البركاني ولجان البرلمان .. بين مخالفات الدستور وحساسية المرحلة وخطأ الأولويات

الثلاثاء 22 يوليو 2025 - الساعة 11:39 مساءً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي

 


وسط كارثية المشهد الذي تعيشه المناطق المحررة ، برزت اللجان الميدانية المشكلة من قبل مجلس النواب لمتابعة أداء السلطات بالمحافظات المحررة كفصل جديد من الخلاف داخل معسكر الشرعية.

 

وجاء تشكيل هذه اللجان مطلع يوليو الجاري في أول اجتماع تعقده رئاسة مجلس النواب بالعاصمة عدن وبعد أكثر من 3 سنوات على آخر اجتماع للمجلس في المدينة ذاتها.

 

واصدر رئيس المجلس سلطان البركاني عقب الاجتماع قرارات بتشكيل 3 لجان من أعضاء المجلس ، قُسم بينها المحافظات المحررة ، وحدد لها القرار "مهمة فحص نشاط السلطة المحلية والتصرفات المالية والإدارية والموارد العامة المركزية والمحلية والوقوف على الاختلالات النفطية وأعمال المؤسسات الإدارية".

 

الا أن هذه الخطوة سرعان ما فجرت الخلاف داخل معسكر الشرعية وخاصة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي لا يزال يرفض أي نشاط لمجلس النواب من دون التوافق عليه ، حيث ان المجلس هو الكيان الوحيد في الشرعية لا يملك تمثيلاً في مجلس النواب الذي يُعتبر من أطول البرلمان عمراً في العالم بعمر يصل الى 22 عاماً.

 

هذا الاعتراض ، جرى ترجمته على الأرض بما تعرضت له اللجنة البرلمانية المكلفة بمحافظتي حضرموت والمهرة، امس الإثنين، من حصار من قبل مجاميع موالية للانتقالي داخل أحد الفنادق بمدينة المكلا، قبل أن تتمكن من مغادرته بعد ساعات من التوتر. 

 

وأفادت مصادر برلمانية أن اللجنة قررت تعليق جميع أعمالها، في ظل غياب الترتيبات الرسمية لاستقبالها ، في حين اشارت مصادر إعلامية بان محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي يرفض التعاون مع اللجنة.

 

هذا الخلاف الذي اثارته لجان البرلمان ، يأتي في ظل اعتراض قانوني على تشكيل هذه اللجان ، فمهمة تشكيل اللجان المؤقتة أو الدائمة من اختصاص الهيئة العامة لمجلس النواب، وليس هيئة الرئاسة، وفق المادة (95) من الدستور، والمواد (26، 27، 70) من اللائحة الداخلية للمجلس.

 

والى جانب الاعتراض السياسي والقانوني على لجان البرلمان ، فإن الاعتراض الأهم يبقى في توقيت تشكيل هذا اللجان وفي المهمة التي أسندت اليها ، وفهم رئاسة مجلس النواب لترتيب الأولويات في الرقابة بالنظر الى الوضع الذي تشهده المناطق المحررة اليوم من انهيار اقتصادي كارثي.

 

فوضع الانهيار الكارثي الذي تعيشه المناطق المحررة ، يجعل من أولوية أي خطوة رقابية او محاولة لمكافحة الفساد ، ان تتجه نحو منبع الخلل مباشرة ، الى جوهر المشكلة وليس القفز الى اطرف المشكلة.

 

وبات الجميع يدرك أن الوضع الاقتصادي الكارثي للمناطق المحررة تعود أسبابه الى الفشل في رأس الشرعية ، أي في رأس المؤسسة التنفيذية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي وحكومته ، في إدارة هذه المؤسسة للمناطق المحررة منذ 2015م بدون خطط ولا برامج ولا موازنات.

 

والحديث عن أي محاولة رقابية على "التصرفات المالية والإدارية والموارد العامة المركزية والمحلية" كما يقول قرار البركاني ، يتطلب سؤال حكومات الشرعية : لماذا تصر منذ 2015م على العمل دون موازنة مالية؟.

 

فالمعروف ان إقرار موازنة عامة لأي حكومة هي أول خطوة لحصر وضبط الإيرادات والنفقات على المستوى المركزي وهو الأهم وينسحب بعد ذلك الأمر الى السلطات المحلية بالمحافظات ، بل أن أي تقصر لهذه السلطات في مسألة الإيرادات المحلية او المركزية تُحاسب عليه الحكومة أولاً.

 

وفي حين ترفض حكومات الشرعية المتعاقبة وضع موازنة عامة خوفاً من ان تدين نفسها بالعبث والفساد الذي تمارسه ، الا أن الأرقام التي توردها تقارير البنك المركزي في عدن بشكل دوري تكفي لتقديم نموذج لذلك.

 

حيث تفضح هذه الأرقام كذب مبررات الحكومة لعدم توفيرها للخدمات وانتظام صرف المرتبات بأن الإيرادات لا تكفي لذلك بسبب توقف صادرات النفط ، الا أن اخر تقرير للبنك حول الوضع المالي للحكومة لعام 2023م ينسف هذه المزاعم.

 

ورغم أن تقرير البنك قال بأن بيانات الموازنة العامة للدولة في عام 2023م أظهرت وجود عجز نقدي قيمته 1,775 مليار ريال، الان تفاصيل الأرقام تؤكد بأن ذلك لا يعني عجز الحكومة عن دفع المرتبات وتقديم الخدمات.

 

فإجمالي الإيرادات لعام 2023م بلغت 1,199 مليار ريال، في حين بلغ بند المرتبات والخدمات لعام 2023م بلغ نحو 1130 مليار ريال فقط ، أي ان الإيرادات المحلية تستطيع تغطية بند الرواتب والخدمات رغم توقف تصدير النفط.

 

الا أن ارقام البنك تُظهر ان الكارثة الحقيقة والسبب الحقيقي في العجز يعود الى البند الأكبر في باب النفقات هو بند "الإعانات والمنافع الاجتماعية" او ما يُسمى محلياً ببند "الإعاشة" الذي بلغ 1,210 مليار ريال أي اكبر من بندي الرواتب والخدمات مجتمعين.

 

وهنا يأتي السؤال الى هيئة رئاسة مجلس النواب : هل اطلعت على هذا الأرقام ؟ وهل طلبت توضيحاً من الحكومة عن وجود بند في النفقات يفوق بند الرواتب والخدمات وهما اهم التزامات الحكومة؟ وهل يعقل ذلك في حين تشكو ليل نهار من انها تعاني ازمة مالية خانقة جراء توقف تصدير النفط؟ .. أسئلة ننتظر اجابتها من رئاسة المجلس الموقرة.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس