"غيث تحول إلى كارثة... مزارعو اليمن بين فقدان الأرض وضياع لقمة العيش"
الاحد 24 أغسطس 2025 - الساعة 07:43 مساءً
المصدر : الرصيف برس - مناخنا 22

- احلام جميل
خسرتُ أرضي": صرخة مزارعي اليمن في مواجهة التغيرات المناخية والسيول الجارفة
*"من الغيث إلى المأساة: كيف جرفت السيول أحلام المزارعين في اليمن؟"*
بتنهيدة يملؤها الحزن يحكي "مقبل علي" اسم مستعار-مزارع- في حديثه إلى موقع "مناخنا 22" كيف سُلبت منه أرضه بين عشية وضحاها؛ حيث جرفت السيول ما يقارب من 120 متر من أرضه "خسرتُ أرضي" هكذا يصف الوضع.
مقبل-مزارع من منطقة مقبنة في محافظ تعز- هو أحد المتضررين الذين خسروا أرضهم الزراعية جلها أو جزء منها جراء الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة في شهر أغسطس من العام الماضي، حيث اجتاحت العديد من مناطق اليمن موجة أمطار غزيرة وسيول جارفة بلغت 400 ملي في بعض المناطق.
يقول مقبل إن الأضرار التي لحقت بالمزارعين كثيرة حيث جرفت المواشي والتربة والطرقات وطمرت الآبار لكن كل شيء يمكن استعادته طالما أن الأرض موجودة، ولكن كيف يمكن ذلك لطالما الأرض أصبحت سائلة (مكان عبور السيل وتكون عبارة عن حصى صغير ولم تعد ارض صالحة للزراعة) حسب وصفه.
في هذا التقرير نسلط الضوء على جرف السيول والفيضانات للأراضي الزراعية وتأثير ذلك على المزارعين في محافظات:" تعز وحجة والحديدة".
*خسائر مادية*
يعد اليمن من بين أكثر ثلاث دول تأثرًا وعرضة لآثار التغيرات المناخية في العالم والأضعف في مواجهتها في الشرق الأوسط بحسب تقرير البنك الدولي، ويعد القطاع الزراعي والمزارعين الأكثر تضررًا من هذه التغيرات حيث جُرفت ما يقارب 100 ألف هكتار من مساحة الأرض الزراعية في اليمن، كانت المحافظات الأكثر تضررًا هي: "تعز وحجة والحديدة ومأرب وصعدة" حسب منظمة الفاو (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة".
ويعتمد المجتمع اليمني على الزراعة بشكل كبير خصوصًا سكان الأرياف، وتشكل الزراعة من 15% إلى 20% من الناتج المحلي اليمني، لكن هناك تأثيرا مباشرًا للتغيرات المناخية على قطاع الزراعة يترتب عليها تراجع الإنتاج الزراعي وتدهور أراضي الزراعة وزيادة الضغط على مصادر المياه حسب تصريحات د/جمال باوزير خبير التغيرات المناخية البيئة والبيئة والتنمية المستدامة إلى "مناخنا 22".
وبحسب منظمة الفاو فإن محافظات:" حجة والجوف والحديدة" من بين المحافظات الأكثر تأثرا بالفيضانات، ويقول "أحمد علي راجح" -مزارع من محافظة حجة- تحديداً مديرية عبس؛ أحد المناطق المتأثرة من سيول العام الماضي حيث جرفت المنازل خيام النازحين والمواشي، وأيضًا الأراضي الزراعية، يقول راجح: "جرفت السيول ما يقارب 2 كيلو متر من مساحة الأرض الزراعية التي أملكها".
*تغير المناخ والمطر*
تقول سعده المساوي- مزارعة-:"إن الأمطار الغزيرة التي هطلت العام الماضي 2024 كانت في شهر أغسطس/آب، احنا لأول مرة نشهد امطار غزيرة بهذه الكثافة لم نشهدها خلال 5 سنوات ماضية" ويؤكد كلامها المزارعين مقبل وراجح.
شهر أغسطس هو ذروة موسم الأمطار في الخريف في اليمن، ولكن مع تغير المناخ تجاوز قيم الذروة 400 ملم في الحديدة والمحويت و200ملم في المرتفعات الوسطى والجنوبية في عمران وأمان والعاصمة صنعاء وإب، وأكثر من 50% من الأمطار في حجة وتعز، أثرت الفيضانات الناجمة عن الأمطار الموسمية الغزيرة بشكل غير عادي، وبشكل عميق على المرتفعات الغربية والوسطى في اليمن وفق منظمة الفاو.
