حديث في السياسة .. وجهة نظر !! ( 1 / 2 )
الثلاثاء 07 يونيو 2022 - الساعة 02:11 صباحاً
نبيل أمين الجوباني
مقالات للكاتب
كم نحن بحاجة إلى إعادة قراءة المشهد اليمني ليس من بعيد وإنما من قريب، ولذلك لابد من فتح الجرح ليس لاثخانه أو تنكئته أوالعبث به، ولكن لتنظيفه وتطبيبه ؛ لنساعد في برءه وشفاءه..
لذلك لابد من مواجهه ومكاشفة وإن كانت قاسية حتَّى نتجاوز المحنة وحتى لاتكرر الأخطاء ونقع مرة أخرى في مثالب ما مضى ونضطر للدوران في دوامة المكابرة، ومتاهات الضياع الذي لن يفضي إلآ إلى مزيدٍ من متاهات اللاعودة .
للمراحل التاريخية خيارتها ومنطقها الخاص، والفكرة كما يقال بنت زمانها ومكانها أيضاً، وعليه فليس بالإمكان أحسن مما كان من وجهة نظر سياسية وواقعية بحته، وحتَّى من وجهة نظر تاريخية باعتبار الزمان والمكان والظروف الموضوعية التي اقتضت ذلك المخرج بفتح الميم وضمها ، عن المجلس الرئاسي أتحدث .
حتَّى وإن كنا نعتقد بوجود كثيرٍ من الأفكار والرؤى التي يمكن عدَّها أفضل من ذلك المَخْرج أو المٌخْرج ؛ لكن الأفكار وحدَّها بدون امتلاك أدوات الضغط الفاعلة لايمكن أن تفضي في أحسن أحوالها الى مثل ماكان أو ماهو كائن ..
ولعل الانقسام الحادث في منظومة الشرعية وقرارها وجغرافيتها كفيل بما هو أسوأ في نتائجه المحصلةِ أسفاً، وأعتقد جازماً رغم تحفظي أن المخرج الرئاسي كان الأفضل رغم وجود متاحاتٍ أخرى أكثر أفضلية !!
لكن وكما قلنا غابت أدوات الضغط الفاعلة، وكنا لوحدنا منذ ما قبل الحوارالوطني الشامل وحتَّى يومنا هذا، وكنَّا وبرغم صوابية مانعتقده ونؤمن به نفكر بمنطق الوطنية والدولة والمسؤولية التاريخية أمام الوطن والناس والتاريخ..
وكنا نفكر بمنطق الدولة حين غابت الدولة عن فكر وسلوك الجميع للأسف الشديد، ولانزال نعمل على استعادة هذا المنطق _ منطق الدولة _ لدى الجميع ليس بتذكيرهم وحسب، ولكن بالتصويب والخطى نحو المستقبل الذي يتسع للجميع بضمان المؤسسية وتفعيلها وإعادة بناءها بمسؤولية وعلمية ومهنية ، وباصطفافنا الجمعي ومعنا كل طلائع الشعب المؤمنة بذلك كأداة فاعلة وفعالة من أدوات الضغط ؛ وذاك صمام الأمن والأمان لكل الفرقاء ولكل البلاد وفق مخرجات الحوارالوطني الجامعة .
لنا أن نتفاءل وليس بأيدينا غير ذلك، وعلينا أن نضاعف الجهود ونوحِِّد الصفوف، وأن نتحمل المسؤولية التاريخية وألآ ننساق بعفوية وانفعالية في خندق الأجندات العابثة مع تقديرنا لمشاعرالجميع الملتهبة ، ونثمن مخاوفهم المشروعة .
ضعف الشرعية بدأ بانحرافها هي عن مسارات الشرعية التوافقية ابتداءً أي بانقلابها عليها ، وهو ما أفضى بها إلى هذه المآلات كنتائجٍ لتلك السياسات المنحرفة وهذا أولاً، وثانياً هي من مكنت الجغرافيا أن تسحب البساط من تحتها ، ولم يكن أمام قواها الداعمة لها في شرعيتها التوافقية إلآ أن تقبل بهكذا حلول يحافظ على مابقى من شرعية الشرعية المتآكلة مع تحفظات بعض قواها - والبعض هنا قليل ولا يتجاوز إصبعاً واحدة - وكان أسرع المباركين لذلك هم الذين عوَّلت عليهم الشرعية المتآكلة انحيازاتها التوقيفية على حساب الشرعية التوافقية !!
