تعز .. كنموذج لمشاريع التغييب
السبت 04 يونيو 2022 - الساعة 08:41 مساءً
نبيل أمين الجوباني
مقالات للكاتب
ها هي تعز وبعد سنوات سبع وعلى مشارف الثامنة من عمر الحرب تخرجُ قواها مجتمعة لترفع عقيرتها عالية بفتح المعابرٍ وفك الحصار .. مختزلةً كل التضحيات في خفض سقف تطلعاتها بفتح المعابر !!
سبع سنواتٍ مكتملة لم تستطع الحرب أن تنتصرَ لإرادةِ هذه المدينةِ وإرادة الوطن الكبير.
وقفةٌ جادةٌ هي كل ماتحتاجة تعز ومعها الوطن الكبير ، وقفةٌ شجاعةٌ وصارمةٌ مع الذات التعزية افراداً وجماعاتٍ و منظماتِ مجتمعٍ مدنيٍ وكياناتٍ ومؤسساتٍ مدنيةٍ وعسكريةٍ ، وقد أصبح فتح المعابر منتهى أمانيها .
وإلى تعز كان ينظر بأنها من ستحرر نفسها وستمتدُ أياديها الى ماحولها ( إب والحديدة ) لكنَّها لعنات الدَّهر ، وتراخي الشرعية ، وحسابات الساسة ، وأمراء الحرب ، وسلطات الأمر الواقع .
أما آن للجميع أن يُقِرُّوا بالفشل الذريع على كل المستويات وهذا أولاً ، ويتحسسوا ثانياً أسباب هذا الفشل ، وقد فشلنا في تقديم نموذجٍ واحدٍ ينتمي للمشروع الوطني الكبير الذي كانت تعز منطلقه وركيزته وحاملة لواءه االكبير ، وصمام أمنه وأمانه.
فشلنا كما لم نفشل من قبل في كل شيءٍ ، وبدون استثناءاتٍ في حرب التحرير كما في تطبيع الأوضاع الداخلية ، كما هو في السياسة وفي خلق تعايش مجتمعي جمعي بين كل إخوة النضال والهم الوطني العام وشركاء السلاح و المقاومة ، وقد كانت تعز عنوان التنوع والتعدد والتعايش ونموذجه في كل البلاد ، وأضحت عنواناً صغيرا ً لمشاريع أحادية صغيرة تغذي الصراع وتلعب بالباروت وشيطنة الجغرافيا باتجاهاتها إلأربع .
فشلنا كما لم نفشل من قبل في تقديم نموذجٍ لتحالف وطني حقيقي ، او لأي صيغ تحالفية أخرى تمثل همنا الوطني وقضايانا الجمعية ، و نجحنا في تصدير الهزيمة إلى الهُويَّة التعزية ، وتعزيز الإخفاق الجمعي والمجتمعي في كل مناحيها .
فشلنا - نعم - في كل محاولات البناء والتقريب ، كما فشلنا في تعزيز كل التوافقات والشراكات الوطنية.
فشلنا في بناء مؤسسات ضامنة وطنية الهوى والهُويَّة والمشروع جيشاً وأمناً ومؤسساتٍ مدنيةٍ ، وأضحت نماذجنا التعزية مصدر تندرٍ وسخريةٍ لدى كل الذين كانوا يراهنون على تعز كرافعةٍ للمشروع الوطني اليمني الكبير ، وأصبحت مصدرَ اقلاقٍ ورعبٍ للمجتمع التعزي ، ولنصدرَ خيبتنا لكل البلاد .
ولايزال من قواها من يصرُّ بعد كل نماذج الخيبة والفشل هذه على استمراء ذات الخطى ولا يُقِرُّ بانحرافه وخطاياه ويصرُّ على المضي بسياسته تلك بسلطة أمره الواقع إلى النهاية.
كل نماذج الفشل حدثت وتحدث بضوءٍ اخضرٍ من الشرعية وتحت نظرها ، فمتى ستكون تعز حاضرة في وعي الدولة وقرارها ، وفي بناءها وتحريرها ، وفي ترميم هويتها وتطهيرها وإعادة تأهيلها لتعود ايقونة المدنية وحاملة لواءها .
الكل في تعز ينتظر قرارات تعبينٍ لإدارات تعز ومرافقها مدنية وعسكرية على وجه الدقة والخصوص ، بقيادات كفؤة ونظيفة ولتعز وإنسانها وأمنها حريصة وقوية ونزيهة وشريفة .
فنماذج الفشل التي بليت بها تعز على مدى سنواتها السبع باستثناءاتٍ بسيطة جداً لايمكن أن تكون معولاً للبناء وقد كانت معاولاً للهدم والتدمير والتجريف والعبث و الفوضى ، وإن استمرت فلن تُصَدِّرَ فشلها وعجزها ومشاريعها الانتحارية الهَّدامة وانما ستعكس صورة قاتمة وسيئة عن القيادة الرئاسية ومجلسها الجديد ، ولن يكون الممعنون في تركيعها جزءاً من توثبها واستعادة هويتها الخلاقة ، وستجد هذه القوى ترفع صوتها مزايدةً حيناً ومنكرةً حيناً ، ومنقلبة في كل الأحايين .
وربما يصل حد النقمة والرفض لأي قولٍ او نقدٍ او حتَّى طرحٍ باستنهاض الهمم أو لتصويب المسار أو لنقد أداء هذه المؤسسة أو تلك أو حتَّى هذه القوى أو غيرها وقد أصبحت تمثل غطاءً لحماية العصابات ومرتكبي الجرائم والمطلوبين أمنياً على ذمة قضايا يطالها القانون ، قد تجعلك عرضةً للقمع والإرهاب والتأويل المتربص بكل مخالفٍ أو مختلفٍ.
لندرك جميعاً أي انحرافاتٍ وصلت إليهأ هذه المدينة التي كانت للمدنية عنوانها وللثقافة منارها وللثورة والوطنية والتاريخ والفن والتشكيل نبعها الدَّفَّاق وحاملة مشروع الوطن الكبير ، وبأي أنواعٍ من العاهات وضعت في طريق انعتاقاتها .
كل المشاريع الصغيرة إلى زوال ، ومهما سنحت لها الظروف فإن قدر الشعوب ماضٍ نحو خياراتها شاء من شاء وأبى من أبى .