تحييد خطر الحوثيين.. خريطة استراتيجية للبحر الأحمر وما بعده
الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 - الساعة 07:09 مساءً
المصدر : الرصيف برس - الشرق الأوسط

تقف الولايات المتحدة عند مفترق طرق استراتيجي في البحر الأحمر. فبعد سنوات من التردد، واجهت إدارة ترامب تهديد الحوثيين بحزم من خلال عمليات عسكرية متواصلة بين 15 مارس و6 مايو 2025.
ورغم أن الضربات الأميركية ألحقت أضرارًا بالحوثيين، فإنها فشلت في القضاء على التهديد. فقد كشفت المقارنة بين تكلفة كل ذخيرة أميركية وبين ترسانة الحوثيين منخفضة التقنية وعالية التأثير، عن فجوة واضحة في ميزان القوة.
هذا الخلل، إلى جانب الاعتبارات السياسية، كان على الأرجح وراء قرار الرئيس ترامب وقف الضربات بعد أن أوقف الحوثيون مؤقتًا هجماتهم البحرية.
غير أن ذلك التوقف انتهى في 6 و7 يوليو 2025، عندما استهدف الحوثيون ناقلتين تُداران من قبل شركات يونانية، وأطلقوا صاروخًا باليستيًا على مطار بن غوريون في إسرائيل، مذكرين العالم بأنهم لا يزالون ماضين في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية بالعنف.
تؤكد هذه الهجمات الأخيرة أن هزيمة الحوثيين تتطلب ما هو أكثر من مكاسب تكتيكية قصيرة المدى، بل تحتاج إلى استراتيجية شاملة ومتكاملة تستهدف ليس فقط قدراتهم العسكرية، بل أيضًا شبكاتهم المالية وشرعيتهم السياسية وأنظمة الدعم الخارجي التي يعتمدون عليها.
فأي إجراء دون ذلك سيمنحهم فرصة لإعادة تنظيم صفوفهم وتسليح أنفسهم من جديد. وستواصل إيران استغلال الحوثيين كأداة لزعزعة استقرار المنطقة، بينما توسّع قوى منافسة مثل الصين نفوذها في الممرات البحرية العالمية. فمصداقية الولايات المتحدة واستقرار المنطقة وحرية تدفق التجارة العالمية جميعها على المحك.
يُعدّ البحر الأحمر ذا أهمية حيوية للمصالح الأميركية وللنظام الدولي الأوسع، إذ يمثل محورًا استراتيجيًا يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا.
ويعبر نحو 15% من التجارة العالمية مضيق باب المندب. ومع كل سفينة يهاجمها الحوثيون، وكل ارتفاع في أقساط التأمين، وكل مسار تجاري يُعاد توجيهه، يتراجع النفوذ الأميركي لصالح القوى المعادية.
ويُظهر التاريخ هشاشة هذا الممر الحيوي، إذ كادت أزمة القرصنة الصومالية مطلع الألفية أن تشل التجارة الإقليمية، وأجبرت المجتمع الدولي على تدخلات مكلفة متعددة الأطراف. واليوم، تتفاقم المخاطر مع سعي إيران والصين لفرض نفوذهما على هذه النقاط البحرية الحساسة.
ولا تقتصر التداعيات الاقتصادية لعدم استقرار البحر الأحمر على اليمن فحسب، إذ بدأت شركات الشحن العالمية بإعادة توجيه السفن حول رأس الرجاء الصالح، ما يضيف أسابيع إلى زمن الرحلات ويرفع التكاليف. هذه المسارات الطويلة تزيد أسعار الطاقة، وتعطل سلاسل الإمداد، وتؤثر سلبًا على اقتصادات أوروبا وآسيا والولايات المتحدة.
كما ارتفعت أقساط التأمين على الشحن في البحر الأحمر بشكل كبير. وإذا استمر التهديد الحوثي دون ردع، فستتصاعد الضغوط التضخمية العالمية، مما سيقوض التعافي الاقتصادي ويضعف قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على الصمود أمام منافسين مثل الصين. لذلك، فإن تأمين البحر الأحمر ليس قضية إقليمية فحسب، بل ضرورة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي العالمي والمنافسة الاستراتيجية الأميركية.
ونظرًا للتداعيات العالمية المتزايدة لعدم استقرار البحر الأحمر، فقد انتهى وقت الحلول الجزئية، خصوصًا بعد الصراع الأخير بين إسرائيل وإيران الذي استمر 12 يومًا، وتجدد الهجمات الحوثية.
