المختطفون بسجون المليشيا .. سنوات العذاب بين مطرقة الحوثي وسندان الصفقات المجمدة
الاثنين 26 مايو 2025 - الساعة 08:22 مساءً
المصدر : الرصيف برس - خاص

أحمد حوذان
في قلب الصراع اليمني المستمر، تتصاعد مأساة آلاف المختطفين الذين يقبعون في سجون مليشيا الحوثي المصنفة إرهابية والمدعومة من إيران، في ظل الجمود الذي يشهده ملف تبادل الأسرى والمختطفين بين المليشيا والحكومة الشرعية.
في هذا التحقيق نحاول تسليط الضوء على جريمة المليشيا بالاختطافات ووحشية التعذيب للمختطفين، وما يكابدوه من معاناة باستمرار مأساتهم ، وسط خذلان من الأطراف المعنية وصمت دولي يثير تساؤلات حول جدوى الشعارات الإنسانية.
آلة الاختطاف الحوثية: استهداف ممنهج وابتزاز مالي
يؤكد المدير التنفيذي للمركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، عبد الرحمن برمان، بأن مليشيا الحوثي الإرهابية لا تستثني أحدًا في حملات الاختطاف، مؤكدًا أن "كل من لا ينتمي لها هو هدف لها".
وأشار برمان إلى أن عمليات الاختطاف تتم بشكل ممنهج ومنظم من قبل أجهزة المخابرات الحوثية، التي تمتلك برامج محددة للفئات المستهدفة.
لافتاً الى أن جماعة الحوثي صعدت من استهدافها ضد الناشطين، مقدمي الخدمات الاجتماعية، الصحفيين، والعاملين في المنظمات الإنسانية ، وفي مثال حي على ذلك، أشار إلى اختطاف طالبة من كلية الإعلام بجامعة الحديدة ليلة أمس، مما يؤكد اتساع دائرة الاستهداف لتشمل شرائح المجتمع المختلفة.
وأوضح برمان أن الهدف من هذه الممارسات هو قهر الناس، إسكات الأصوات المعارضة، ونشر الرعب لإخضاع المجتمع بالكامل ، فدوافع الحوثي، بحسب برمان، سياسية ومذهبية، وكل معارض أو غير منتمٍ لها هو هدف مشروع للاختطاف.
لا تتوقف جرائم الاختطاف الحوثية عند الاذلال والقمع والتعذيب ، بل امتدت لتشمل الابتزاز المالي ، حيث يرصد المركز الأمريكي للعدالة العديد من حالات الاختطاف التي أخذت فيها جماعة الحوثي مبالغ طائلة، مستهدفة التجار ورؤوس الأموال لدوافع اقتصادية بحتة.
بل إن الابتزاز يطال حتى المختطفين داخل السجون، حيث تبتز المليشيا أسرهم للحصول على أموال مقابل الإفراج، أو تستغل سماسرة للتواصل مع الأهالي بطرق احتيالية للحصول على مبالغ وضمانات تجارية.
وأشار برمان إلى أن المليشيا تعمل على "كل الأساليب القذرة الاستغلالية والاستعلائية" لضمان عدم وجود أي معارضة أو حديث عن ممارساتها.
جحيم السجون الحوثية: شهادات حية عن التعذيب
وصف المدير التنفيذي للمركز الأمريكي للعدالة، عبد الرحمن برمان، وضع المختطفين بأنه "سيئ جداً"، مشيرًا إلى ممارسة التعذيب النفسي والجسدي بشكل واسع.
وأكد أن معظم أماكن الاحتجاز غير صحية، وأن أغلب المختطفين الذين أُفرج عنهم يعانون من إعاقات وحالات نفسية، وأمراض مزمنة وخطيرة كالسرطان والفشل الكلوي وتليف الكبد.
مضيفاً : للأسف، توفي كثير من المعتقلين بعد أيام قليلة من خروجهم، ومئات المختطفين لقوا حتفهم داخل السجون بسبب التعذيب.
لافتاً الى أن المركز الأمريكي للعدالة يقوم بجهود حثيثة لرصد وتوثيق عمليات الانتهاكات المروعة، ونشرها في تقارير مفصلة، والتواصل المستمر مع المجتمع الدولي والجهات المعنية خارج اليمن. كما يقدم المركز العون القضائي للأسر التي لا تستطيع توفير محامين.
