من المستنقع إلى الجمود: لماذا لا يزال اليمن بدون سبيل نحو السلام
الخميس 12 يونيو 2025 - الساعة 08:18 مساءً
المصدر : الرصيف برس - مركز صنعاء للدراسات

تحليل: يساء شجاع الدين
الاتفاق الأخير بين الرئيس الأمريكي ترامب والحوثيين يمثل نقطة تحول هامة في الصراع اليمني الذي دام عقدًا من الزمن، حيث قدم نهجًا جديدًا للتفاوض وإبرام الصفقات في البلاد. هذا الاتفاق السريع سمح لجميع الأطراف المعنية بتحويل تركيزها بعيدًا عن الأزمة اليمنية المستمرة، مع إعطاء الأولوية لصفقات الأعمال خلال زيارة ترامب الإقليمية أو معالجة قضايا أخرى أكثر قابلية للحل، على عكس القضية اليمنية التي تبدو عصية الحل.
كان هذا الاتفاق أيضًا جزءًا من الدور الدبلوماسي النشط لسلطنة عمان في الصراع اليمني. فقد نجحت عمان في وقت سابق في الوساطة من أجل اتفاق محتمل بين الحوثيين والسعوديين، على الرغم من أن التقدم تم تعليقه في النهاية بسبب تورط الحوثيين في حرب غزة.
*تقدمت وساطة عُمان حيث فشلت الأمم المتحدة*
لقد ساعدت الوساطة العمانية في كسر الجمود الذي وصلت إليه جهود الأمم المتحدة. منذ فشل مفاوضات الكويت في 2016، عملت الأمم المتحدة لإحضار أطراف الصراع اليمني إلى طاولة المفاوضات. وقد تركزت المحاولات اللاحقة على وقف إطلاق نار جزئي فقط، مثل اتفاقية ستوكهولم، أو القضايا الإنسانية والاقتصادية المحدودة، مثل تبادل الأسرى. توقفت المحادثات التي كانت تهدف إلى حل شامل للصراع تمامًا منذ انهيار مفاوضات الكويت.
استضافت عُمان مفاوضين حوثيين منذ بداية الحرب في 2015، مما عزز دورها كوسيط رئيسي. وتظل سلطنة عُمان واحدة من الدول العربية القليلة التي تحافظ على علاقات قوية مع إيران، منذ عهد الشاه وحتى الوقت الحاضر، مما يمكنها من تقديم دعم حاسم للحوثيين وكسب نفوذ كبير في عملية الوساطة.
على الرغم من أن عمان كانت الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية في 2015، إلا أن هذا الموقف لم يضر بشكل كبير بعلاقتها مع السعودية، على الرغم من التوترات في بعض الأحيان، خاصة فيما يتعلق بالاتهامات التي تشير إلى أن عُمان سهلت تهريب الأسلحة إلى الحوثيين. ومع ذلك، تمكنت الدولتان من احتواء هذه التوترات والخلافات ضمن سياق الصراع اليمني، وظلت ملتزمة بالحفاظ على علاقات ثنائية مستقرة.
نتيجة لذلك، حافظت عُمان على علاقات جيدة مع جميع الأطراف المشاركة في الصراع، مما مكنها من أداء دور الوساطة دون التعقيدات البيروقراطية المرتبطة بالعمليات التي تقودها الأمم المتحدة، مثل المتطلبات المتعلقة بالشمولية، وتمثيل النساء، وحقوق الإنسان. والأهم من ذلك، بينما تتعامل الأمم المتحدة، كمنظمة حكومية دولية، بشكل أساسي مع الدول وتفتقر إلى النفوذ على الجهات غير الحكومية مثل الحوثيين، يمكن لعُمان أن تمارس ضغوطًا حقيقية على الحوثيين بفضل علاقاتها الطويلة الأمد وتأثيرها.
*انتقد اليمنيون “خارطة الطريق” بسبب افتقارها للشفافية والتضمين الحصري*
في الواقع، من خلال الوساطة العمانية، اقترب الحوثيون والسعوديون من التوصل إلى اتفاق أشار إليه لاحقًا الأمين العام للأمم المتحدة بـ “خارطة الطريق”. على الرغم من تأييد الأمم المتحدة للصفقة، إلا أنها لم تكن مشاركة في عملية التفاوض نفسها، التي ظلت تقتصر على التفاعل المباشر بين الحوثيين والسعوديين، بتسهيل حصري من عُمان.
ومع ذلك، تعرضت جميع الأطراف اليمنية غير الحوثية تقريبًا لانتقادات واسعة لخارطة الطريق لعدة أسباب. أولاً، كان هناك نقص في الشفافية، إذ لم يتم نشر أي وثيقة رسمية أو نص للاتفاق، واكتفت المعلومات المسربة بالتداول في وسائل الإعلام. ثانيًا، كانت عملية التفاوض حصريّة بشكل لا يمكن انكاره، مما أدى إلى تهميش جميع الفصائل اليمنية باستثناء الحوثيين.
ثالثًا، استنادًا إلى التفاصيل المسربة، يتكون الاتفاق من ثلاث مراحل. وترتكز معظم الانتقادات على المرحلة الأولى، التي تبدو وكأنها تلبّي جميع مطالب الحوثيين دون أن تطلب أي تنازلات مقابل ذلك. في المراحل اللاحقة، عندما يُفترض أن يقدم الحوثيون تنازلات، لن يتبقى أي نفوذ يُذكر. في الأساس، يبدو أن الاتفاق يخدم مصالح الطرفين المتفاوضين فقط: تلبية الاحتياجات الاقتصادية للحوثيين واهتمامات السعودية الأمنية، بينما يتجاهل الأسباب العميقة للصراع اليمني.
*نهج ترامب لن ينجح في الديناميكية بين الحوثيين والسعودية*
بينما قد تكون الحصرية قد نجحت في الاتفاق بين ترامب والحوثيين، حيث كان الهدف الأمريكي الوحيد هو وقف هجمات الحوثيين على الشحنات في البحر الأحمر، إلا أن نفس النهج غير مناسب للديناميكية بين الحوثيين والسعوديين. فطبيعة وأسباب الصراع في هذه الحالة أكثر تعقيدًا بكثير.
ومع ذلك، لا يزال يتم تقديم خارطة الطريق كنقطة مرجعية لحل الصراع اليمني، على الرغم من الانتقادات الواسعة وحق النقض الأمريكي بعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. كما أن إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية جعلت بعض العناصر الأساسية في خارطة الطريق غير عملية. تعكس هذه التطورات الاتجاه المتزايد لتهميش الصراع اليمني المستعصي من خلال معالجة تداعياته الأمنية الفورية فقط، مع ترك جذوره دون معالجة.
*هناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعل السلام في اليمن يبدو بعيد المنال:*
تفكك المعسكر المناوئ للحوثيين: فشل دمج جميع الفصائل في الحكومة المعترف بها دوليًا في حل التناقضات الداخلية، والتنافسات الشخصية، والهويات الإقليمية المتنافسة. وتتعزز هذه الانقسامات بسبب المنافسات الخارجية، خاصةً التنافس بين السعودية والإمارات، مما شل قدرة الحكومة على العمل بفعالية.
اختلال ميزان القوة لصالح الحوثيين: بدأ الحوثيون، وهم جماعة أيديولوجية مغلقة قائمة على الهوية، في بناء دولة تتماشى مع عقيدتهم. وهذا يجعلهم غير ميالين لمشاركة السلطة أو تقديم تنازلات مع الفصائل اليمنية الأخرى.
الرؤى المتضاربة لمستقبل اليمن: لا يوجد إجماع على الهيكل السياسي والإقليمي للبلاد، سواء كان يجب أن يكون موحدًا أو فدراليًا أو مقسّمًا. وبالمثل، هناك خلاف بشأن النظام السياسي نفسه، حيث يدعو البعض إلى نموذج جمهوري، بينما يميل آخرون نحو نظام أكثر دينيّة.
لقد كانت الإدارة الأمريكية واضحة في تصريحها بأنها غير مهتمة بالتورط في الحرب اليمنية. وقد ارتبط ذلك بتعليق المساعدات الإنسانية خلال فترة قاربت السبعة أسابيع من القصف في اليمن. أما بالنسبة للسعودية، فبعد سبع سنوات من التدخل العسكري، أصبح من الواضح أن الحرب قد تحولت إلى مستنقع لا يمكن الانتصار فيه، مما استنزف أموال المملكة وأضر بسمعتها الدولية.
*اليمن يحتاج إلى استراتيجية سياسية واقتصادية شاملة*
خلال زيارة الرئيس ترامب إلى المنطقة، كان اليمن غائبًا بشكل ملحوظ عن جدول الأعمال. حتى طلب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني للاجتماع مع ترامب خلال زيارته إلى السعودية تم تجاهله. من الواضح أن اليمن يُنظر إليه كعبء لا عوائد ملموسة من ورائه، مما يجعله شيئًا يُفضل تجنبه. ونتيجة لذلك، يبدو أن أي مبادرة سلام مقترحة تتماشى أكثر مع استراتيجية احتواء بدلاً من الحل، تهدف إلى محلية الصراع لمنع تداعياته الإقليمية الأوسع، حتى وإن كانت الحلول جزئية وقصيرة النظر.
في الواقع، تعود أزمة اليمن العميقة إلى عقود من السياسات قصيرة النظر والإفراط في الاعتماد على النهج الأمني. ما يحتاجه اليمن حقًا هو استراتيجية سياسية واقتصادية شاملة يمكن أن تحقق نتائج أكثر بناءً وديمومة. ومع ذلك، فإن ذلك سيتطلب جهودًا مستدامة وطويلة الأمد تعتمد على التخطيط الاستراتيجي بدلاً من التخطيط التكتيكي. وإلا، فإن الاعتماد المستمر على السياسات التفاعلية لن يحل الأزمة. حتى وإن تمكنت هذه النهج من احتواء بعض آثارها الفورية، فإنها ستفشل في النهاية مع تعمق الأزمة مع مرور الوقت.
ميساء شجاع الدين باحثة أولى في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. تم نشر كتاباتها وتحليلاتها في العديد من وسائل الإعلام مثل جدلية، والسفير العربي، والعربي الجديد، وكارنيغي، وفورين بوليسي، ومبادرة الإصلاح العربي، والمونيتور. تحمل شجاع الدين درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية من الجامعة الأمريكية في القاهرة، وترتكز أطروحتها على الزيدية.