وفي هذا السياق الجيوسياسي الجديد، على واشنطن أن تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف واضحة: القضاء الدائم على التهديد الحوثي، تحقيق استقرار اليمن عبر هيكل حكم لامركزي موحد، وضمان حرية الملاحة في أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
تحقيق هذه الأهداف يتطلب حملة مستمرة توظف القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية بشكل منسق على مدى لا يقل عن 15 شهرًا.
هذا الجدول الزمني مقصود، إذ يتماشى مع الواقع السياسي الداخلي الأميركي. فمع اقتراب انتخابات منتصف الولاية في نوفمبر 2026، تواجه إدارة ترامب نافذة زمنية محدودة للعمل. يجب أن تُنفذ الحملة الشاملة لتأمين البحر الأحمر بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة شركاء إقليميين قبل توجه الناخبين الأميركيين إلى صناديق الاقتراع.
الهدف هو تحقيق الاستقرار قبل أن تؤدي التحولات الانتخابية إلى تقويض العملية. ومع أن الرأي العام له أهميته، فإنه لا يمكن أن يحل محل القيادة الحاسمة. فكثيرًا ما يتصرف السياسيون الأميركيون كدوامات هواء تتأثر بالرياح السياسية، لكن في هذه الحالة، يجب أن يتبنى صانعو القرار استراتيجية تدرك حجم الرهانات، وتستوعب الواقعين المحلي والجيوسياسي، وتقبل المخاطر الضرورية لحماية المصالح الأميركية في البحر الأحمر.
ولتحقيق الأهداف الأمنية الأميركية في البحر الأحمر خلال فترة الـ15 شهرًا، يجب اتباع استراتيجية ثلاثية المراحل:
1. المرحلة الأولى (0–5 أشهر):
زيادة مكثفة في تغطية وضربات الطائرات المسيّرة، وتنفيذ عمليات تخريب وهجمات سيبرانية، وفرض مناطق حظر بحري دون تهاون، وإطلاق حملات اتصالات استراتيجية عالمية، وإشراك القطاع الخاص في تعزيز حماية عمليات الشحن التجاري.
2. المرحلة الثانية (5–10 أشهر):
توسيع الدعم العسكري والحكومي للشركاء اليمنيين، وتسريع تحويل مسارات التجارة نحو موانئ بديلة، وتشديد تنفيذ العقوبات، والحفاظ على ضغط دبلوماسي متواصل على سلطنة عُمان، مع تفعيل نماذج الحكم اللامركزي في المناطق المحررة.
3. المرحلة الثالثة (10–15 شهرًا):
نقل مسؤوليات الأمن البحري إلى تحالفات إقليمية، واستكمال إعادة بناء البنية التحتية الحيوية، وضمان الاعتراف الدبلوماسي الدولي بالحكومة اليمنية اللامركزية، والحفاظ على ضغط استراتيجي دائم ضد الحوثيين ورعاتهم الإيرانيين.
كل مرحلة تُبنى على سابقتها: الأولى تهيئ البيئة العملياتية وتؤسس للرسائل الاستراتيجية، الثانية تكثف الضغط العسكري خصوصًا على الأرض، والثالثة ترسخ أطر الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني المستدامة.
على المخططين الأميركيين أن يدركوا أن الحوثيين لا يستجيبون إلا للقوة، وأن الضربات الجوية المحدودة أو المتقطعة لن تضعف قدراتهم أو تكسر إرادتهم في القتال. يجب تنفيذ حملة عسكرية مستمرة ومتنامية لتفكيك قدراتهم البحرية، وحرمانهم من الملاجئ، وتعطيل شبكات القيادة والسيطرة لديهم.
ويجب الحفاظ على وتيرة عملياتية ثابتة تستهدف منصات إطلاق الصواريخ الباليستية، ومراكز تصنيع الطائرات المسيّرة، ومحطات الرادار الساحلية، ومنصات الهجوم البحري، مع التركيز على العمليات الاستباقية لمنع الهجمات قبل تنفيذها بدلاً من الرد عليها لاحقًا.
والأهم من ذلك، يجب أن يتعرض قادة الحوثيين لضغط متواصل — لا ملاذ آمن، ولا وقت مستقطع، ولا فرصة لإصدار الأوامر.
ولتنفيذ استراتيجية أكثر فاعلية ضد الحوثيين على الأرض من دون نشر قوات أميركية كبيرة، يتعيّن على واشنطن إعادة تقييم شراكاتها المحلية. يجب أن تُعطى الأولوية لدعم القوى الأكثر كفاءة في مواجهة الحوثيين — وعلى رأسها القوات المشتركة على الساحل الغربي بقيادة العميد طارق صالح، وألوية العمالقة المدربة جيدًا.