يقول الدكتور "جمال باوزير" خبير التغيرات المناخية البيئة والبيئة والتنمية المستدامة "إن التغيرات المناخية لها تأثير كبير على معدلات هطول الأمطار في اليمن حيث أن أمطار اليمن موسمية، ولكن بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الرياح أصبحت الأمطار اقل انتظام وأكثر تقلب، وبعض المواسم تشهد انخفاض حاد في هطول الأمطار وهذا يؤدي إلى موجات جفاف" ، ويضيف باوزير"نشهد أمطار غزيرة مفاجئة وهذا يسبب سيول جارفة تجرف التربة، إن تغير المناخ جعل هطول الأمطار أكثر من عدم الاستقرار وأقل انتظام وأصبحت الظروف بين حالات جفاف وحالات سيول".
ووفق البنك الدولي تتأثر الامطار بهذا التغير حيث يبلغ متوسط معدل هطول الأمطار السنوي 189.81 ملم على مستوى اليمن لكن هناك تباين في أنماط الهطول حسب المناطق والمواسم فـالفترة (نيسان/أبريل إلى مايو/آيار) و(آب/أغسطس إلى أيلول/ سبتمبر) هما الموسمين اللذان يشهدان معدلات أعلى في هطول الأمطار، بينما يونيو/حزيران سيكون الأشد حرارة والأقل في هطول الأمطار.
بحسب البنك الدولي نجد المناطق المرتفعة الغربية بها أعلى معدلات هطول الأمطار، بمتوسط يتراوح بين 200 و600 ملم في السنة، مما يدعم المناطق الزراعية الرئيسية، في حين أن السهول الساحلية والصحاري الشرقية غالباً ما تقل بها الأمطار عن 50 ملم سنوياً، مما يؤدي إلى بيئة قاحلة يندر فيها الغطاء النباتي.
*غيث أم كارثة؟*
تصف سعده المساوي (مزارعة) المأساة التي حصلت بالكارثة حيث تقول " كنا نستبشر ونفرح عند هطول المطر، لكن ما حصل لم يكن غيث بل كارثة حولت حياتنا إلى ماساة"
وبحسب منظمة الفاو أثرت الفيضانات على أكثر من 560,000 شخصاً ومقتل أكثر من120، وتسببت الفيضانات الشديدة الناجمة عن الأمطار الغزيرة بشكل استثنائي في أغسطس 2024 بخسائر كثيرة بالمحاصيل والماشية والعديد من الأراضي الزراعية، وأدى ذلك إلى تعطيل الأنشطة الزراعية في عدة محافظات مثل الحديدة وتعز والمحويت وأثرت الفيضانات على أكثر من 70 ألف أسرة ولحقت أضرار بحوالي 99 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وأدت إلى نفوق 279.400 ألف رأس من الأغنام والماعز.
ويقول د/جمال باوزير خبير التغيرات المناخية والبيئة والتنمية المستدامة يؤثر تغير المناخ على أنماط هطول أمطار ليصبح غير منتظم أي يصبح موسماً قصير او طويل وهذا يؤدي إلى صعوبة التخطيط الزراعي، السيول المفاجئة تسبب في جرف التربة الزراعية وهذا يؤدي إلى تدمير المحاصيل والبنية التحتية للزراعة من مدرجات وقنوات ري.
*ماذا بعد؟*
سؤال يطرحه مقبل علي اسم مستعار(مزارع) حيث يقول "ماذا نفعل بعد إن جُرفت أرضنا؟ ومن يعيدها لنا؟"
محافظة الحديدة لها النصيب الأكبر من هذه الامطار لم تكتفي بالأرض والمواشي وانما طالت الأرواح، حيث تعرضت العشش مع ساكنيها للجرف بالإضافة الى الأراضي الزراعية والمواشي والمزروعات تحكي سعده المساوي مزارعة في الحديدة لـ مناخنا22 "جرفت السيول التربة والزرع والمواشي، و 10 فدان من أراضي، كنت ازرع البامية والبصل والليمون اما الان فقدتُ كل شيء"
ويضيف مقبل علي يتأثر المزارعين بانجراف الأراضي في فقدان مصدر الدخل، وايضًا مصدر إطعام المواشي والتي تعد من أهم مصادر الدخل إلى جانب الزراعة ومنهم من لجأ الى بيعها او جزء منها "احنا نعتمد على الزراعة في توفير أعلاف المواشي، أما الآن فما بقي من المواشي نقوم ببيعه لأننا لا نجد ما نطعمها"
كما يقول أحمد راجح أنه كان يعتمد على الأرض في توفير الحبوب القمح لأسرته بينما الآن يشتريها من الأسواق في وصفه" انا اعمل بالأجر اليومي وكنت سابقُا اعتمد على الأرض في توفير الطحين وانا اوفر بقية احتياجات الاسرة، بينما الآن أصبح على كاهلي توفير لقمة العيش"
وتضيف سعده المساوي -مزارعة- أن الزراعة كانت مصدر الدخل لأسرتها وجيرانها ايضاً وتقول "لم أكن وحدي من تضرر وضعه وايضًا كانت الأسر المجاورة التي تساعدني في العمل في الأرض مقابل إعطائهم محاصيل ومقابل مادي، كلنا خسرنا هذا المصدر"
ووفق د/جمال باوزير خبير التغيرات المناخية والبيئة والتنمية المستدامة يؤثر هذا الخطر على فقدان مصادر الدخل ويعتمد الكثير من المزارعين على المحاصيل بشكل كبير ويتأثر مصدر دخلهم ومعيشتهم عندما لا تكون هناك زراعة أو محاصيل، وسبب أيضًا الهجرة الداخلية وزيادة هجرة المزارعين من الريف إلى المدينة لأنهم فقدوا المردود المادي من الزراعة في القرى والأرياف، وانعدام الأمن الغذائي وزيادة الفقر وتصبح كثير من الأسر عرضة للجوع بسبب الفقر وقلة الغذاء، بالإضافة للضغط النفسي والاجتماعي بسبب الخسائر المتكررة وعدم الاستقرار ويتأثر المزارع بهذا الضعف.
ويؤكد المزارع مقبل أن أغلب المزارعين في القرى الذين كانوا يعتمدون على أراضيهم الزراعية في العيش الآن هاجروا إلى المدن ومناطق أخرى يبحثوا عن فرص عمل.
*حلول وسياسات للتخفيف*
يقول د/جمال باوزير، خبير التغيرات المناخية والبيئة والتنمية المستدامة، إنه لابد أن يكون هناك حلول هندسية علاوة على وجود بنية تحتية مثل السدود والحواجز المائية، وهذا يساعد بدوره في تقليل إرتفاع السيول وعدم تجريف التربة، بالإضافة إلى بناء قنوات تصريف تساعد في توجيه مياه السيول بعيدًا عن الأراضي الزراعية ويمكن الاستفادة منها مستقبلاً، وكذلك يمكن أيضًا إقامة المدرجات الزراعية في المناطق الجبلية والمنحدرات لأن هذا يساعد على تدفق وسرعة جريان المياه، وعمل جدران حجرية أو ترابية لحماية الأرض الزراعية من الانجراف.
ويضيف باوزير أن هناك حلول بيئية وزراعية يجب تطبيقها ومنها عمل أحزمة خضراء في أطراف المزارع لحماية الأرض تساعد في تثبيت التربة وتشجير المناطق المفتوحة والجبلية يساعد على تقليل سرعة تدفق مياه السيول.
بالإضافة إلى إتباع سياسات التخفيف حسب باوزير وهي:تحديد المناطق التي تأثرت من السيول أو معرضة للتأثير والمناطق الاكثر عرضة، وعمل خرائط للتخطيط وإدارة تدفق السيول، ويتم تحديد مناطق الحظر الزراعي والعمراني؛ ما يساعد بدوره في التقليل من تأثيرات السيول على المواقع الزراعية لمجاري السيول، والتوعية والإنذار المبكر وتدريب المزارعين على كيفية التعامل مع السيول وكيفية تجنبها، وتشجيع أفراد المجتمع على المبادرات المجتمعية مثل بناء حواجز مائية للتحكم في مياه الأمطار.
في النهاية، لم تعد السيول في اليمن مجرد ظاهرة طبيعية موسمية، بل تحوّلت إلى تهديد وجودي يسرق أراضي المزارعين ويهدد أمنهم الغذائي وكرامتهم. وبينما يقف المزارعون وحدهم في مواجهة الخسائر، يظل غياب الحلول المستدامة والتدخلات الفاعلة كفيلاً بتحويل كل موسم مطر إلى فصل جديد من المأساة. إن إنقاذ ما تبقى من الأرض والإنسان لم يعد خيارًا، بل ضرورة عاجلة تفرضها صرخات المزارعين وحجم الكارثة التي تتكرر كل عام.
*هذا التقرير مُعد كمشروع تخرج من دبلوم صحافة المناخ، الذي تنظمه مدرسة المناخ بالتعاون مع غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشبكة الصحفيين الدوليين.*
