اسرار وخفايا تدمير المؤسسة الأمنية في تعز
الثلاثاء 30 ابريل 2019 - الساعة 10:19 مساءً
المصدر : الرصيف برس- المدونة اليمنية
منذ بدء الحرب بداية العام 2015، وما خلفته من تدمير لمؤسسات الدولة المختلفة، شهدت مدينة تعز انفلاتاً أمنياً في ظل تزايد الجرائم المختلفة، والتي تظل جرائم مسجلة ضد مجرم خفي اسمه “المجهول”.
انقسام فصائل المقاومة أدى إلى بروز مراكز قوى تمارس مهام الدولة، وهو ما زاد من انتشار الجريمة في ظل الغياب التام للمؤسسة الأمنية، ليبرز شبح الانفلات الأمني الذي تظل ظاهرة الاغتيالات المتزايدة خلال الأعوام السابقة في تعز، أبرز ملامح هذا الانفلات.
مع بداية حالة التعافي في بعض المؤسسات، أولت السلطة المحلية الجانب الأمني اهتماماً استثنائياً، وجعلته في أولوية عملها، فقدمت له الدعم المالي والتسليح، لكن بالمقابل تبخر هذا الدعم لصالح أجندة حزبية في سبيل بناء الجهاز الأمني السري التابع للجماعة.
في هذا الملف سنتطرق إلى مناقشة الانفلات الأمني في تعز وأسبابه، والجهود التي بذلت لمعالجة هذا الملف الشائك، ولماذا فشلت أو أفشلت هذه الجهود، وما التحديات التي تتربص بمحافظة تعز في الجانب الأمني.
ما لا يمكن إغفاله أن هناك عدداً من الأسباب تقف وراء الانفلات الأمني في تعز، وفي مقدمتها انهيار المؤسسة الأمنية عقب اجتياح تعز من قبل الحوثيين، في مارس 2015 م، فقد أدى الانقلاب إلى تدمير البنية التحتية للمؤسسة الأمنية، ونهب المعدات الخاصة بها من سيارات وأسلحة و ارشيف، وتوقف الكادر الوظيفي عن ممارسة مهامه، خاصة في ظل انقطاع الرواتب.
هذا الأمر تسبب بغياب تام للأجهزة الأمنية ودخول المدينة في مرحلة الفوضى، لتقوم المجاميع والفصائل المسلحة بتشكيل أجهزة أمنية تابعة لها في مناطق سيطرتها، وهو ما زاد من تعقيد الأمر في ظل حالة الانقسام بين الفصائل المسلحة التي تتبع أطرافاً وقوى سياسية مختلفة ومتباينة.
ما بين الأسباب السياسية والجنائية، ترى القيادات الأمنية في تعز أن تزايد الجريمة مرتبط بحالة غياب الدولة ومؤسساتها، والتي انهارت بشكل كامل عقب انقلاب الحوثيين على الدولة وتدمير مؤسساتها واجتياحهم للمدينة وإعلان الحرب عليها في مارس 2015 م.
قيادات أمنية ترى أن الأسباب التي تقف وراء معظم الجرائم هي بالغالب أسباب سياسية، حيث اتهمت “الانقلابيين” بالوقوف خلف عمليات الاغتيال المتزايدة في تعز، من خلال تغذية خلايا تابعة لها تنفذ هذه العمليات التي تستهدف أفراد الجيش الوطني تحت مسمى تنظيم القاعدة وداعش.
لكن، بالمقابل، هناك قيادات أمنية أخرى ترى أن معظم الجرائم تتم لدوافع جنائية تتمثل إما بالسرقة أو الثأر، خاصة أن هناك عدداً كبيراً من المجرمين الذين خرجوا من السجن المركزي، وجدوا في خروجهم من السجن فرصة للتخلص من الخصوم، أو لاستغلال الانفلات الأمني لممارسة الجريمة، أو تتم تصفيتهم من خصومهم الذين وجدوا في غياب الدولة فرصة لأخذ الثار من غريمهم الذي بات طليقاً.
ففي ظل سيطرة الفصائل والجماعات المسلحة على المدينة، قامت هذه الفصائل بتقسيم المدينة إلى مربعات خاضعة لها ولا تخضع للدولة ولا لسلطاتها، ومارست هذه الفصائل مهام الجانب الأمني بشكل يتنافى مع قيم الدولة وقوانينها ومعايير إدارتها، فأنشأت أقسام شرطة ومحاكم وسجوناً خاصة مارست من خلالها أعمالاً مليشاوية، وهو ما أسهم بخلق بيئة ملائمة لانتشار العصابات الإجرامية التي مارست كل أنواع الاختلالات والجرائم التي طالت المواطن والمنشآت والبنية التحتية، فانتشرت ظاهرة الاغتيالات والقتل والتقطع ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتخريب البنية التحتية المتمثلة بشبكة الكهرباء والتلفون والمياه وكل المصالح العامة .
كما أن السلاح المنفلت مثّل أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة الانفلات الأمني وزيادة معدلات الجريمة، حيث بات السلاح في متناول الجميع وبدون أي ضوابط تنظم آلية حيازته واستخدامه، وهو الأمر الذي ساعد المجرمين، وخاصة الهاربين من السجون، في تنفيذ جرائم السرقة والسطو تحت تهديد السلاح، وكذا جرائم الاغتيالات والقتل.
ومع إعادة بناء المؤسسة الأمنية، وما رافقها من اختلالات، في ظل تدني كفاءة وخبرة الكادر الجديد، عمل حزب الإصلاح على الدفع بأفراده للمؤسسة الأمنية وعدم استيعاب الكادر القديم الذي يمتلك الخبرة والكفاءة، حيث تم التخلص منه تحت مبرر أنه “نظام سابق”.
جهود السلطة المحلية لإصلاح المؤسسة الأمنية.
خلال توليه مهامه كمحافظ لمحافظة تعز، عمل الدكتور أمين أحمد محمود على اتخاذ عدد من الخطوات التي من شانها أن تسهم في توفير الأمن والاستقرار، من خلال التوجه لإعادة بناء المؤسسة الأمنية على أسس ومعايير مهنية ووطنية، بهدف منع أي تدخل أو هيمنة عليها من قبل أي طرف أو مكون، حيث عمل على تفعيل عمل اللجنة الأمنية لإصدار القرارات والإشراف على التنفيذ وحشد الإمكانيات لبسط الأمن والاستقرار، بالتنسيق مع كل الوحدات الأمنية والعسكرية.
كما عمل على ترميم المؤسسات والمنشآت الأمنية والعسكرية في منطقة العرضي، في إطار خطة التطبيع التي وضعها لتعود هذه المؤسسات الهامة لمزاولة العمل من مقراتها الرسمية، كما أصدر قرار إغلاق المحاكم والسجون الخاصة، ومتابعة التنفيذ مع الجهات المعنية، وكذلك قرار تسليم المنشآت الحيوية للجهات المعنية، ومتابعة التنفيذ، والتي نجحت في تسليم أكثر من 50 مؤسسة ومنشأة وموقعاً.
كذلك أصدر المحافظ السابق قرار تشكيل الحملة الأمنية المشتركة عقب اغتيال حنا لحود، والإشراف على التنفيذ وتوفير الإمكانيات اللازمة لها لملاحقة وضبط العناصر الخارجة عن القانون، كما أصدر القرارات والتوجيهات بإزالة النقاط العشوائية في مداخل المدينة وتثبيت 17 نقطة، كما قام بتكليف لجان للتهدئة ونزع بؤر التوتر بين الأطراف المتنازعة، وإصدار التوجيهات اللازمة للمؤسسة الأمنية للتواجد بهيئة ومهام الدولة في الأماكن اللازمة، كما وجه بإعداد خطة أمنية واعتمادها بتقسيم المدينة إلى مربعات أمنية، وتحديد الإجراءات والاختصاصات والجهات المنفذة، والمدة الزمنية، كما عمل على توفير الدعم والمعدات للمؤسسة الأمنية لتنفيذ المهام الموكلة بها، والقيام بواجبها بالتنسيق مع الحكومة والإخوة في التحالف وقيادة السلطة المحلية.
وقد بلغ مقدار الدعم المالي الذي تم تقديمه من السلطة المحلية للمؤسسة الأمنية 101.798.870 ريالاً، ووزعت على الحملة الأمنية: (مدير عام الشرطة) وقوات الأمن الخاصة والشرطة العسكرية وشرطة الدوريات وشرطة السير والعمليات المشتركة.
كما تم تسليح المؤسسة الأمنية بتعز عبر دعم الأمن العام بـ10 أطقم، وقوات الأمن الخاصة بـ12 طقماً و19 هايلوكس، وشرطة الدوريات بـ12 طقماً و7 دوريات، والشرطة العسكرية بـ8 أطقم وبوزة وسيارة إسعاف ودينة، وهذا الدعم مقدم من السلطة المحلية ووزارة الداخلية والتحالف.
كما تم دعم قوات الأمن الخاصة، وهو الدعم المقدم من التحالف العربي، بـ300 قطعة سلاح آلي و27.500 ذخيرة آلي، كما تم دعم الحملة الأمنية بمبلغ 167.000.000 ريال مصروفة من محافظ المحافظة قيمة ذخائر تم شراؤها بيد العميد محمد المحمودي، وتم تسليمها عهدة مع قيادة المحور.
السر وراء الفشل المتلاحق
رغم الدعم الذي قدمه محافظ تعز السابق الدكتور أمين أحمد محمود، ووزارة الداخلية والتحالف العربي، للمؤسسة الأمنية في تعز، للنهوض بدورها والقيام بمهامها في حفظ وبسط الأمن، إلا أنها ممثلة بإدارة الشرطة ومديرها العميد منصور الأكحلي، لم تعمل على تسخير هذا الدعم لتأسيس عمل أمني وفقاً للمعايير المهنية المتعارف عليها، بل تم تسخير هذا الدعم لصالح أجندة حزبية، وعمل على إفشال المؤسسة الأمنية بطريقة ممنهجة عبر عدد من المخالفات التي أوردها تقرير صادر عن مكتب المحافظ السابق.
ووفقاً للتقرير، فقد تمثلت أهم المخالفات التي ارتكبها مدير عام شرطة تعز العميد منصور الأكحلي، برفض التوجيهات بإيقاف بعض قرارات التعيين التعسفية، ورفض التوجيهات بإيقاف كشف الترقيات المرفوع لنائب رئيس الوزراء وزير الداخلية بترقية عدد من أفراد الأمن، حيث كانت توجيهات المحافظ تقضي بتشكيل لجنة لترشيح المستحقين للترقية بشفافية (مرفق صورة من التوجيه ورد مدير عام الشرطة)، وكذا رفض قرار نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية بتعيين مدير لفرع مصلحة الدفاع المدني.
كذلك تم اتهام مدير عام شرطة تعز، وفقاً للتقرير، بالتقاعس عن تنفيذ وأداء الواجب، واستغلال السلطة لأغراض شخصية وحزبية عن طريق عدم استيعاب القوة الأساسية السابقة من الضباط والصف والأفراد من منتسبي إدارة شرطة المحافظة، وممن تم ضمهم من المحافظات الأخرى، إذ تتجاوز القوة 900 ضابط، وأكثر من 8000 صف وجندي، حسب كشف المرتبات. وإذا عدنا إلى الواقع نجد أن القوة العاملة فعلاً تتمثل في القوة الإدارية في الجهات الإيرادية (الهجرة والجوازات – الأحوال المدنية – ونسبة محدودة في شرطة السير)، وبدرجة محدودة في بعض الإدارات والبحث الجنائي، بينما القوة الميدانية المسلحة والمطلوبة في المرحلة الراهنة لضبط الأمن والاستقرار، والمفترض تواجدها في معسكر الأمن والنظام وإدارة المنشآت وحماية الشخصيات وشرطة المديريات وأقسام الشرطة، فإن هناك تعمداً واضحاً بعدم استيعابها وتقديمها اسمياً فقط في الكشوفات والاستفادة من الخصومات المالية من مرتباتهم، والاعتماد بدلاً عنها على ضباط وأفراد من الجيش أو المستجدين، رغم انتظام صرف المرتبات وتوفر الإعاشة والإمكانيات، ورغم القرارات الصادرة عن اجتماعات اللجنة الأمنية بهذا الخصوص.
ومن المخالفات أيضاً عدم موافاة الجهات بملف قضية اغتيال مندوب الصليب الأحمر، رغم المذكرات والتوجيهات المكررة، وعدم استكمال تدريب المجندين الجدد (3000 جندي)، وتأهيلهم لميدان العمل، وعدم تجهيز قائمة سوداء بالمطلوبين أمنياً وجنائياً، وعدم تجهيز ملفات جنائية لقضايا الاغتيالات والحوادث الإرهابية التي حدثت منذً بداية العام 2018، والاكتفاء برفع إحصائيات رقمية كلما تم طلب ذلك، وعدم توفير الحماية اللازمة للمنظمات العاملة في مجال الإغاثة.
بالإضافة لذلك، فإن من المخالفات المرتكبة من قبل مدير عام شرطة تعز، استخدام السلطة في التضييق وملاحقة الناشطين بدوافع شخصية وحزبية، وعدم اعتماد وتفعيل آلية لمتابعة وتقييم القضايا الأمنية وتتبعها في سلم الإجراءات، وعدم وجود رؤية وخطة للتعامل وتقييم وإصلاح وضع الأقسام التي استحدثت مؤخراً كأمر واقع، وكذا إصدار التصريحات والبيانات في بعض الحوادث والوقائع الهامة قبل استكمال الإجراءات أو بشكل مغاير للحقيقة، الأمر الذي يتسبب بسخط في الشارع وفقدان للثقة بالمؤسسة الأمنية، وعدم الاهتمام بالكادر الأمني العامل والمنشآت الأمنية من حيث التأهيل والدعم.