وعن تأثير الاختطافات، أكد برمان أنها ذات تأثير سلبي مدمر، حيث خلفت آلاف المعتقلين داخل السجون، وآلاف الأسر بدون عائل، وآلاف الأطفال الذين اضطروا لترك مدارسهم والتوجه لسوق العمل، وآلاف النساء اللاتي أصبحن بلا عمل ودُفعن إلى سوق العمل في ظروف صعبة.
صرخة الأمهات: ألم وخذلان ونضال مستمر
في تأكيد على عمق المأساة، عبرت رئيسة رابطة أمهات المختطفين، أمة السلام الحاج، عن حجم الألم والخذلان الذي يعيشه أهالي المختطفين.
وأكدت أن الرابطة لم تتوقف عن النضال لأجل أبنائهم رغم الصمت الرسمي وضعف التفاعل، مشيرة إلى أن الملف ما يزال حيًا بجهود الأمهات، لكن الاستجابة من الجهات المعنية دون المستوى.
أسماء الراعي، عضوة رابطة أمهات المختطفين، أكدت أن ملف المختطفين إنساني بحت، وشددت على ضرورة عدم تسييسه ، وانتقدت تعنت الحوثي وتجاهله للقوانين، كما لم تعفٍ الحكومة الشرعية من مسؤوليتها لعدم إيلائها الملف الأهمية المطلوبة.
كما انتقدت الراعي الخذلان الشديد من الأمم المتحدة لعدم ضغطها الكافي على الأطراف، ودعت إلى محاكمة وجبر ضرر المختطفين وتعويضهم ودمجهم في المجتمع.
شهادات من الحديدة: معاناة لا تُصدق
مسؤولة الرصد لرابطة أمهات المختطفين بالحديدة قدمت شهادات صادمة عن معاناة المختطفين من التعذيب الجسدي والنفسي، الإهمال الصحي، والتجويع ، وروت أن أسرًا تناشد لتوفير الطعام لأبنائهم في سجن الحديدة، مشيرة إلى أن السجون تفتقر للتهوية والتبريد.
وأكدت أن هناك مختطفين يحملون أوامر إفراج منذ سنوات لم يتم تنفيذها، وأن المليشيات تصدر أحكام إعدام انتقامية، إضافة إلى وجود محتجزين بدون ملفات رسمية، وآخرين ماتوا وتم إنكار وجودهم.
صغير فارع .. قصة معلم تحولت إلى رمز للألم
تجسد قصة المعلم صغير فارع، الذي يقبع في سجون الحوثي منذ أكثر من عشر سنوات، مأساة آلاف المختطفين.
شقيقه يروي كيف اختطفته المليشيا في عام 2015 وتعرض لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، بما في ذلك الزنازين الانفرادية المظلمة، الصعق بالكهرباء، الحرمان من الطعام، والتهديد بالقتل.
ورغم صدور حكم إعدام ضده من محكمة غير قانونية عام 2021، وتوثيق حالته من قبل منظمات حقوقية، تواصل المليشيا إنكار وجوده، في صمت دولي مخزٍ.
جمود ملف المختطفين .. تعنت حوثي وخذلان دولي
رئيس الوفد الحكومي في مفاوضات الأسرى والمختطفين، الشيخ هادي الهيج، أكد في تصريح صحفي بأن الملف التفاوضي متواصل، وأن التواصل مع الأمم المتحدة قائم.
وينفي الهيج وجود جمود من جانب الحكومة ، وأرجع السبب الرئيسي إلى تعنت حوثي يسعى لتسييس الملف بدلاً من التعامل معه كجانب إنساني مؤكداً أن المطلب الحكومي هو "الكل مقابل الكل" في عملية التبادل.
كما كذب الهيج ادعاءات الحوثي برفض الحكومة لجولة مفاوضات في أبريل الماضي ،مؤكداً أن تعنت الحوثي هو السبب الرئيسي لتوقف عمليات التبادل.
وأضاف قائلاً : الحوثي يتعامل مع الملف بعقلية مليشاوية وليس من منطلق إنساني، ويعتبر السجون "شركات استثمار مالية" من خلال حوالات الأسرى والمختطفين.
الهيج أكد بأن هناك انتهاكات وتعذيبًا يتعرض له المختطفون، وأنهم يبلغون الأمم المتحدة والصليب الأحمر بذلك ، وأشار إلى إنشاء هيئة للأسرى والمختطفين مهمتها حقوقية.
تصاعد الاختطافات : أرقام مقلقة
وفيما يتعلق باستمرار وتصاعد وتيرة الاختطافات التعسفية ضد المدنيين، كشف رئيس الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين رضوان مسعود بأن الهيئة رصدت أكثر من مائتي حالة اختطاف منذ بداية العام، أغلبهم من محافظتي صعدة والحديدة. وتركزت الاختطافات على شرائح معينة تشمل النشطاء، الصحفيين، الإعلاميين، والمثقفين.
في تقييمه لأوضاع السجناء والمختطفين في سجون مليشيا الحوثي، أكد مسعود أن الحوثيين لا يزالون يمارسون التعذيب ضد المعتقلين، وخاصة الناشطين السياسيين والصحفيين والمعارضين ، مشيراً إلى أن الحرمان من الرعاية الصحية أدى إلى تدهور صحة عدد كبير من السجناء ووفاة بعضهم.
ووصف مسعود ظروف الاحتجاز بأنها "سيئة جداً" من حيث الاكتظاظ، وانعدام التهوية، وسوء التغذية. كما أكد أن رفض الزيارات أو التواصل مع الأسر يعمّق المعاناة النفسية للسجناء وذويهم.
وبشأن الجمود والتوقف شبه الكامل في عمليات تبادل الأسرى، بما في ذلك التبادل المحلي، أوضح مسعود أن تعنت الحوثي هو السبب الرئيسي وراء هذا التوقف.
وأضاف أن المليشيا "تتعامل مع الملف بعقلية مليشاوية وليس من منطلق إنساني"، بل إنها "تعتبر السجون شركات استثمار مالية" من خلال حوالات الأسرى والمختطفين.
وفيما يخص الأحاديث المتزايدة عن استخدام مليشيا الحوثي لأساليب تعذيب نفسي جديدة ومكثفة ضد المختطفين والسجناء في عام 2025، أكد مسعود أن التعذيب النفسي يتخذ عدة أشكال، وعلى رأسها الإخفاء القسري ومنع التواصل مع الأهل والزيارات.
وأشار إلى أن هذا التعذيب انعكس بشكل سلبي على الضحايا وذويهم صحيًا ونفسيًا، حيث أصبح العشرات في حالة نفسية سيئة، بل وصل البعض منهم إلى خانة "المجانين" ، لافتاً الى أن ذلك انعكس على ذويهم، فظهرت أمراض الضغط والسكر وغيرها من الأمراض المزمنة.
وفي ظل هذه التحديات، أوضح مسعود أن الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين تقوم بعملية الرصد والتوثيق، وتنظم فعاليات المناصرة والحماية.
كما تعمل على التشبيك مع المنظمات المحلية والدولية. وفي إطار الجانب الإنساني، تساهم الهيئة في ترتيب الأوضاع المالية للمختطفين عبر الجهات المعنية ، كما يقول مسعود.
رسالة مختطف سابق للمجتمع الدولي
عصام بلغيث صحفي ومختطف سابق يرى أن ملف المختطفين مهمل بسبب عرقلة المليشيات الحوثية التي ترفض المفاوضات وتستخدم هذا الملف كورقة سياسية ودروع بشرية ، حسب قوله.
ويحمل بلغيث مكتب المبعوث الأممي مسؤولية كبيرة لـ"تماهيه" مع أطروحات المليشيا، رغم قدرته على الضغط للإفراج عنهم.
موجها رسالة للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية بأن تقوم بواجبها الأخلاقي والإنساني في مناصرة وحماية الضحايا، والضغط على جماعة الحوثي للإفراج عن المختطفين.
دعوة لإنهاء الكابوس
المختطفون اليمنيون هم ضحايا منسيون، يعانون ألوان العذاب في سجون الحوثي، بينما تتقاذفهم رياح السياسة وتتجاهلهم وعود زائفة ، إن إنهاء هذا الكابوس الإنساني يتطلب تحركًا جادًا وضاغطًا من جميع الأطراف المعنية.
وعلى الحكومة الشرعية أن تضع هذا الملف على رأس أولوياتها، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والإنسانية، وأن يمارس ضغوطًا حقيقية على المليشيا لإطلاق سراح المختطفين دون قيد أو شرط، ومحاسبة المتورطين في جرائم التعذيب والانتهاكات.