كما ينبغي الحفاظ على تواجد القوات العسكرية والقبلية في مأرب تحت قيادة رئاسة الأركان كعمود فقري للمقاومة. في المقابل، يمكن أن تعمل القوات العسكرية والأمنية في حضرموت وتعز والمهرة وشبوة كمنصات للدعم اللوجستي والبشري لتوسيع نطاق العمليات المناهضة للحوثيين. وأخيرًا، قد يلعب المجلس الانتقالي الجنوبي دورًا حاسمًا في جبهات الوسط والشمال، شريطة أن يتماشى انتشاره مع الأهداف الوطنية المشتركة.
هذه الوحدات القتالية الجاهزة تُعدّ عناصر فاعلة على الأرض، ويمكن تفعيلها من دون إلزام القوى المختلفة بوحدة شاملة على الفور؛ فإقامة شراكات محددة الأهداف والجبهات أمرٌ عملي وممكن عبر تنسيق سياسي يُقدّم غطاءً مشتركًا — على سبيل المثال بالتنسيق مع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي مثل سلطان العرادة وطارق صالح، مع توفير الغطاء السياسي عبر الرئاسة. ومع تقدم الضغوط الميدانية، ستشجع الانتصارات الجزئية الفصائل المترددة على الانضمام إلى الحملة المناهضة للحوثيين، مما يخلق زخمًا ميدانياً لصالح التحالف المناهض.
ولتضخيم هذا الزخم، يجب أن تعمل القوات الأميركية وحلفاؤها كمضاعف للقدرات المحلية: تنفيذ مهام خاصة تخريبية ضد البنية التحتية الحيوية للحوثيين، بما في ذلك مواقع التخزين تحت الأرض ووحدات الإطلاق المتنقلة، بالتوازي مع شن هجمات سيبرانية تعطل منظومات الاتصالات المشفّرة وأنظمة الاستهداف وشبكات التحكم بالطائرات المسيّرة. الهدف هو شلّ قدرة الحوثيين على التنسيق البحري والبرّي ومنعهم من استعادة قدرتهم على تنفيذ هجمات منظمة.
وينبغي توظيف أنظمة جوية غير مأهولة متقدمة مثل MQ-9 Reaper لمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والضربات الدقيقة، مع نشر أسراب من الطائرات الرباعية منخفضة التكلفة لتغطية ساحات عمليات أوسع وحجب حرية حركة القيادة الحوثية. أما في المجال البحري، فلا بد من استغلال السفن السطحية غير المأهولة والمركبات المائية غير المأهولة لمهمات الرصد والاعتراض، بينما تتولّى المركبات البرية غير المأهولة دوريات لقطع مسارات الإمداد البرية والحدودية. وبالتنسيق الوثيق مع الشركاء المحليين، يمكن لهذه القدرات المتكاملة توسيع النطاق العملياتي للضغوط وتقليل المخاطر على الأرواح.
ومن الأهداف الحيوية الأخرى إنفاذ مناطق حظر بحري صارمة حول الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين — الحديدة، الصليف، ورأس عيسى — لقطع سلاسل الإمداد بالأسلحة والوقود. يجب اعتراض أي سفينة تخرق هذه المناطق فوراً، مع تركيز خاص على ناقلات الوقود التي يستخدمها الحوثيون لتشغيل هجماتهم أو لبيعها في السوق السوداء. عبر استهداف مخزونات الوقود هذه، تُحوّل الموارد الحيوية إلى عبء يخنق القدرة التشغيلية للحركة.
ومع أن الضربات العسكرية قد تكون فعالة على المستوى التكتيكي، فإن الانتصار الدائم يتطلب هجوماً سياسياً واقتصادياً موازياً لعزل الحوثيين وقطع منابع تمويلهم. على وزارة الخزانة الأميركية، بالتعاون مع الحلفاء الإقليميين، توسيع نطاق العقوبات لتشمل شركات الشحن والوسطاء الماليين المتورطين في تهريب السلاح والوقود إلى الحوثيين.
كما يجب أن تضع الاستخبارات أولوياتها على تفكيك الشبكات المالية غير المشروعة التي تعمل عبر مسارات مثل عُمان ولبنان وشرق أفريقيا.
بجانب ذلك، ينبغي إحداث استثمارات استراتيجية في موانئ بديلة — عدن، المكلا، وبربرة — لتحويل مسارات الشحن التجاري بعيدًا عن المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. كل سفينة تُحَوَّل للإرساء في موانئ بديلة تُحرم الحوثيين إيرادات جمارك مهمة وتحدّ من شرعيتهم الاقتصادية.
كما أن تطوير هذه الموانئ يعدّ من جملة الوسائل لمواجهة نفوذ مشاريع بنى تحتية خارجية — لا سيما طموحات الصين ضمن مبادرة الحزام والطريق — عبر خلق بدائل لوجستية واقتصادية تقوّض محاولات الهيمنة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، ينبغي أن تضغط الولايات المتحدة على سلطنة عُمان لوقف أو تقليص الدور الذي يسهل تهريب الأسلحة عبر حدودها. وعلى الرغم من تاريخ الحياد العماني، فإن السماح بتدفقات تسليح يهدد استقرار المنطقة ويستدعي تحفيزات دبلوماسية وأمنية، وربما تبعات اقتصادية إن اقتضى الأمر.
وستظل الدبلوماسية الهادئة المدعومة بلغة العقوبات والحوافز أداة محورية، لكن يجب أن تكون هناك آليات لفرض تكاليف في حال استمرار التساهل.
وفي ظل عجز أممي متكرر عن اتخاذ إجراءات حاسمة، يجب على واشنطن أن تقود تحالفًا بحريًا مؤقتًا — مبنيًا على أطر عملية مثل «حارس الازدهار» — لتأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر وضمان مشاركة إقليمية ودولية فاعلة. الانتظار للاعتماد الكامل على توافق دولي قد يعيق الفاعلية التشغيلية؛ لذلك يجب تركيب هذا التحالف بسرعة وبمشاركة سعودية وإماراتية ومصرية وأوروبية وقوات أخرى مستعدة للمساهمة.
كما أن معارك التخطيط الإعلامي ستكون محورية؛ لذا يتعيّن نزع شرعية الحوثيين إقليميًا ودوليًا عبر حملة اتصالية مستمرة تكشف انتهاكاتهم — تجنيد الأطفال، استهداف السفن المدنية، التحويل غير القانوني للمساعدات الإنسانية، وغيرها.
يجب أن تعمل وسائل الإعلام الغربية والعربية والدولية على تضخيم هذه الرسائل بانتظام، وربط السلوك الحوثي بمخططات طهران الأوسع لتبيان الطابع الأجنبي للتحرك الحوثي وتهديده للاقتصاد العالمي.
وتشير تقارير متفرقة إلى تورط جهات وشركات خارجية — بما في ذلك مزاعم عن عناصر صينية — في دعم بعض قدرات الحوثيين بالأسلحة أو أنظمة التوجيه أو الاستخبارات الجغرافية التي سهلت استهداف أهداف بحرية.
وفي هذا الإطار الإعلامي والديبلوماسي، يتعين استخدام هذه التقارير بحذر وبتدقيق استخباري لتكثيف الضغوط على الجهات الداعمة ولإضفاء مزيد من الشرعية على الإجراءات الدولية ضد شبكات التمويل والتوريد.
كما يجب إشراك القطاع الخاص — ولا سيما شركات الشحن والتأمين البحري — في مجموعات عمل تعنى بتطوير إجراءات دفاعية، وحملات ضغط إعلامية، وآليات لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين القطاعين العام والخاص. على الفاعلين التجاريين أن يدركوا أن أمن خطوط الملاحة مسؤولية مشتركة وأن استقرارها مرتبط بمصالحهم الاقتصادية المباشرة.
وعلى صعيد الردع تجاه إيران، يجب أن تُوضَع معايير واضحة: استمرار الدعم الإيراني للحوثيين سيقابَل بتوسيع رقعة الاستهداف الأميركي لتشمل بنى تحتية إيرانية استراتيجية. ربط ملف الأمن البحري بمسائل التفاوض النووي والدبلوماسية سيرفع تكلفة التعنت الإيراني ويمنح واشنطن أوراق ضغط إضافية في ساحات تفاوضية أوسع.
ولا ينبغي أن تقتصر الدبلوماسية العامة على الجمهور الغربي؛ بل يجب تنسيق الرسائل مع حلفاء الخليج عبر الوسائل الإعلامية الإقليمية لمواجهة دعاية الحوثيين وتعزيز شرعية الجهود الرامية لاستعادة الاستقرار والازدهار في المنطقة. هذه الشراكات الإعلامية والدبلوماسية ستسهم في تأسيس رواية فاعلة تُبرر الإجراءات وتستقطب دعمًا إقليميًا ودوليًا.