كذلك قام مدير عام شرطة تعز العميد منصور الأكحلي، بإصدار وتمرير قرارات تعسفية ومخالفة للقانون ومخالفات جسيمة في التعيينات خدمة لأهداف حزبية، حيث تم بالمخالفة تعيين 13 كمدراء شرطة في المديريات، منهم 6 ضباط شرطة، و7 ضباط وأفراد جيش، بالإضافة إلى 24 مدير قسم شرطة، منهم 6 ضباط شرطة، و8 ضباط وأفراد جيش، و10 مستجدي أمن.
ومن ضمن المخالفات التي ارتكبها الأكحلي إصداره تعيينات في مرافق هامة لعناصر من خارج القوة الأساسية لإدارة الشرطة، وبرتب مزورة، وفق معايير حزبية (ينتمون لحزب الإصلاح)، وعلى سبيل المثال لا الحصر تعيين العقيد محمد حمود مديراً لإدارة القيادة والسيطرة، ومكان خدمته الأساسي أمانة العاصمة، وتعيين العقيد أحمد الأهدل مديراً للتوجيه المعنوي والعلاقات، وهو ضابط في الجيش، وتعيين الرائد عمر طالب مديراً للشؤون المالية للسجن المركزي، ومكان خدمته الأساسي أمانة العاصمة، وتعيين المقدم هائل الصرمي نائباً لمدير التوجيه المعنوي والعلاقات، ومكان خدمته الأساسي أمانة العاصمة، وتعيين المساعد صادق مقبل نائباً لمدير إدارة القيادة والسيطرة، وتزوير رتبته إلى ملازم ثانٍ، كما أن مكان خدمته الأساسي إب، وتعيين الرقيب ياسين عبدالرقيب عبدالرب الأكحلي نائباً لشؤون الأفراد، وتزوير رتبته إلى نقيب بالقرار، وهو ابن أخ مدير عام الشرطة، وتعيين شائف الحبشي ضابطاً لأمن البحث الجنائي، وهو أستاذ، وعليه سوابق اعتداء على المحافظة، وتعيين ضباط وأفراد تم تأهيلهم في مأرب، مدربين في المركز التدريبي، وهم عبارة عن عناصر حزبية من المستجدين، وخارج كشف القوة.
وأصدر العميد منصور الأكحلي قرارات تعيين مدراء شرطة لمديريات غير محررة خدمة لخطة الاستحواذ الحزبي على المناصب، حيث تم تعيين الجندي صلاح عبدالجليل سعيد مديراً لشرطة شرعب الرونة، وهو مستجد، ومن قيادات حزب الإصلاح، وتم تزوير رتبته في القرار إلى ضابط، كما أن المديرية غير محررة، كما تم تعيين العقيد عبدالله أحمد قاسم التبعي مديراً لشرطة شرعب السلام، وهي مديربة غبير محررة، والمعين ليس من منتسبي الأمن، وينتمي لحزب الإصلاح، كما تم تعيين مدير لشرطة مديرية حيفان، وهي مديرية غير محررة، والمعين ينتمي لحزب الإصلاح.
بالإضافة إلى ذلك، كشف التقرير عن تمرير قرارات تعسفية باستبعاد كوادر أمنية من أصل القوة ومتواجدة، وتغييرها بعناصر حزبية أو تعطيل الصلاحيات المخولة لهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر تم تغيير مدير القيادة والسيطرة المتواجد من بداية الأحداث، بضابط من خارج كشف القوة الأساسية، وكان يعمل في إطار سيطرة الانقلاب، وهو تغيير يفتقر للمبررات المهنية، وجاء خدمة لأهداف حزبية، كما تم تغيير نائب البحث الجنائي المعين سابقاً، ومن أصل القوة، بضابط كان يعمل في قوات الأمن الخاصة، وهو تغيير يفتقر للمبررات المهنية، وجاء خدمة لأهداف حزبية، كما تم تعيين نائب لمدير التدريب والتأهيل ومدير للمركز التدريبي في منصب مستحدث لا يوجد في الهيكل، ولضابط من خارج القوة الأساسية لإدارة الشرطة، وإعفاء مدير التدريب من الإشراف على الدورات التدريبية للأفراد، وتقليص صلاحياته بشكل مخالف للائحة، وخدمة لأهداف حزبية، كما تم تعيين نائب لمدير الاتصالات برتبة مساعد، وتكليفه القيام بمهام المدير بنفس القرار، مع وجود المدير، ولديه قراران للتعيين بالمنصب، ومتواجد من بداية الأحداث، ولا يوجد مبرر لهذا التعيين الذي جاء خدمة لأهداف حزبية.
