرية ستواجه خطر الفناء".

 

(٣)

 

الرئيس "المهرج" في أوكرانيا، صامد في أرضه ومع شعبه، ورفض عرضاً بريطانياً وآخر أميركياً لإجلائه من البلاد.. ميل أوكرانيا نحو الغرب ليس سببه "الرئيس المهرج"، بل الشعب الأوكراني.

 

خرج الأوكرانيون محتجين في "ثورة البرتقال" ما بين عامي 2005 - 2014، والهدف إسقاط الرئيس الموالي لروسيا، ورفض الهيمنة الروسية، وقد تم، خسروا جزيرة "القرم"، وكسبوا حريتهم وديموقراطيتهم.

 

لدى الأوكرانيين أسبابهم الوجيهة للخروج من الفلك الروسي والتمرد على هيمنة وتسلط روسيا على بلادهم، فما عاناه الأوكرانيون زهاء قرن، من الاتحاد السوفييتي ومن ثم روسيا، قد جعلهم يكفرون بهذا الجوار والانتماء العرقي المشترك.

 

من يرفض هذا الكلام، فعليه أن يتساءل، لماذا نفضت دول المعسكر السوفييتي، بما فيها بولندا وبلغاريا ورومانيا وتشيك وألبانيا وسلوفاكيا وأوسيتيا غزلها مع روسيا أنكاثاً، وذهبت للتحالف مع الغرب، لماذا هي اليوم، أكثر تحفزاً وسخطاً وتحريضاً على مواجهة بوتين من غيرها؟!.

 

كل هذه الدول "السوفييتية" سابقاً وغيرها "باستثناء بيلاروسيا، المحكومة من قبل ديكتاتور فاشي، وكازاخستان المنعزلة والمنكفئة على نفسها" ارتمت في أحضان الغرب، هرباً من الجحيم الروسي/ السوفييتي سابقاً.

 

إن علينا التحرر من هيمنة البروبجندا الأيديولوجية الشيوعية ابان الحرب الباردة، والتي ما زالت امتداداتها حتى اليوم، وأن نقرأ الواقع السياسي في العالم وفي بلادنا بتجرد وموضوعية، فاليوم، نظمت قوى اليسار بألمانيا، تظاهرات ضخمة، شارك فيها الآلاف (التوقعات تشير إلى 20 ألف متظاهر)، ضد ما أسمته هذه القوى "اليسارية" بـ "الإمبريالية" الروسية!.

 

اعتساف المنطق وفقاً لتحيزاتنا لا يصح، ما يجري في أوكرانيا، حرب روسية ضد إرادة الشعب الذي يرفض الهيمنة الروسية، وليس "حماقة" الرئيس "الهرج" الذي "جر" أوكرانيا نحو الغرب الذي "خذله". وكأن أوكرانيا "دابة" أو "شوال عدس"!.

 

وخلاصة الكلام: ليت كان لدينا رئيس "مُهرج" في اليمن، بشجاعة الرئيس الأوكراني ووطنيته، على الأقل، لما امتدت الحرب كل هذه السنوات، ولما كنا نموت كل يوم آلاف المرات، دون أن يرمش لـ "رئيسنا"، ثقيل الظلّ، أي جفن!

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس