الانبعاث المرتقب والخروج من ظلمات العنصرية الحوثية
الاحد 06 مارس 2022 - الساعة 11:46 مساءً
لم تكن الحوثية ظاهرة متحركة على المعطيات المجتمعية والسياسية الفاعلة في الواقع اليمني، أو المتجسدة في سياق موقعه الجغرافي، بل كانت منذ انبعاثها المسلح في 19 يونيو 2004، كيانًا غارقًا في ظلمات السرية المنظمة وخرافات الاستعلاء العنصري بالولاية، ومتاهات الارتباط بالتجاذبات الخارجية على صراعات الطموح الإيراني.
لهذا، ومعه الواقع المأساوي المستمر على غرور القوة المسلحة ضدًا على المجتمع اليمني، تبالغ الحوثية -الحركة والظاهرة- في إعادة صياغة المعطيات التاريخية للواقعيين: الاجتماعي والسياسي في اليمن، على نمط مستبعد في الحاضر والمستقبل، خلاصته الكاملة موجزة في جنون الإصرار على إعادة رسم خارطة الوطنية اليمنية، في ثنائية الإمام -الرعية.
لا يصطدم الحوثيون في هذه الثنائية مع تجليات سبتمبر فقط، بل يصطدمون بحقائق الجغرافيا المعاصرة التي تجعل اليمن كيانًا وطنيًا، ويصطدمون بمسارات التاريخ التي لا تقبل التفريط بالمواطنة مبدأ يجسد المساواة المجتمعية ويحدد المجال السياسي بالشعب وحده مالكًا للسلطة ومصدرًا لشرعيتها في الدولة والمجتمع، والمتمثلة بعنوان الجمهورية وما يترتب عليها من منجزات الوحدة والديمقراطية.
هنا تتداخل عوامل ومعطيات لا تمنح الحوثية أي حق يعود إلى المجتمع والمجال السياسي، ولكنها تساعد في التضليل الحوثي، وتمنحه فرصة البقاء بعيدًا عن الصدام الكامل مع الوطنية اليمنية ومكتسبات نضالها التاريخي في عقود النصف الثاني من القرن العشرين، وذلك ما يسود الواقع اليمني الراهن من توجهات انعزالية أحدها ينتقص من السيادة الشعبية لصالح الدين ممثلًا في دعاوى الإخوان والسلفيين، والآخر يتجه بالوطن إلى مناطقية تقسم الجغرافيا الوطنية بين شمال وجنوب، ويمتد إلى كيانات تجعل من مسمى المحافظات هويات فرعية.
ومن المهم الاعتراف بأن الحوثية تجد في التدخلات الخارجية مصدرًا لتجاوز ما يفرضه قبح استعلائها العنصري بخرافات الولاية، وبالتالي تنجح رسالتها التضليلية في تزييف الوعي عما تسميه العدوان الخارجي، مما يجعل الرأي العام قليل الإدراك لحقيقة العدوان الحوثي على الوطنية اليمنية وشعبها ومجالها السياسي وكل مكتسباتها التاريخية في الدولة والمجتمع.
وإذا كانت هذه العوامل والمعطيات تمنح الحوثية فرصة مستمرة للمراوغة والتضليل، فإن هذا الاستمرار يكشف رغم مآسيه الإنسانية واقعًا يتجسد الآن ويتجه نحو المستقبل، كل معطياته تشير إلى زوال الوهم الحوثي بالقوة المسلحة وتخاريف الولاية لصالح وعي يتنامى في كل الواقع والمشاعر الوجدانية بالوطنية اليمنية، وما يترتب عليها من جغرافيا سياسية تعيد الأولوية للشعب والدولة، وتدفع الجموع إلى استعادة الحق الإنساني في الحياة من غاصبيه، وإلى الانتصار للإرادة الوطنية في مواجهة النزعات الانعزالية طائفيًا ومناطقيًا.