وكشف التقرير عن حجم التجاوزات المالية في إدارة شرطة تعز، والتي بلغت 627.300.000 ريال بواقع 250.500.000 خصميات المرتبات، و93.800.000 المبالغ المتبقية من الإعاشة، و21.000.000 المبالغ المتبقية من الموازنة التشغيلية، و262.000.000 المبالغ التي لم تقدم فيها إخلاء العهد من نفقات الحملة الأمنية.
ومن مظاهر الفساد المالي والإداري، ما كشفته إحدى الوثائق الرسمية التي تداولها ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي، والتي كشفت أن اللجنة الأمنية استلمت مخصصاً مالياً لشهر واحد هو شهر يوليو 2018، بلغ 18.576.000 ريال، دون أن تحقق أياً من أهدافها.
وكشفت مذكرة رسمية مرسلة من مدير عام شرطة تعز العميد منصور الأكحلي، إلى مدير عام مكتب المالية، بتاريخ 16/9/2018، رداً على مذكرة خاصة بخصوص العهدة المنصرفة نفقات الحملة الأمنية، بنظر بسام عبده مسعود، والمتضمنة عدة ملاحظات أنه لم يسبق لهم -أي لإدارة الشرطة- العمل بصرف مثل هذه الأشياء وفق القوانين واللوائح المالية التنفيذية، كونهم جهة أمنية، ولا يوجد لديهم ممثل لمكتب المالية عند صرف عهدة نفقات الحملة الأمنية، وعليه يأمل التكرم بالتوجيه لمن يلزم بإخلاء العهدة وبصفة استثنائية، وسيتم العمل بتلك الملاحظات في أية عهدة قادمة.
أين يكمن الحل
تكمن مشكلة الانفلات الأمني في تعز بوجود مؤسسة أمنية مترهلة وهشة يتحكم فيها القرار الحزبي، في ظل وجود مؤسسة عسكرية لا تقل عنها سوءاً، بل إن المؤسسة العسكرية نفسها التي تم بناؤها بطريقة مخالفة للمعايير المتعارف عليها، تعد طرفاً أساسياً في عملية الاحتقان الأمني الذي تشهده المدينة، والناتج عن انعدام الثقة بين المكونات، وسياسات الاستحواذ والإقصاء والاستغلال التي مارسها الإخوان المسلمون ضد الأطراف الأخرى.
ويكفي أن نعرف مثلاً أن معظم منفذي عمليات الاغتيال أيضاً هم من الأفراد المنضوين في إطار الألوية العسكرية والأجهزة الأمنية التي تم تشكيلها، فبحسب النقيب أسامة الشرعبي، فإن ما يقارب 90% من الجرائم والاختلالات -بما فيها الاغتيالات- سببها أفراد أو مجاميع ينتمون للجيش أو الأمن ممن تم دمجهم من المقاومة الشعبية.
فاستقرار الوضع في تعز يستلزم وجود مؤسسة أمنية قادرة على القيام بمهامها بشكل فاعل، ولن يكون ذلك إلا بتوفر الإمكانيات والمقرات الملائمة، وفي مقدمتها المعدات والأطقم العسكرية والأسلحة، وبناء قدرات الأفراد والضباط وصف الضباط وتسليحهم، وضبط الأداء الإداري لإعادة جميع منتسبي المؤسسة الأمنية الذين لم يتورطوا في الوقوف بصف المليشيا الانقلابية لمزاولة أعمالهم جنباً إلى جنب مع زملائهم، وضمان انتظام صرف مستحقاتهم، وتوفير الكلفة التشغيلية اللازمة لإنجاز المهمة.
ولاشك أن أول خطوة لاستعادة دور المؤسسة الأمنية في تعز تبدأ من إقالة القيادة الحالية، وتعيين شخصية أمنية تمتاز بالكفاءة العلمية والخبرة الإدارية والميدانية وتغليب المصلحة الوطنية، بحيث تتحمل مسؤولية إعادة بناء المؤسسة الأمنية على أسس مهنية تضمن قدرتها على تحمل مسؤوليتها في بسط الأمن والاستقرار بالمحافظة.