صحيفة أمريكية : تفاهمات صينية إيرانية تمنع الحوثيين من استهداف السفن الصينية في البحر الأحمر
الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - الساعة 09:47 مساءً
المصدر : الرصيف برس - متابعات خاصة

كشفت نيويورك تايمز الأمريكية عن وجود اتفاق غير معلن بين الصين مع إيران يُلزم ووكلاء طهران في اليمن المتمثل في جماعة الحوثي بمنع استهداف السفن الصينية بالبحر الأحمر.
وقال الصحيفة بان السفن الصينية تعبر من البحر الأحمر صوب قناة السويس دون استهداف ، بينما تواصل شركات الشحن العالمية الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح لتجنب تهديدات ميليشيا الحوثي.
وتضيف بأنه على الرغم من أن الحوثيين صعّدوا هجماتهم الشهر الماضي بإغراق سفينتين، شهدت خطوط الشحن مرور ما لا يقل عن 14 سفينة صينية حاملة للسيارات من الموانئ الصينية إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، بعدد مماثل في يونيو، وفق تحليل شركة لويدز ليست إنتليجنس البريطانية.
ويقول خبراء إن بكين، عبر علاقاتها الاستراتيجية مع طهران – المورد الحصري لصادراتها النفطية – نجحت في انتزاع ضمانات أمنية لأسطولها، ما منحها ميزة لم يحصل عليها أي طرف دولي آخر.
وفي مقابل التكلفة المالية التي تتكبدها شركات الشحن غير الصينية بالالتفاف حول أفريقيا ، تحصل الشركات الصينية مثل BYD وSAIC Motor على ميزة استراتيجية مزدوجة ، تتمثل في خفض الأسعار في السوق الأوروبية بفضل تقليص تكاليف النقل، وتجاوز بعض تأثيرات الرسوم الجمركية الأوروبية على السيارات الكهربائية عبر طرح منتجات هجينة بأسعار تنافسية.
وفي المقابل، تجد الشركات اليابانية والكورية والأوروبية نفسها مضطرة لرفع أسعار البيع أو تقليص هامش الربح لمجاراة المنافس الصيني الذي يستفيد من عبوره السريع والمضمون عبر الممرات البحرية التي ما تزال مغلقة عمليًا أمامهم.
وبحسب الصحيفة فقد نجحت الصين في صياغة معادلة دقيقة تجمع بين الدبلوماسية الاقتصادية وحماية خطوط الإمداد البحري، مستفيدة من موقعها كشريك تجاري أول لإيران إذ تشتري عمليًا جميع صادرات طهران من النفط الخام، والتي تمثل نحو 60% من إجمالي الاقتصاد الإيراني ونصف ميزانية الدولة السنوية.
هذا الاعتماد الإيراني الكبير على السوق الصينية منح بكين ورقة ضغط فعّالة، مكنتها – وفق تقديرات محللين – من التوصل إلى تفاهم غير معلن مع طهران، وبالتمديد مع جماعة الحوثي المدعومة منها، يقضي بتحييد السفن الصينية عن دائرة الاستهداف مقابل استمرار تدفق العوائد النفطية الحيوية لإيران دون عوائق.
هذه المعادلة تخدم طرفين في آن واحد: فمن جهة، تضمن الصين أمن ممراتها التجارية الحيوية عبر البحر الأحمر، وهو شريان أساسي لشحناتها من السيارات والبضائع إلى أوروبا، بما يوفر لها ميزة تنافسية زمنية ومالية على حساب منافسيها.
ومن جهة أخرى، تحافظ إيران على زبونها النفطي الأكبر في ظل العقوبات الغربية، ما يعزز قدرتها على تمويل عملياتها الإقليمية، بما في ذلك دعم الحوثيين.
ويرى مراقبون أن هذه الوضعية كرّست واقعًا جديدًا في الملاحة الإقليمية، حيث أصبح الأمن البحري في بعض الممرات الإستراتيجية سلعة يمكن شراؤها أو التفاوض عليها، وهو ما قد يعيد رسم خرائط النفوذ التجاري والسياسي في المنطقة خلال السنوات القادمة.
ويرى محللون أن ما يحدث في البحر الأحمر لا يمثل مجرد أزمة أمن ملاحي عابرة، بل يفتح الباب أمام حقبة جديدة من “خصخصة الأمن البحري”، حيث تتحول حماية خطوط الإمداد من مسؤولية المجتمع الدولي إلى امتياز انتقائي تمنحه القوى الكبرى لنفسها عبر صفقات سياسية أو تفاهمات سرية.
هذا التحول يوجه ضربة لمفهوم “المشاعات العالمية” الذي كان يعتبر الممرات البحرية الدولية حقًا مشتركًا مفتوحًا أمام الجميع على قدم المساواة ، إذ إن انقسام طرق الملاحة بين سفن “مؤمنة سياسيًا” وأخرى معرضة للخطر يخلق طبقية في التجارة البحرية، تجعل القدرة على الوصول الآمن إلى الأسواق مرتبطة ليس فقط بالكفاءة الاقتصادية، بل أيضًا بالعلاقات الجيوسياسية.
وبحسب خبراء النقل الدولي، فإن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي على المدى الطويل إلى إعادة رسم خريطة التجارة العالمية، بحيث تصبح بعض الممرات تحت حماية نفوذ معين، فيما تُستبعد شركات ودول أخرى من استخدامها إلا بشروط أو أثمان سياسية، وهو ما قد يُدخل الاقتصاد العالمي في مرحلة من “تجزئة العولمة” بدلًا من تكاملها.