تحاول الحوثية بعد المأزق الوجودي الذي وقعت فيه بسلطة الأمر الواقع داخليًا، ومآسي الارتهان السياسي خارجيًا، أن تبالغ في أوهام القوة بوسائل تتطابق مع تخاريف الولاية، من خلال القبح الذي يتزايد كل يوم في الشوارع والطرقات وفي الجدران والواجهات محمولًا على اللون الأخضر، وعفنًا بما هو عليه من صور الموت وقبيح الشعارات والمقولات وتفاهة الملازم والمحاضرات.
وفي هذه المحاولة تبدأ مؤشرات الانبعاث المرتقب، حين تتوهم الحوثية أن القبح المنتشر في كل معالم التاريخ والحضارة، ووجدان الثورة والحداثة، سوف يحول دون خروج الشعب اليمني من ظلمات الاستعلاء العنصري بولاية البطنين أو حتى بتخاريف الولي الفقيه الإيرانية، ذلك أن المعادلة استفاقت مع فجر سبتمبر وإشراقة أكتوبر على الجمهورية حقًا للشعب وطريقًا إلى وحدته وديمقراطيته الناشئة في الجمهورية اليمنية.
نعم، نعترف الآن أن الوطنية اليمنية مغيبة بالطائفية وغائبة بالنزعات الانعزالية جهويًا، لكنها لن تتأخر كثيرًا عن البعث القادم بكل ما يعد به التاريخ من امتداد للثورة واستمرار للنضال الذي وإن توقف الآن، فإنه سيعود بكل القوة التي أسقطت سلطة الكهنوت، وطردت جيوش الاستعمار، ولن تتوقف حركتها المنتصرة للشعب مصدرًا لكل الحقوق والواجبات.
تتورط الحوثية الآن في غياب الوعد المجتمعي بأي بديل يطمئن إليه الشعب، وتذهب بهذه الورطة حدًا يجعلها تتوهم أن إرهاق الجموع بغياب الخدمات وانعدام التنمية، سوف يجعل من الشعب خاضعًا لكل قبح التخاريف المبثوثة في ملصقات الشوارع وصور القتلى وعفن الملازم والمحاضرات عن الولاية ومحور الولي -الفقيه، وفي هذا وبه وحده تخرج الوطنية اليمنية من غيابها القسري، متسلحة بالإرادة والحضارة وبالتاريخ والمنجزات المعاصرة.
تقف الحوثية الآن عارية حتى من التضليل الإعلامي الذي يجعل المأساة الراهنة معادلة قائمة على الصراع بين طرفين: الداخل والخارج، فالخارج استدعته الحوثية نفسها ضدًا على الداخل الوطني الجمهوري، ولم تراعِ في ذلك وطنًا ولا شعبًا، بل استعلت بعنصريتها السلالية وتخاريفها الولائية، عن اليمن، كل اليمن، الأرض والإنسان، الجغرافيا والتاريخ، الحاضر والمستقبل.
ولا بد، في الختام، أن نؤكد على أن الانبعاث المرتقب للوطنية اليمنية لا بد قبل أن يخرج من ظلمات العنصرية الحوثية، أن ينتصر لمكتسبات النضال التاريخي وتجسداته الكاملة في الجمهورية والوحدة والديمقراطية، وأن ينتصر قبل هذا ومعه للسيادة الشعبية بعيدًا عن كل ما ينتقص منها، سواءً كان الدين أو الانعزاليات الجهوية، وبخاصة تلك المحمولة على مسمى الجنوب.
وهنا سوف تسقط مع الحوثية كل الاتجاهات الانعزالية، لتبقى في الأرض وبين الناس، اليمن الذي عرفته الجغرافيا مهدًا للعروبة والحضارة، وتاريخًا للثورة والانتصارات والامتداد الطبيعي للنضال الواحد في الشمال والجنوب.
▪︎عن موقع المشاهد