الحوثيون استخدموا صواريخ “سكود” معدّلة لضرب أهداف في "إسرائيل"
السبت 14 يونيو 2025 - الساعة 06:01 مساءً
المصدر : الرصيف برس - Breaking Defense

أنصار الله، الاسم الرسمي لحركة الحوثيين في اليمن، بدأوا بإطلاق صواريخ باليستية باتجاه إسرائيل عقب اندلاع الحرب على غزة عام 2023، زاعمين أن ذلك يأتي دعمًا للشعب الفلسطيني. وحتى الآن، نُفذت أكثر من 60 هجمة.
ورغم حرصهم على إعطاء انطباع باستخدام صواريخ فرط صوتية متطورة، إلا أن حطام معززات الصواريخ الحوثية التي سقطت داخل إسرائيل يُظهر أن العديد منها ليست سوى نسخ معدّلة من صواريخ “سكود” الشهيرة، التي طوّرها الاتحاد السوفيتي أواخر خمسينيات القرن الماضي.
ومع أن الحوثيين يُعرفون باستخدامهم نسخًا مختلفة من صواريخ سكود، فإن أكثرها شيوعًا لديهم – صاروخ “ذو الفقار” – لا يتجاوز مداه 1400 كيلومتر، وهو مدى لا يكفي للوصول إلى إسرائيل.
فما الذي يجري إذًا؟
يبدو أن الجماعة طوّرت نسخة محسّنة من صواريخ سكود تمنحها مدىً إضافيًا.
ويشير تحليل جديد لحطام الصواريخ إلى أن الحوثيين يستخدمون طرازًا جديدًا من سكود يتميز برأس عائد أصغر من المستخدم في صاروخ “ذو الفقار”، وربما بحمولة قتالية أقل أيضًا.
وبالاعتماد على تحليل تقني شمل محاكاة حاسوبية وصورًا ومقاطع مصوّرة، تبيّن أن الصاروخ بات قادرًا على قطع مسافة تصل إلى 2000 كيلومتر – وهي المسافة اللازمة لضرب وسط إسرائيل – بفضل خزانات وقود أطول بكثير.
ورغم أن هذه التعديلات تقلّص من الفاعلية العسكرية للصاروخ، إلا أن الهدف الأساسي منها يبدو أنه إثبات قدرة الحوثيين على الوصول إلى العمق الإسرائيلي.
وقد سُجّل أول هجوم صاروخي باليستي شنّته الجماعة على إسرائيل في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد توقفت الهجمات لفترة وجيزة بين منتصف يناير/كانون الثاني ومنتصف مارس/آذار 2025، خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، لكنها استؤنفت بعد ذلك، رغم الضربات الجوية الإسرائيلية والبريطانية والأمريكية ضد اليمن.
في البداية، استهدفت معظم الهجمات مدينة إيلات، الواقعة في جنوب إسرائيل، ما تطلّب أن تقطع الصواريخ مسافة تقارب 1700 كيلومتر. لكن خلال الأشهر التالية، توسعت الهجمات لتطال وسط إسرائيل، ومؤخرًا وصلت حتى مدينة حيفا في أقصى الشمال، ما يستلزم استخدام صواريخ يصل مداها إلى نحو 2000 كيلومتر. حتى الآن، كانت الأضرار محدودة.
فبعض الصواريخ الحوثية فشلت في الوصول إلى أهدافها وسقطت أثناء الطيران، فيما تم اعتراض أخرى بأنظمة الدفاع الصاروخي، حيث استخدمت إسرائيل منظومتي “آرو-2” و”آرو-3”، في حين نشرت الولايات المتحدة منظومة الدفاع الصاروخي “ثاد” في إسرائيل.
مع ذلك، سُجّلت ثلاث حالات معروفة لانفجار الرؤوس العائدة (RVs) بعد وصولها إلى الأرض، بما في ذلك هجوم على مطار بن غوريون في مايو/أيار من هذا العام، واثنان في ديسمبر/كانون الأول 2024 (يومي 19 و21)، حين دمّر أحد الصواريخ مبنى مدرسة خاليًا وأصاب صاروخ آخر ملعبًا للأطفال في تل أبيب، ما أدى إلى إصابة 16 شخصًا بجروح طفيفة.
في دعاية جماعة الحوثي حول هذه الهجمات، يُشار صراحة إلى استخدام صاروخ “ذو الفقار”، وهو الصاروخ نفسه الذي استخدم في هجمات بعيدة المدى على الدمام (على الساحل السعودي للخليج العربي) عام 2021، وعلى أبو ظبي عام 2022.
ويُعرف هذا الصاروخ أيضًا باسم “بركان-3”، وهو تطوير لصاروخ “بركان-2H”، الذي يتميز بحمولة قتالية أقل وخزانات وقود أكبر.
ووفقًا لتحليل أعدّه فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، فإن “بركان-2H” يُعد نسخة مطوّرة من الصاروخ الإيراني “قيام”، والذي هو بدوره تطوير للصاروخ السوفيتي الأصلي “سكود”.
وعندما كُشف عن صاروخ “ذو الفقار” عام 2019، لم يكن له نظير معروف في الترسانة الإيرانية. (إيران استعرضت لاحقًا نسخة تُعرف باسم “رضوان” خلال عرض عسكري في طهران عام 2022، وادّعت أن مداه الأقصى يبلغ 1400 كيلومتر).
وإذا ما صُدّقت الدعاية الحوثية، فإن الجماعة تستخدم أيضًا صاروخًا يعمل بالوقود الصلب يُعرف باسم “فلسطين-2”، وتزعم أنه صاروخ فرط صوتي يبلغ مداه الأقصى 2150 كيلومترًا.
عمومًا، يُطلق مصطلح “فرط صوتي” (Hypersonic) على السرعات التي تتجاوز خمسة أضعاف سرعة الصوت – أي نحو 1.7 كيلومتر في الثانية في الهواء، اعتمادًا على الارتفاع.
ومع ذلك، فإن أي صاروخ باليستي يتجاوز مداه نحو 1200 كيلومتر يصل تلقائيًا إلى تلك السرعة أثناء طيرانه، ما يجعل استخدام هذا الوصف في كثير من الأحيان دعائيًا أكثر منه دقيقًا من الناحية الفنية.
كما عرض الحوثيون سلاحًا يُعرف باسم “طوفان”، وهو النسخة الحوثية من الصاروخ الإيراني “قدر”، الذي يعمل بالوقود السائل، ويبلغ قطره 1.25 مترًا، ويصل مداه الأقصى إلى نحو 1950 كيلومترًا.
وبالنظر إلى المسافة المطلوبة لضرب إسرائيل، كان من الطبيعي أن يُنظر إلى هذين الصاروخين كمرشحين رئيسيين للهجمات. لكن يبدو أن ذلك ليس هو الواقع.
ففي سبتمبر/أيلول 2024، سقط جزء من خزان وقود خاص بصاروخ يعمل بالوقود السائل قرب القدس، وتبيّن أن قطره أقل بوضوح من 1.25 متر. وفي يناير/كانون الثاني 2025، سقط محرك صاروخي آخر في المنطقة نفسها، وأظهرت تفاصيله – بما في ذلك شكل غرفة الاحتراق ونقاط تثبيت الدعامات – أنه محرك من طراز سكود.
كما أظهرت حطام صواريخ أخرى مواصفات مماثلة. جميع هذه المؤشرات تؤكد أن الصواريخ المستخدمة هي نسخ معدّلة من “سكود”، وليست من طراز “طوفان” أو “فلسطين-2”.
*أقوى، وأسرع، وأبعد مدى*
لزيادة مدى صاروخ من طراز “سكود” (مع بقاء نوع الوقود والمحرك ثابتين)، يجب زيادة نسبة الكتلة المخصصة للوقود من إجمالي كتلة الإقلاع إلى الحد الأقصى.