إن الهزيمة العسكرية للحوثيين ضرورية لكنها غير كافية؛ فالأمن الدائم يتطلب تمكين الفاعلين اليمنيين الشرعيين لمنع استعادة الجماعة لقواها. لذلك ينبغي تعزيز الدعم الأميركي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وللقوى المناهضة للحوثيين التي تم التحقق من نزاهتها، مثل بعض تشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي والقبائل الرئيسية.
ويجب أن يشمل هذا الدعم توفير أسلحة مناسبة، وتبادلًا استخباريًا، ودعمًا لوجستيًا مشروطًا بالتزام هذه الأطراف بمبادئ الحكم والنهج الوطنيين.
كما يُنصح بدعم نموذج الحكم اللامركزي في اليمن كحلّ عملي لتجنّب أخطاء المركزية المفرطة التي فشلت في ملفات إقليمية أخرى. فاللامركزية تمنح المناطق قدرة على الحكم الذاتي ضمن إطار وطني موحد، وتحدّ من استغلال المظلومية من قبل الجماعات المسلحة.
وقد أثبتت تجارب دولٍ أخرى أن توزيع السلطات يمكن أن يكون أداة فعالة لاستيعاب التعددية القبلية والإقليمية إذا رُكّبت آلياته بعناية.
وفيما يخص جهود إعادة الإعمار، يجب أن تُركّز على مشاريع سريعة التأثير تُعزز من البدائل الاقتصادية في المناطق المحررة: إعادة تأهيل الموانئ والمرافق الجمركية والمراكز الصحية وشبكات النقل. إن تنفيذ مشاريع ملموسة ومرئية سيساعد في بناء ثقة السكان ويقلّص من قدرة الحوثيين على استغلال الفراغ الاقتصادي. ويتطلب ذلك رقابة صارمة على إدارة المساعدات لمنع الفساد والتلاعب.
ورغم ما يثيره هذا الموقف من مخاوف بشأن التصعيد أو تورط أكبر، فإن المخاطر قابلة للإدارة عبر قواعد اشتباك واضحة، وضربات محسوبة، وتواصل دبلوماسي مستمر مع الشركاء الإقليميين. ويجب تحديد حدود واضحة لأهداف المهمة: أمن الملاحة ومكافحة التهديد الحوثي، مع تشكيل ممرات إنسانية تضمن وصول المساعدات دون منح الحوثيين أوراق ضغط.
وبالتنسيق المستمر مع الحلفاء الخليجيين ومصر والأطراف الإقليمية الأخرى، يمكن تقليص ردود الفعل السلبية وضمان شعورٍ بالملكية الجماعية للحملة. كما يمكن لوجود ملكية إقليمية أن يساهم في ضمان استدامة الحلول الأمنية والسياسية على المدى المتوسط والطويل.
ومن الأدوات الإضافية لخفض حدة التصعيد في المفاوضات مع إيران أن تُعتمد صيغة تفاوضية صارمة تُشترط وقف الدعم الإيراني للحوثيين كقِسمٍ غير قابل للتفاوض. ويجب أن تكون هناك تبعات واقعية وواضحة في حال استمرار التدفق الإيراني للدعم العسكري والمالي. ربط ملف الأمن البحري بالملف النووي يعطِي واشنطن قدرة إضافية على الضغط ويجعل تكلفة استمرار سياسة دعم الوكلاء مرتفعة.
قبل كل شيء، يجب أن تعي الولايات المتحدة أن الجمود أخطر من التحرك. فالحوثيون ليسوا جماعة محلية فحسب، بل أداة استراتيجية تستغلها طهران للتأثير في الاقتصاد العالمي، ويمثلون جزءًا من لعبة جيوسياسية أوسع تُدار فيها مصالح القوى الكبرى. والتعامل معهم بتردد يعني قبول نتائج استراتيجية كارثية: انهيار الدولة اليمنية، وتمكين نفوذ إقليمي معادٍ، وارتفاع تكاليف الشحن العالمية، وتآكل النفوذ الأميركي في مسرح له أهمية حاسمة.
إن حملة نصفية أو مترددة ستحقق ردعًا مؤقتًا فحسب وتفتح المجال لتجدد الصراع لاحقًا. أما الخيار الأفضل والأكثر مسؤولية فهو حملة شاملة ومتكاملة تجمع بين التفوق العسكري، والضغط السياسي، والعزل الاقتصادي، والحرب المعلوماتية، وتمكين الفاعلين المحليين. يتطلب ذلك إرادة ثابتة ورؤية طويلة المدى: لا يجوز ترك أمن البحر الأحمر للصدفة، بل يجب تأمينه بعزيمة وتصميم.
على الولايات المتحدة أن تختار النصر الآن — فالنصر ليس ترفًا بل ضرورة استراتيجية.