وسبق ونبهنا لذلك، ومع ذلك لم يكن بالإمكان احسن مما كان ، فالمُخْرَجُ على هذا النحو أفضل من ضياعها بتراخيها وتأكلها وتشظي جغرافيتها، ولم يعد من حلٍ سوى ذلك على الرغم من أنه كان يكفي أن يحدث تغييراً في مؤسسة الرئاسة بإقالة نائبه وكفى، وتعيين شخصية أخرى توافقية جامعة، لكن حليفه الاستراتيجي مارس رفضه وابتزازه ودفعه لخياره ذاك ، بإعلانه الدستوري بنقل صلاحياته، وكأنه كان يدفع الأمور نحو التعقيد ،واعتقد بخياره ذاك خراب مالطا بعد إعلانه، وبخروج جماهير حليفه الاستراتيجي تطالب بعدوله عن استقالته وتفويضه الدستوري !!
وهو مالم يكن .. وحسناً فَعَلَا معاً .
أما وقد قدم استقالته ونقل صلاحياته ، فلم يعد بعد ذاك إلآ أن نرتضي بآخر قراراته _ والتي لن تكون في أسوأ أحوالها وحالاتها من مرحلة هادي الكارثية التي عُرفت بقيادة الفشل _ على أسس من التوافقية الضامنة، وعلينا ان نتفاءل ، ولن يكون القادم أسوأ مما كان، فتذكروا ذلك جيداً .
ومهما كانت أجندات خصوم التوافق والتوافقية ومحاولاتهم ضرب كل بوادر التقارب والانفراج ولو بشكلٍ نسبيٍ في بيت الشرعية ، ربما لاعتقادهم أن ذاك يفشل مخططات تمكينهم المزعوم بتغولاتها .. فإنها محاولاتٍ باتت مكشوفة ولن تفضي بها لمبتغاها وستعرضها لخسارة كل ما أمكنها تحقيقه !!
إن أي قوة تحاول تبرير تغولها باختطاف الحياة السياسية أو الدولة أو مؤسساتها مثلاً فإنها تشرعن للآخر ممارسة ذات الآلية أوالمنهج، ولن تعدم هذه القوة أو القوى للتبرير فقهاً، وقد حدث في سنوات الحرب الثمانية مايؤكد ذلك !!
الكل يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، ولا حقيقة مطلقة لدى أحد !!
وذاك هو منطق التغول والاستبدادية والغلبة لقوى الماضي المشدودة للعيش خارج التاريخ والعصر ؛ إذ تقرأ حاضرها بشكلٍ عدائيٍ ، وفهمٍ مغلوطٍ ، وتتطلَّع إلى المستقبل بعقليةٍ ماضويةٍ تشدها للخلف بحنينٍ جارفٍ لأحلام لاتنتمي للعصر ، ولا لمنطق وقوانين التطور التاريخي والإنساني..
فهي تقرأ المستقبل في الماضي، كما سبق وقرأت الماضي بشكلٍ مشوهٍ ومغلوط فعاشت خارج التاريخ وسياقاته الموضوعية، وهو ما انتج تلك العقلية العدائية المنفصمة مع وعيها ومع واقعها ، ومع الماضي والحاضر والمستقبل، وتجترُّ صراعاتها المغلقة والمغلَّفة أيديولوجياً وتسحبها على واقعها في مخيالٍ ديني أو في لبوسٍ سياسي أو في تخندقٍ جغرافيٍ أو نزقٍ مذهبيٍ أو استعلاءٍ طبقيٍ أو عرقيٍ لتمنح نفسها أفقاً في امتدادات الشرعية والمشروعية معاً في استدعاءِ صراعاتها في معارك البقاء بحسب مخيالها القاصر وفق نظريات المؤامرة وتهديدات الوجود.
فمن تراه يستطيعُ أن يقنعَ كل هذه القوى الفوضوية الماضوية المشدودة إلى الوراء بأن البلاد تسير إلى الهاوية والتشظي و انفراط الدولة، وأنهم بخياراتهم العرجاء واستنزافهم للبلاد والتحالف، والدماء والتربح بملفات الفوضى وتحكمهم بسلطات أمرهم الواقع ، والمتاجرة بحروب استعادة الدولة ودحر الإنقلاب والتلاعب بمصائر الوطن الارض والإنسان إنما يحفرون قبورهم ويستجلبون لعنات التاريخ .
ومن يستطيع إقناعهم أيضاً بفتحِ صفحةٍ جديدةٍ للبدء بتحرير كل البلاد ، واستعادة الدولة المخطوفة، ومن يستطيع اثناءهم عن مشاريع التفتيت وأوهام التمزُّقِ و مشاريع التمكين ، ومن يستطيع أيضاً استعادة البوصلة الوطنية في توجهاتهم الهدَّامة وفوضويات تمكينهم المزعوم إلى خيارات الدولة الوطنية التي تتسع للجميع ، وإلى خيارات المواطنة والقانون إلى الانتصار لقضايا الوطن الأرض والإنسان، ومن يستطيع إقناع جماهيرها المقرطسة بأوراق التواليت، وتحركها كعرائس الماريونيــت، ومن يستطيع ان يقنعها ويثنيها عن حمل خناجرها المسمومة التي تصطحبها معها حتَّى في غرفِ نومها .
يتبع ...