سقط الفارس في قلعة الوهم الحوثية
الخميس 24 يوليو 2025 - الساعة 04:58 مساءً
المصدر : الرصيف برس - مارب

أحمد حوذان
في غياهب الأيام، نسج الزميل فارس أبو بارعة من الكلمات دروعًا، وظنّها حصنًا منيعًا في وجه رياح التغيير العاتية. كان يرى في نفسه بطل الأثير وهو يرعد ويحن في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف، يخط بفرشاة قلمه مصير القوم، ويرسم حدود قوة جديدة تلوح في الأفق. لقد مهّد الطريق لمن ظنّهم سيمنحونه عرشًا من ذهب، يجلسونه على كرسي الوزارة أو وكالة الإعلام، مكافأة على دوره في تمكين انقلاب أتى على صهوة الخراب والدمار. بصولات وجولات من الحروف الملتهبة، زلزل قلاع المؤتمر والإصلاح، وأسقط رموزًا ظن الناس أنها باقية كالجبال. كان يعتقد أن هذا الولاء المطلق سيكون له جواز مرور إلى العز والجاه، وأن يد الميليشيا التي صفق لها لن تطاله يومًا.
لكن الوهم تبدّد اليوم كخيوط العنكبوت الواهية، وتلاشت أحلامه تحت سماء صنعاء الملبّدة بالغيوم السوداء. سقط فارس، لا كبطل رواية يمجّد، بل كضحية في قصة مأساوية لا تروى إلا بالدموع. تحت منزله، حيث كان يصرخ ويستغيث، لم يسمع نداءه أحد سوى صدى الألم الذي تردد في أرجاء المكان. كانت زوجته تسمع صرخاته، وقلبها يتمزق وهي ترى أطفالها يرتجفون من هول المشهد الدموي. رأته ينهار، جسده النحيل يتلقى الضربات الوحشية من عمالقة لا يعرفون للرحمة طعمًا ولا لونًا. لكمات بالعصي، وضربات بأعقاب البنادق، كأنها تريد أن تنسي كل كلمة قالها، وكل حرف كتبه دفاعًا عنهم.
لم يفعل فارس شيئًا يثير غضبهم، سوى أنه طرق بابًا ظنّه سيوصله إلى قمة السلطة، بابًا كان أكثر فسادًا وعبثًا مما تخيل. لقد اعتقد أن ولائه للمسيرة القرآنية سيمنحه حصانة، لكنه اكتشف متأخرًا أن هذه القلعة لا تحمي أتباعها، بل تستخدمهم وتتخلص منهم حين ينتهي دورهم. كانت ضرباتهم القاسية على جسده النحيل بمثابة تذكير مؤلم بأن كل ما قدمه من ولاء وتضحيات لم يكن سوى وهم كبير، وأن الحقيقة الوحيدة في عالمهم هي العنف والدمار الذي يطال الجميع، دون استثناء.
وفي تلك اللحظة القاسية، أدرك فارس أن التضحيات التي قدمها كانت سرابًا، وأن الكلمات التي دافع بها يومًا خانته، وتركته وحيدًا في مواجهة "التتار الميليشاوي".
كانت تلك لحظة إدراك متأخرة، أن الولاء لأصحاب العنف لا يمنح الأمان أبدًا، بل يتركك وحيدًا في مواجهة مصير لا يعرف الرحمة ولا الغفران. فما منّوه به من وعود ذهبت أدراج الرياح، وبقي الألم وحده حقيقة ماثلة