سياسة نقدية تحت الضغط: هل ينجح البنك المركزي في إعادة الثقة بالعملة؟
الاثنين 01 سبتمبر 2025 - الساعة 07:32 مساءً
المصدر : الرصيف برس - الوحدوي نت

في خضم الأزمة الاقتصادية المعقدة التي يعيشها اليمن، يجد البنك المركزي في عدن نفسه في مواجهة مباشرة مع قوى المضاربة التي تهدد بزعزعة السوق النقدية.
وجاء إعلانه الأخير بتثبيت سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية، وإلزام البنوك وشركات الصرافة بالتقيد الصارم به، ليعكس محاولة جادة لإعادة الإمساك بزمام الاستقرار النقدي في ظرف بالغ التعقيد، يتقاطع فيه الاقتصادي مع السياسي.
ويرى خبراء اقتصاد أن هذه التدخلات لا تقتصر على كونها إجراءات مالية لحماية العملة، بل تمثل جزءاً من معركة أوسع مع اقتصاد الحرب والسوق الموازي، خصوصاً في ظل هشاشة البنية الاقتصادية وغياب مصادر دائمة للعملة الأجنبية.
وبينما يعتبر مراقبون أن التثبيت يمنح الأسواق نقطة ارتكاز نفسية ويضيّق الخناق على المضاربين، إلا أنه يظل اختباراً لقدرة البنك على المواءمة بين سياسات التثبيت ومتطلبات الإصلاح الاقتصادي الشامل.
*قرارات صارمة*
ومساء أمس، أعلن البنك المركزي، تثبيت سعر صرف الريال اليمني أمام الريال السعودي عند 425 ريالًا للشراء و428 للبيع، مؤكدًا إلزامية تطبيقه في جميع التعاملات.
وفي بيان أعقب الاجتماع الدوري لمجلس إدارته، شدّد البنك على أن جميع المبالغ التي اشترتها البنوك وشركات الصرافة مؤخرًا أصبحت ملكًا للبنك المركزي واللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، في خطوة تهدف إلى منع استخدامها لأغراض مضاربية.
وربط المجلس هذا التوجه بالتحسن النسبي الأخير في قيمة الريال، معتبرًا إياه انعكاسًا للإجراءات النقدية الأخيرة، والدعم الحكومي والإقليمي والدولي.
كما كلف الإدارة التنفيذية باتخاذ إجراءات مشددة بحق المخالفين، تصل إلى مصادرة الأرصدة وتعليق التراخيص.
ويأتي القرار في وقت استعاد فيه الريال أكثر من 30% من قيمته خلال الشهرين الماضيين، متراجعًا من نحو 2,800 ريال للدولار إلى حدود 1,634 ريالًا للدولار، ما انعكس على انخفاض نسبي في أسعار بعض السلع الأساسية.
ومع ذلك، ظل السوق عرضة لمحاولات خلق "انتعاش وهمي" عبر إعلان أسعار منخفضة دون توفير سيولة للجمهور، وهو ما دفع البنك للتدخل المباشر.
*معركة مع المضاربين*
وقد شهدت السوق خلال اليومين الماضيين تقلبات حادة، إذ انخفض سعر الريال فجأة من 425 إلى 230 ريالًا أمام الريال السعودي، في حين امتنعت شركات الصرافة عن بيع العملات رغم استمرارها في الشراء، وهو ما اعتبره البنك ممارسة مضاربية خطيرة.
يؤكد خبراء أن المضاربة في اليمن تجاوزت إطارها الاقتصادي لتتحول إلى أداة ضغط سياسي ومالي في سياق اقتصاد الحرب. ومن هنا، فإن مواجهة المضاربين جزء من معركة أشمل لإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة وضبط السوق الموازي.
كما اعتبر الخبراء أن ربط جميع المشتريات باللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات يعزز الشفافية ويضمن توجيه العملات الأجنبية نحو استيراد السلع الأساسية، بدلاً من تسربها إلى أنشطة غير مشروعة.
وقد وفرت هذه الخطوات نقطة ارتكاز نفسية للتجار والمتعاملين، حتى وإن كان السعر المثبت لا يعكس القيمة الحقيقية للريال بقدر ما يعكس توازنًا نسبيًا يحد من الاضطراب.
الإجراءات الأخيرة أبرزت تنسيقاً أوثق بين البنك المركزي والحكومة والمجلس الرئاسي، وهو ما منحها زخمًا أكبر مقارنة بالفترات السابقة.
ويرى محللون أن نجاح هذه السياسة النقدية قد يضيق الخناق على اقتصاد الحوثيين، عبر إظهار بديل أكثر استقراراً في مناطق الحكومة.
لكن التعافي النقدي يظل هشاً، إذ ما تزال مصادر العملة الأجنبية محدودة مع توقف معظم صادرات النفط والغاز، ما يجعل التحسن مرتبطًا بالمساعدات الخارجية أكثر من اعتماده على عوائد إنتاجية.
كما أن ضعف الرقابة على السوق النقدية والانقسام المؤسسي بين عدن وصنعاء يزيدان من هشاشة الإصلاحات.
ويُجمع الخبراء على أن نجاح البنك المركزي في وقف نزيف الريال واستعادة جزء من قيمته يُعد إنجازاً مهماً، لكنه ليس سوى خطوة أولى. فالاستقرار النقدي يتطلب إصلاحاً اقتصادياً شاملاً يعيد بناء الثقة بالمؤسسات، ويوفر موارد حقيقية من خلال تفعيل الصادرات، توسيع القاعدة الضريبية، وجذب الاستثمارات.