ويمكن تحقيق ذلك بطرق عدة، منها: تقليص الحمولة القتالية، وتخفيف الوزن الهيكلي، وتقليل كتلة المكونات الأخرى مثل الجيروسكوبات ومقاييس التسارع، إلى جانب إطالة خزانات الوقود.
العراق طبّق بعض هذه التعديلات في عهد صدام حسين. فالصاروخ الأصلي “سكود-بي” كان مداه 300 كلم ويحمل رأسًا حربيًا بوزن 1000 كغ. أما صواريخ “الحسين” العراقية، فتم تصنيعها بإطالة خزانات الوقود وتقليص الحمولة إلى النصف، مما ضاعف المدى. وخلال حرب الخليج عام 1991، أطلقت بغداد عشرات الصواريخ باتجاه إسرائيل والسعودية.
الصاروخ الإيراني “قيام” اتبع نهجًا مشابهًا، بدمج هيكل أخف وخزانات أطول ومنظومات توجيه وملاحة وتحكم أكثر كفاءة، مع حمولة قتالية أخف.
وبفضل هذه التحسينات، يطير “قيام” أكثر من 700 كلم برأس حربي يزن 750 كغ.
أما “بركان-2H”، الذي استخدمه الحوثيون ضد الرياض عام 2019، فقد أظهر تحليل أنه قادر على الوصول إلى 950 كلم بحمولة 500 كغ فقط.
ولتحليل إمكانية وصول “ذو الفقار” إلى مدى 1400 كلم، استُخدم مقطع مصوّر لتحليل تسارع الإقلاع، وحُسبت كتلة الإقلاع بنحو 6550 كغ.
وأظهرت المحاكاة أن الوصول إلى مدى 1400 كلم يتطلب رأسًا حربيًا بوزن 250 كغ ونسبة كتلة ميتة (dead-weight) تبلغ 14.2%.
وهذه النسبة ممكنة فنيًا، وقد استخدم “سكود” الأصلي نسبًا أعلى منها، بينما صواريخ مثل R-27 السوفيتية بلغت نسبًا قريبة من 11%.
لكن هذا المدى لا يكفي لضرب وسط إسرائيل. فما التعديلات المطلوبة؟
الاحتمال المرجّح: تخفيف الرأس الحربي وإطالة خزانات الوقود.
صور حطام صواريخ في إسرائيل أظهرت تصميمًا مخروطيًا مختلفًا في المقدمة، ورأسًا حربيًا أصغر.
وفي أبريل/نيسان، ظهرت صور لرافعة إسرائيلية ترفع رأسًا حربيًا صغيرًا من أحد المواقع المستهدفة.
وبتقليص الحمولة إلى 100 كغ، ومع بقاء نسبة الكتلة الميتة عند 14.2%، يمكن نظريًا الوصول إلى مدى 1656 كلم. لكن هذا لا يكفي.
ولتحقيق مدى 2000 كلم، يتطلب الأمر إطالة خزانات الوقود بنحو 1.5 متر وخفض نسبة الكتلة الميتة إلى 12% أو أقل.
وفي حال استخدام حمولة 150 كغ، يجب أن تطول الخزانات أكثر من مترين وتنخفض الكتلة الميتة إلى أقل من 11.3%.
رغم أن هذه القيم منخفضة، إلا أنها تظل ممكنة نظريًا.
لكن الصاروخ سيكون أكثر هشاشة، ما قد يفسّر حالات الفشل أثناء الطيران.
ومن جهة أخرى، فإن تقليص الحمولة يضعف الفاعلية القتالية، إلا أن هذه ليست أولوية لدى الحوثيين مقارنة بما تمثّله الضربات من رمزية استراتيجية.
ولا يعني هذا أن الحوثيين لم يستخدموا صواريخ من طراز “طوفان” أو “فلسطين-2”، لكن لا توجد أدلة مادية مؤكدة على ذلك حتى الآن.
وفي ظروف مناسبة، حتى نسخة محسّنة من “سكود” قادرة على اختراق الدفاعات الإسرائيلية — مهما بلغت كفاءتها.